أخبار رئيسيةمقالات

معركة الوعي (178) إعدام حرية التنهُّد والتعبير عن الحُزن..

حامد اغبارية

جاء في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”. وبطبيعة الحال فإن هذا يشمل حرية الصحافة والإعلام.

ورغم أن المؤسسة الإسرائيلية لم توقع على ذلك الإعلان، لأنها لم تكن عضوا في الأمم المتحدة يوم إقراره في كانون الأول 1948، إلا أن المحكمة الإسرائيلية العليا تبنت الإعلان في قراراتها، حتى أصبح مسألة مفروغًا منها في القانون الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك قانون الأساس “كرامة الإنسان وحريته”، الذي أقره الكنيست الإسرائيلي. ومع علمنا أنّ حرية التعبير لم تُدرج في قانون أساس إسرائيلي إلا أنها ألحقت تلقائيا بقانون أساس كرامة الإنسان وحريته، باعتبار أن حرية التعبير هي جزء لا يتجزأ من حرية الإنسان.

ومع ذلك لم نشعر يوما، نحن فلسطينيي الداخل، أننا نتمتع بـ “حرية التعبير” حسب تعريفها الأممي، حتى بالمفهوم الغربي البحت، المليء بالنواقص والنواقض والعوار. لم نشعر بذلك في الأيام والظروف العادية، كما لم نشعر به في الأوقات العصيبة التي عشناها عبر عقود طويلة، وكنا طوال الوقت ملاحقين على الحرف والكلمة والفاصلة وعلامة التعجب. بل في أحيان كثيرة لوحقنا على النوايا.

واليوم، كما نرى جميعا، فإن حرية التعبير قد أُطلق عليها الرصاص، وأنزلت على عنقها شفرة المقصلة، والتفَّ حول رقبتها حبل المشنقة، في مشهد غير مسبوق، يعكس حالة من الهلع الإسرائيلي من مجرد تعليق أو حتى التّنهُّد أو إبداء الحزن على ضحايا القصف في غزة من أطفال ونساء وشيوخ وأبرياء، أو حتى التعليق بإشارة إعجاب أو حزن أو استهجان على منصات التواصل الاجتماعي. بل بلغ الأمر أن الكنيست أقر أول من أمس بالقراءة الأولى قانونا يحظر “استهلاك” مواد إلكترونية لجهات يعرّفها القانون الإسرائيلي بأنها إرهابية. ويتضمن القانون تقديم لائحة اتهام فورية ضد من يثبت أنه شاهد بشكل متواصل ومنهجي موادَّ وأفلاما تبثها تلك الجهات!!

هذه حالة لم يسبق لأحد أن عاشها حتى أيام الحكم العسكري الذي فلرض علينا بين 1948 و1966، أو أثناء حرب حزيران 1967 أو حرب رمضان 1973 أو حرب لبنان الأولى عام 1982 أو حرب لبنان الثانية عام 2006 ، أو في أحداث الانتفاضتين الأولى 1987 والثانية عام 2000.

إننا ملاحقون حتى الرمق الأخير، وممنوعون ليس فقط من التعبير عن مشاعر الحزن أو الغضب أو الرفض، بل من مجرد استحضار هذه المشاعر التي هي من الفطرة التي لا سيطرة لأحد عليها.
لقد بلغ التضييق حدًّا من العبثية والجنون التي لا يمكن لدولة تملك كل عناصر القوة أن تمارسه على من تقول إنهم مواطنون فيها لهم كامل الحقوق التي أقرتها الشرائع والإنسانية.

لقد أظهرت هذه الحالة هشاشة المشهد الإسرائيلي وعدم قدرته على استيعاب أي موقف لا يتقف مع الموقف الرسمي. حتى تلك المرأة المسنة التي كانت قد اختطفت في غزة وأطلق سراحها مع امرأة مسنة أخرى، لم تنجُ من الهجوم والانتقاد بسبب ما قالته بعفوية، ولم يطيقوا أن تعبّر عما عاشته في أسرها، أمام وسائل الإعلام.

إن التضييق المشدد –كما نعيشه هذه الأيام- وما تبع ذلك من اعتقالات وتهديدات، بل وحتى التلويح بالقتل لبعض الشخصيات القيادية والاعتبارية من أطراف غارقة في التطرف والعنصرية، لا يغير من حقيقة أن حرية التعبير هي حق أصيل لكل إنسان أيا كان، حتى لو صودر هذا الحق. وهو لا يمكنه أن يغير انتماءً ولا هوية ولا قناعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى