تقري: أوروبا تتخلى عن مبادئها لإرضاء اليمين المتطرف
لم تعد المبادئ التي لطالما تغنى بها الغرب قادرة على الصمود في مواجهة نفوذ اليمين المتطرف على ما يبدو، وهو ما دفع حكومات الاتحاد الأوروبي لصياغة قيود جديدة للحد من الهجرة غير النظامية رغم أنها تخالف القوانين الدولية وحقوق الإنسان.
فقد اتفق الاتحاد على نظام استثنائي أقل حماية لطالبي اللجوء من تلك الإجراءات المعتادة في حال حدوث تدفق جماعي أو غير مسبوق للمهاجرين، يسمح بتمديد احتجازهم على الحدود إلى 40 أسبوعا، مع دراسة مبسطة لطلبات اللجوء لتسريع إعادة أكبر عدد منهم إلى بلدانهم.
وقد وصف المستشار الألماني أولاف شولتز الاتفاق الأخير -الذي ينتظر موافقة البرلمان الأوروبي- بأنه “خطوة تاريخية”، في حين قالت مفوضة الاتحاد أورسولا فون دير لاين إنه سيغير قواعد اللعبة تماما.
وفي حين يرى خبراء أن التفاهم الأخير لا يعدو كونه محاولة لإرضاء اليمين المتطرف وخصوصا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني المناهضة للهجرة والتي يزداد نجمها سطوعا، يرى آخرون أن الأوروبيين اتخذوا خطوة أولى على طريق تغيير التعاطي مع المهاجرين، لكنها في الوقت نفسه خطوة ضعيفة وربما تتعارض مع حقوق الإنسان.
فقد أكدت الباحثة المختصة في شؤون الهجرة بمركز السياسات الأوروبية هيلين هان، أن الاتفاق ليس خلاصة للميثاق الجديد المأمول للتعامل مع المهاجرين، لكنه في الوقت نفسه خطوة لتحسين التعامل مع هذه التدفقات الكبيرة من البشر.
وخلال مشاركتها في حلقة برنامج سيناريوهات، قالت “هان” إن الاتفاق يحاول تلبية احتياجات القادمين إلى أوروبا سواء من طالبي اللجوء أو الحماية أو من يسعون لفرص عمل، وإنه قد يغير قواعد اللعبة فعلا في حال وافق عليه البرلمان الأوروبي، رغم أنه لن ينتهي بتغيير جذري لقوانين الهجرة المعمول بها حاليا، وفق قولها.
وفي حين تتحدث هان عن أن الاتفاق محاولة لتحسين إدارة ملف الهجرة، يقول النائب السابق في البرلمان الإيطالي خالد شوقي، إن الاتفاق ليس إلا مقاربة أمنية يحاول قادة أوروبا من خلاله إرضاء رئيسة وزراء إيطاليا التي حاولت إقصاء منظمات دولية تعمل على إنقاذ المهاجرين من الموت في مياه بلادها.
ومن هذا المنطلق، فإن الاتفاق -وفق شوقي- ليس إلا تقليصا للضمانات التي كانت متوفرة لطالبي اللجوء والمهاجرين في السابق، وهو أمر يناقض حقوق الإنسان التي تضمنها الاتفاقات الدولية، وما جعله في مرمى انتقادات المنظمات الحقوقية، وفق قوله.
ويعتقد شوقي أن البنود المعلنة ليست كل شيء لأنه ربما هناك خطوات أخرى غير معلنة لوقف تدفقات المهاجرين، ومن ذلك التغييرات القانونية الداخلية المتعلقة بالتعامل مع المهاجرين، التي أقرتها الحكومة الألمانية.
وفي النهاية، فإن الاتفاق -من وجهة نظر شوقي- يمثل المسار الأوروبي المتوقع مع المهاجرين في ظل طغيان الخطاب اليميني المتطرف على الساحة السياسية الأوروبية خصوصا في الدول التي تقترب من سباقات انتخابية ستكون قضية الهجرة أداة رئيسية فيها.
والأهم من ذلك -برأي النائب السابق في البرلمان الإيطالي- أن الاتحاد الأوروبي ما يزال عاجزا عن التوصل لاتفاقات عادلة مع الدول الأخرى التي تخرج منها أو التي تمر عبرها قوارب الهاربين صوب شواطئ أوروبا.
وبدلا من البحث عن حلول سياسية، فإن حكومة مثل الحكومة الإيطالية بدأت توجيه خطاب إعلامي حاد على نحو غير مسبوق وشبه عنصري عبر وسائل إعلام دول عربية مثل تونس، لتحذير المهاجرين من أنهم ربما يعودون من حيث أتوا فور وصولهم إلى الشاطئ.
مع ذلك، فإن الصحفي التونسي مالك الخالدي، الذي يعمل أيضا مستشارا لمنظمات دولية تعمل في مجال الهجرة، يرى أن كل هذه القيود والتهديدات لا تعني الشباب الراغب في الوصول إلى أوروبا بعدما أغلقت حكومات بلاده كل المنافذ أمامه.
ليس هذا وحسب، بل إن كل هذه الأحاديث -يضيف الخالدي- لا تعدو كونها شبه اتفاق ينتظر موافقة البرلمان الأوروبي الذي لن يقبل بمثل هذه الإجراءات خاصة عندما يتعلق الأمر بالتفرقة بين المهاجر واللاجئ وطالب اللجوء.
والأهم من ذلك أن مضي دول الاتحاد الأوروبي قدما في هذا المسار يفرض عليها التنكر لاتفاقية 1951 التي تحدد أوضاع اللاجئين وبروتوكول 1967 المتمم لها، وهي اتفاقيات أممية صارمة، ناهيك عن لجنة البندقية التي تنظر كذلك في مدى تطابق هذه الإجراءات مع حقوق الإنسان ومع القوانين الدولية، كما يقول الصحفي التونسي.
وخلص الخالدي إلى أن ما يجري هو محاولة وقتية من ألمانيا تحديدا لإرضاء رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية التي خالفت القانون الأوروبي ومنعت المهاجرين من العبور إلى فرنسا عبر بلادها من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.
وبناء على ذلك، فإن أحاديث ألمانيا عن تطبيق هذه الإجراءات في حالات بعينها ليس كافية لتهدئة المخاوف، وإنما يجب وضع أطر واضحة وفق المعايير الدولية المتعارف عليها في اتفاقيات الأمم المتحدة.