رسالة مفتوحة إلى الغارقين في العنف والجريمة من أبناء مجتمعنا
الشيخ رائد صلاح
إنَّ الله تعالى لم يخلق المفسد مفسدا في طبعه منذ أن كان رضيعا، بل إن هذا المفسد هو الذي اختار لنفسه طريق الإفساد، وكان بإمكانه أن يختار لنفسه طريق الإصلاح، ثمَّ إنّه لما اختار لنفسه طريق الافساد هذا لا يعني أنه ملزم أن يبقى مفسدا حتى يموت، بل بإمكانه أن يغير طريق حياته وأن ينتقل من طريق الإفساد إلى طريق الإصلاح، وكم من الشخصيات العظيمة في تاريخنا التي كانت سائرة في طريق الافساد فصحت من غفلتها وغيرت مسار حياتها وانتقلت من طريق الإفساد الى طريق الإصلاح، وعدد هذه الشخصيات كثير، وهي تفوق المائة ألف، ويكفي أن أقول لكم إنَّ المصلح الشيخ عبد القادر الجيلاني تاب على يديه من هذه الشخصيات التي كانت سائرة في طريق الإفساد مائة ألف ما بين قاتل وسارق وقاطع طريق، وهذا ما أحرزه المصلح الشيخ حسن البنا الذي تاب على يديه عشرات الآلاف من هذه النوعية، وهذا ما أحرزه الكثير من الدعاة المصلحين على صعيد القدس المباركة وغزة والضفة الغربية، وعلى صعيد الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد ورملة)، وهذا يعني أنكم أنتم يا من تغرقون الآن في العنف والجريمة، ويا من اخترتم لأنفسكم السير في طريق الإفساد، وإذ ببعضكم يبيع السلاح الأعمى لأبناء مجتمعنا، وإذ ببعضكم يبيع المخدرات وأخواتها، وإذ ببعضكم يبني لنفسه سوقا سوداء مدمرة على حساب بيوتنا وأسرنا، وإذ ببعضكم يستبيح لنفسه القتل بلا رحمة، لدرجة أنه بات يقتل منا الرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين لا يوجد لهم أدنى صلة بالعنف والجريمة، وإذ ببعضكم يوزع الأموال يمينا وشمالا ويجند عشرات الشباب من أبناء مجتمعنا ليكونوا (سناجير) له يأمرهم فيطيعون، ولا يعصون له أمرا، فقد يحرقون البيوت والسيارات بأمره، وقد يطلقون الرصاص على الاقدام، وقد يقتلون!! ولكن ومع قبح هذه الأفعال في ميزان الله تعالى ثم في ميزان كل مجتمعنا، فقد رأيت أن من المناسب أن أوجه لكم هذه الرسالة المفتوحة يا أبناء مجتمعنا الغارقين الآن في العنف والجريمة، وأتمنى عليكم أن تقرؤوها داعيا لكم بالهداية وها أنا ذا أسجل في هذه الرسالة المفتوحة هذه الملاحظات التي أطمع أن تلامس قلوبكم وعقولكم:
1- مهما غرقتم في العنف والجريمة، فلن نتخلى عنكم وعن بذل الجهد في هدايتكم وعن دوام نصحكم طامعين لكم أن تتوبوا الى الله تعالى وأن تبتعدوا عن آفة العنف والجريمة، وأن تعودوا الى حضن مجتمعكم، وأن تنتقلوا من طريق الإفساد الى طريق الإصلاح.
2- إياكم أن تقنطوا من رحمة الله تعالى، فإن رحمة الله تعالى سبقت غضبه، وأن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء، وإن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا، وإن الله تعالى يحب التوابين، فلا تيأسوا بسبب كثرة سوء أعمالكم، ففي الحديث النبوي الشريف حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى غفر لمجرم تاب الى الله تعالى صادقا بعد أن قتل مائة نفس، وأن الله تعالى غفر لمرأة بغي بعد أن سقت كلبا كان يلهث من شدة العطش، وأن الله تعالى أكرم (وحشيا) بالإسلام بعد أن قتل حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء، وأكرم (حرملة) بالتوبة بعد أن كان من بغاة المنافقين، وأكرم (الفضيل بن عياض) بالتوبة بعد أن كان قاطع طريق وأكرم الألوف من لصوص اليوم والمجرمين بالتوبة وصاروا عناصر خير بعد أن كانوا عناصر شر وأذى ومنكر.
