تطبيع السعودية مع إسرائيل.. هل يؤثر على دور الأردن في فلسطين؟
– علي الرحامنة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزرقاء: الأردن ينظر إلى تطوّرات مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي بحذر وقلق
– بدر الماضي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية: بلا شك أن السعودية ستزاحم وبشكل قوي الأردن ومصر في ملف القضية الفلسطينية
– عيسى الشلبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسين بن طلال: السعودية لها ثقل عربي وإقليمي ولكن لن يغيب عنها محورية الدور الأردني بالصراع الإسرائيلي العربي
بات الحديث عن تطبيع سعودي إسرائيلي محتمل يشغل الرأي العام الدولي والعربي، وسط خوض “عميق” في بنود متوقعة ستقود إلى الاتفاق بين تل أبيب والرياض، واحتمالية تأثيرها على أدوار دولية بفلسطين، وخاصة الأردن بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع جارتها الغربية.
وقال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة له مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية أخيرا، إن بلاده تقترب أكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وأضاف بن سلمان : “هناك دعم من إدارة الرئيس (الأمريكي جو) بايدن للوصول إلى تلك النقطة، وبالنسبة لنا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية”.
وأردف: “نحتاج إلى أن نحل تلك الجزئية ولدينا مفاوضات متواصلة حتى الآن، وعلينا أن نرى إلى أين ستمضي، نأمل أن تصل إلى مكان تسهل فيه الحياة على الفلسطينيين وتدمج إسرائيل في الشرق الأوسط”.
بدوره جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتقاده أن إسرائيل على أعتاب اتفاق سلام تاريخي مع السعودية.، في خطابه 22 سبتمبر/ أيلول الجاري خلال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأضاف أنه “يتعين ألا يتم إعطاء الفلسطينيين حق الاعتراض على معاهدات السلام الجديدة مع الدول العربية”.
وأردف نتنياهو أن “مثل هذا السلام سيقطع شوطا طويلا نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وخلق شرق أوسط جديد، وسيشجع الدول العربية الأخرى على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل”.
من جهته، قال العاهل الأردني، الملك عبدالله خلال مؤتمر قمة الشرق الأوسط العالمية في نيويورك في 21 سبتمبر الجاري “اتفاقا كهذا قد يقود إلى أفق جديد”.
وأضاف أن هناك “متطلبات للسعودية ولإسرائيل وللولايات المتحدة، إلا أنه يتوجب الأخذ بعين الاعتبار ما سيجنيه الفلسطينيون وما ستجنيه المنطقة من هذا الأمر”، مبينا أن “الجميع معني بهذه القضية”.
وأوضح أن “جزءا من التحدي يكمن في الحكومة الإسرائيلية والاعتقاد أنه يمكنها تجاوز فلسطين والتعامل مع العرب”، مشيرا إلى “عدم إمكانية هذا الأمر ولن يتم الوصول إلى سلام حقيقي دون حل للقضية الفلسطينية”.
ويرى مراقبون أن حديث الملك عبدالله بمثابة “تأييد لأي خطوة تقود إلى السلام بالمنطقة، مع التأكيد على ضرورة عدم تجاوز الفلسطينيين ودور المملكة بفلسطين.
ودائرة أوقاف القدس، التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية في الأردن، هي المشرف الرسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس (الشرقية)، بموجب القانون الدولي، الذي يعتبر الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب إسرائيل.
واحتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية “وادي عربة” للسلام، التي وقعها مع إسرائيل في 1994.
وتنص الفقرة الثانية في المادة 9 من ذات الاتفاقية بأنه “تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن”.
وفي مارس/ آذار 2013، وقع العاهل الأردني عبد الله والرئيس الفلسطيني محمود عباس، اتفاقية تعطي المملكة حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في فلسطين.
وعلى الرغم من استمرارية الحديث لدى بعض المتابعين باحتمالية أن تكون الوصاية الأردنية محوراً من محاور التطبيع، إلا أن عمان سبق وأن اعتبرت “افتراض” سحبها “غير منطقي” إذا ما تم التطبيع بين إسرائيل والسعودية.
وأكد الأردن مرارا وتكرارا أن “السعودية تدعم الوصاية الهاشمية” وعلاقات عمان والرياض “مميزة وهناك تنسيق مستمر بشأن القضية الفلسطينية كما في القضايا الأخرى”.
ويعود تاريخ الوصاية الأردنية على القدس ومقدساتها إلى عام 1924، خلال فترة حكم الشريف الحسين بن علي، حيث تبرع حينها بمبلغ 24 ألف ليرة ذهبية لإعمار المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي الشريف، وواصل ملوك العائلة الهاشمية القيام بذلك الدور ح اليوم.
وبالعودة إلى التطبيع الإسرائيلي السعودي، فإن الباب يبقى مفتوحا حول ماهية البنود التي ستقود إلى الاتفاق، وانعكاساته على المنطقة برمتها، وآثاره المحتملة على الفلسطينيين، إذا لم تقدم إسرائيل أي تنازلات من شأنها تحقيق السلام.
قلق أردني
علي الرحامنة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزرقاء الخاصة اعتبر، أن “هذه الأيام تشهد موجة غير مسبوقة من الاهتمام بما أُعلن عن قرب التوصّل إلى تطبيع للعلاقات السعودية الإسرائيلية برعاية أميركية”.
وأضاف: “هذه الموجة تختلف عن موجات سابقة رافقت التحضير للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية أخرى”.
وأرجع الرحامنة ذلك إلى عدة أسباب من بينها: “وزن السعودية الكبير عربيا وإسلاميا وعالميا، وآثار هذا التطبيع على القضية الفلسطينية برمّتها، وعلى الدور الأردني الخاص فيها، ما يجعل من هذا الحدث إن تمّ، بمنزلة الانعطافات الكبرى التي شهدتها القضية الفلسطينية”.
