معركة الوعي (179) استهداف المدنيين في القانون الدولي
حامد اغبارية
أمام مشاهد الدمار وسقوط آلاف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ جراء القصف الإسرائيلي في غزة، وهذا الصمت الدولي القاتل، لا بد من التذكير بما وقّعت عليه دول العالم فيما يتعلق بالحفاظ على حياة المدنيين أثناء الحرب، واعتبار استهدافهم ضمن الأعمال الحربية جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
جاء في المادة الثالثة من اتفاقية جنيف لعام 1949 بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب:
(في حالة نشوب نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبّق كحد أدنى الأحكام التالية:
1) الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوْا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعامَلون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضارّ يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن :
(أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.
(ب) أخذ الرهائن.
(ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والماسّة بالكرامة.
(د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكّلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
2) يُجمع الجرحى والمرضى ويُعتنى بهم.
ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع.
وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها.
وجاء في المادة الرابعة: (الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما، وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها).
هذه البنود وغيرها من المواد الواردة في تلك الاتفاقية تنطبق بحذافيرها على سكان قطاع غزة الذين يتعرضون للقصف على مدار الساعة، ويسقط منهم يوميا المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، ناهيك عن استهداف المشافي والمؤسسات الصحية وسيارات الإسعاف وطواقم الدفاع المدني، بل وحتى المدارس والمؤسسات التربوية والمدنية، التي يتبع قسم كبير منها لمؤسسات دولية مثل الأونروا. ورغم ذلك فإن المجتمع الدولي يواصل صمته ولا يتحرك من أجل حماية المدنيين والمؤسسات الحيوية ذات الطابع المدني، في الوقت الذي أقام المجتمع الدولي ذاته الدنيا ولم يقعدها حتى الآن، إزاء استهداف روسيا للمدنيين في أوكرانيا!
فما الذي يجري؟
وما السبب وراء الكيل بمكيالين في التعاطي الدولي مع ما يجري على الساحة الفلسطينية؟
لماذا يصمت العالم طوال شهر تقريبا وهو يرى على الشاشات بالصوت والصورة أشلاء الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين الآخرين؟
كيف ولماذا يصمت المجتمع الدولي أمام مشهد التدمير الشامل للبنايات وللأحياء الكاملة، ودكها بأطنان القنابل فوق رؤوس أصحابها؟
كيف ولماذا يصمت المجتمع الدولي أمام قصف المستشفيات التي تجاوزت دورها من مؤسسات علاجية إلى مراكز لإيواء آلاف المدنيين الفارين من القصف الإسرائيلي؟
كيف ولماذا يصمت المجتمع الدولي أمام منع إدخال المساعدات الغذائية والطبية وغيرها إلى أهل غزة؟
كيف ولماذا يصمت المجتمع الدولي أمام قطع المياه والكهرباء والوقود عن القطاع وهو يعلم أن هذا كله عبارة عن عقاب جماعي مجَرّمٌ دوليا؟
والسؤال: هل ما يجري هو قتال بين فئتين عسكريتين وحسب، أم هو قتلٌ للأبرياء؟
إننا أمام مشهد دامٍ يجب أن يتوقف فورا. وإذا كان ما يسمى بالمجتمع الدولي لديه بقية من ضمير وإنسانية فإن عليه أن يوقف هذه الحرب المجنونة. كما أن عليه أن يحاسب كل من تنطبق عليه مواصفات “مجرم حرب” أو “مجرم ضد الإنسانية”.