3- يتحدثون اليوم عن مجتمع مسلم في (إحدى الدول) انتشرت فيه فوضى السلاح الاعمى والمخدرات والسوق السوداء والقتل لدرجة أن (الحكومة) رفعت يديها معلنة عجزها عن علاج هذه المأساة!! ثم ماذا حدث؟! بعد أن عاش هذا المجتمع المسلم في هذه الويلات، واستعصى الحال، ويئس الناس وباتوا في كرب شديد، وإذ بأحد الكبار الضالعين في ذاك العنف والجريمة تاب الى الله تعالى، وكان ذا بأس شديد، فقرر أن يبذل ماله وما تبقى من عمره لمناهضة آفة العنف والجريمة تلك لدرجة أنه بات يدفع من ماله حتى ينقذ البسطاء الذين كانوا قد غرقوا في السوق السوداء، ثم بعد برهة من الزمن، نجح أن يحاصر آفة العنف والجريمة تلك، وبدأت تتقلص ظاهرة القتل وعدد القتلى حتى أنقذ مجتمعه من ويلات تلك الآفة!! فهل يصحو واحد منكم او أكثر يا أيها الغارقون في العنف والجريمة من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني؟! وهل يتوب صادقا الى الله تعالى، وهل يسعى للتكفير عمَّا اقترفت يداه من إفساد بمناهضة العنف والجريمة وصناعة الخير والإصلاح بين الناس وإنقاذ ضحايا السوق السوداء.
4- قد يقول قائلكم أيها الغارقون في العنف والجريمة من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني: أنا من أغنى الناس مالا، وأعيش في قصر لا يعيش بمثله ملوك الأرض وحكامها، وأسوق سيارة فاخرة تخطف الأبصار ولا يطمع بها أبناء الأمراء والأثرياء، ويعمل تحت يدي عشرات السناجير الذين لا يعصون لي أمرا، الى حد أنهم يقتلون من آمر بقتله، ولذلك لا أستطيع أن أتنازل عن كل هذه الثروة والقوة والسلطان!! ولهذا القائل الغافل المغرور أقول: خدعتك نفسك يا مسكين!! أرأيت لو أن الله تعالى ابتلاك أو ابتلى زوجك أو ابتلى ابنك أو بنتك بمرض السرطان ماذا ينفعك كل ذلك؟! حدثني أحد الثّقات أنه دخل الى أحد المستشفيات لعيادة قريب له، ولما دخل لغرفة ذلك القريب، وإذ به يرى فيها أحد من كانوا معروفين بأصحاب السلطة والنفوذ في السوق السوداء، وإذ بهذا الغافل المغرور الذي بنى حياته على حساب هدم حياة المئات من مجتمعنا قد نخر فيه مرض السرطان فاصفر وجهه، وتساقط شعره، وكان طوال الوقت يقول: آخ.. آخ.. آخ!! فأين المال؟! وأين القصور؟! وأين السيارات الفاخرة؟! وأين السناجير؟! إن كل هؤلاء لا يجلبون له دواء، ولا يرفعون عنه ألما، ولا يدافعون عنه إذا جاءه ملك الموت، ولا يضيئون قبره وقد أظلم، ولا يغنون عنه عندما يقف بين يدي الله تعالى يوم الحساب.
5- قرأت عن أحدهم أنه كان متوسط الدخل ولكنه كان سعيدا، فأغوته نفسه الامارة بالسوء، وراح يتاجر بماله المحدود المتواضع في سوق الحرام، فتضخمت ثروته الى أرقام كبيرة جدا، ثم فجأة أصابه مرض، وأصبح قعيدا مشلولا لا يغادر سرير المستشفى، ولما عاده أحد أقربائه ودخل الى غرفته في المستشفى، وإذ بهذا المريض كان عابسا حزينا متحسرا، فقال له قريبه: ما بك؟ فرد عليه هذا المريض وقال: ما أغنى عني ماليه!! ليتني بقيت متوسط الدخل، وظللت سعيدا!! هلك عني سلطانيه.
6- ثمَّ ألا تعتبرون أيها الغارقون في العنف والجريمة من (قارون) الذي ملك كنوز الدنيا؟! ألم يندثر ماله ويهلك في قبره؟! وهل بقي له الا اللعنات التي نصبها عليه صباح مساء؟! الا تعتبرون من فرعون الذي افتخر بأنهاره التي كانت تجري من تحته؟! ثم ابتلعه البحر وبات يصلى النار التي تعرض عليه غدوا وعشيا؟! ألا تعتبرون من النمرود الذي كان يصيح معتدا (أنا أحيي وأميت)؟! فدخلت في مجرى أذنيه بعوضة فآلمته لدرجة أنه كان لا يتخلص من ألمها إلا إذا ضربوه بالأحذية على رأسه؟! وظل على ذاك الحال حتى مات!! ألا تعتبرون من أبي جهل وأبي لهب وكل جوقة الظالمين والمفسدين أين كانوا وأين هم الآن؟! هل ترضون لأنفسكم أن تنضموا إليهم؟! مالكم أين قلوبكم وعقولكم ألم يأن لكم أن تتوبوا وأن تهجروا العنف والجريمة.