ولفت إلى أن “ما يدور الآن يتجاوز التصريحات السعودية والإسرائيلية (الرسمية)، إلى خطوات ذات طابع عملي، لعلّ أبرزها زيارة الوفد السعودي لرام الله، للوصول إلى صيغة للثمن المطلوب فلسطينيا كي تمضي السعودية قدما على طريق التطبيع، إلى جانب مطالبها الخاصة ببرنامجها النووي السلمي، وغيره”.
والثلاثاء، تقبل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس في رام الله وسط الضفة الغربية أوراق اعتماد سفير المملكة العربية السعودية وقنصل بلاده في القدس نايف بن بندر السديري وذلك لأول مرة منذ إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994.
وأكد الرحامنة، أن “الأردن ينظر إلى تطوّرات مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل بحذر وقلق مبرّرين”.
ومرد ذلك، وفق الرحامنة، هو أن “الدور الأردني فائق الخصوصية في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بإصرار مفهوم على حلّ الدولتين(..) وتخوف أطراف أردنية (لم يحددها) من احتمالات قيام دولة الاحتلال بمحاولة إلغاء الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس”.
وشدد الأكاديمي الأردني، على أن بلاده “لن تقبل في أيّ حال بإلغاء وصايتها واستخدام التطبيع الإسرائيلي مع السعودية مدخلا لذلك”.
وتابع الرحامنة:: “قبل كل هذا وذك، يبقى محزناً ومؤلماً ترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة حكومة عنصرية فاشية تُقدّم لها هدايا التطبيع من هنا وهناك، وهي، بالمقابل، تصعّد من وتائر جرائمها بحق الفلسطينيين، أفرادا، وجماعات، وشعبا، وحقوقا مشروعة”.
مزاحمة سعودية
بدر الماضي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية (حكومية) قال: “أعتقد أن التطبيع السعودي الإسرائيلي المتوقع حدوثه خلال أشهر قليلة سيعمل على إحداث نقلة نوعية بالمنطقة بشكل عام، وفيما يخص التموضع العربي بشكل خاص، وتحديدا تجاه الرياض”.
وأضاف: “أتوقع أن هذا التحول الإستراتيجي ودخول السعودية في علاقة طيبة مع إسرائيل سيجعل من الرياض لاعبا أساسيا وقوة إقليمية مؤثرة بالأحداث، وملفات المنطقة بحكم قوتها الاقتصادية والعلاقات التي ستنشأ مع تل أبيب وبالتالي مع واشنطن”.
ورأى الماضي أنه “بلا شك أن السعودية ستزاحم وبشكل قوي جداً ليس فقط الأردن، وإنما مصر أيضا في ملف القضية الفلسطينية، وبذلك إما ستكون الرياض مرجعية جديدة تضاف لعمان والقاهرة، أو يتم مناقلة الأدوار بحيث تكون الوحيدة في ذات الشأن”.
واستدرك “ذلك لا ينفِي محاولة الأردن العمل للحفاظ على دوره، وهو ما استبعد تحقيقه؛ لأن إسرائيل لا تريد أن تعطِيه الدور المأمول تجاه القضية الفلسطينية”.
واعتبر الماضي أن المخرج من ذلك هو “انتقال خيارات الأردن من التحالف المطلق ودون حدود مع مصر إلى إحداث تفاهمات جديدة مع السعودية بشأن مستقبل القضية الفلسطينية، لأن للمملكة ليس اهتمامات، وإنما مصالح استراتيجية عميقة بالملف الفلسطيني”.
القدرة على التكيّف
عيسى الشلبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسين بن طلال (حكومية) اعتبر ، أن “التطبيع السعودي الإسرائيلي سيكون له تأثير بالغ الأهمية ومتعدد الأوجه على الأردن”.
وأضاف: “كما أن له (التطبيع) دلالات مختلفة، وسينعكس على العلاقات الإسرائيلية الأردنية من جهة، وعلاقات الأردن مع السعودية من جهة أخرى”.
وأردف الشلبي: “هناك عواقب سلبية محتملة، ولكن ذلك لا يفقدنا فرص المشاركة بشكل بنّاء في الدبلوماسية الإقليمية، والسعي لحماية المصالح الخاصة ضمن المشهد الجيوسياسي المتغير بالمنطقة”.
واستدرك: “الأردن يتمتع بتاريخ من القدرة على التكيف في التعامل مع التعقيدات الإقليمية، وستكون قدرته على القيام بذلك في هذا السياق عاملاً رئيسا في وضع حدّ لأي تأثيرات محتملة على البلاد في المستقبل، بعد هذا التطبيع”.
وتابع الشلبي: “النخب الإسرائيلية تتطلع وبشدة نحو هذا التطبيع، باعتبار أن السعودية لها ثقل عربي وإقليمي، ولكن بالتأكيد لن يغيب عنها محورية الدور الأردني بالصراع الإسرائيلي العربي، فديناميكيات المنطقة والواقع الجغرافي والديموغرافي يفرضان ذلك”.
ومنتصف سبتمبر/ أيلول 2020، وقعت إسرائيل مع الإمارات والبحرين، في البيت الأبيض بواشنطن، اتفاقيات لتطبيع العلاقات برعاية الولايات المتحدة، وذلك بعد مرور 26 عاما على آخر اتفاق وقعته إسرائيل مع الأردن.
وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن المغرب استئناف علاقاته مع إسرائيل بعد أن علقها عام 2000، وترقيتها إلى علاقات رسمية تشمل تبادل السفراء.