تجار البلدة القديمة في القدس.. صمودٌ بلا مقومات
يشعر التاجر المقدسي “حازم نجيب” بالأسى وهو يرى سوق البلدة القديمة وقد ضرب الركود أطنابه فيه، حيث تمضي ساعاتٌ، وأحياناً أيامٌ، دون أنْ يُطرق باب متجره الأثري القديم، في حين تزدان الأسواق اليهودية المجاورة مساءً بالأنوار وتزدحم بالمتسوقين.
الحال المزري الذي وصل له سوق البلدة القديمة في القدس المحتلة هو نتاج سياسات إسرائيلية انتهجت لسنين طوال، بهدف ضرب اقتصادها، ودفع التجار الفلسطينيين للرحيل خارج أسوارها نحو الضفة الغربية، ضمن سياساتها التهويدية للاقتصاد الفلسطيني.
فقبل أن توغل يد الاحتلال في المدينة المحتلة كان سوق البلدة القديمة هو عصبها الأهم، يؤمه المتسوقون من كل أنحاء فلسطين المحتلة، من قطاع غزة والضفة الغربية والداخل المحتل.
يقول نجيب الذي ورث متجره أباً عن جد: “كان السوق لا يهدأ، يأتي الفلسطينيون له من كل مكان، يصلون في المسجد الأقصى ويشترون كل ما يحتاجون إليه، أما بعد سياسات الفصل العنصري التي ينتهجها الاحتلال فقد أصبح من النادر أن تجد متسوقين من خارج القدس”.
ويضيف: “بل حتى أهل القدس لم يعودوا كلهم قادرين على الوصول إلى السوق، بعدما أخرج الاحتلال عدداً كبيراً من القرى والبلدات عن محيطها المقدسي وشيئاً فشيئاً أصبح الوصول للسوق صعباً، ما زاد من ضيق الحال لدى تجار البلدة القديمة”.
خفوت الحركة
ويصارع “نجيب” وغيره من تجار البلدة القديمة للحفاظ على محالهم التجارية في ظل الصعوبات اللامتناهية التي تعترض طريقهم بسبب سياسات الاحتلال ضد القدس، فيفتتح محله لعرض الملابس في التاسعة صباحاً، في حين يلملم أغراضه قرابة السابعة مساءً، حيث تخفت الحركة في البلدة القديمة.
ويضيف نجيب: “تزداد مخاوف المتسوقين من التجول في البلدة القديمة مساءً، خشية اعتداء المستوطنين أو جنود الاحتلال، فبينما يكون هذا الوقت هو ذروة التسوق في الأسواق اليهودية المجاورة نكون مجبرين على إغلاق محالنا، حيث يخلو سوقنا من الحركة البشرية”.
فصمود من تبقى في البلدة القديمة من تجار هو “أمرٌ أسطوري” في ظل الإجراءات الإسرائيلية الهادفة لتهجيرهم منها، “فالوضع الاقتصادي في البلدة القديمة في تدهور مستمر، بسبب الضرائب الكبيرة وغياب المتسوقين من الضفة وغزة”، كما يبين رئيس لجنة تجار القدس حجازي الرشق.
ويردف: “حتى سكان الضواحي التي تتبع للقدس جغرافياً أصبحوا يتسوقون من الضفة الغربية بعد الارتفاع الكبير في أسعار المواصلات للمدينة المقدسة، وإقدام الاحتلال مؤخراً على إزالة مواقف السيارات في محيط السوق القديم، ما يعني أن أي فلسطيني سيأتي بسيارته الخاصة للتسوق ويصفها على جانب الطرقات سيتعرض لمخالفات”.
ويبين أن قيمة المخالفات تتراوح بين (100-500) شيقل، “هذا إذا ما استطاع الإنسان الوصول فعلاً للسوق واجتياز الثكنات العسكرية الإسرائيلية والتفتيش المهين الذي يمكن أن يتعرض له، ولم يتعرض كذلك لمضايقات من دوريات شرطة الاحتلال الراجلة في البلدة القديمة”.
ويضيف الرشق أن التجار والمتسوقين في البلدة القديمة عرضة لاعتداءات ومضايقات شرطة الاحتلال والمستوطنين في البؤر الاستيطانية المحيطة بها، حيث يسبون الذات الإلهية والرسول “محمد” ويتلفظون بألفاظ عنصرية، ولا سيما في فترة “الأعياد اليهودية”.
ويلفت إلى أن كل ذلك يحدث في ظل غياب العدالة لدى قضاء الاحتلال الذي إذا ما اشتكى التاجر الفلسطيني إليه فإنه يدينه ولا يدين شرطته أو مستوطنيه، “وقد نواجه فرض غرامات كبيرة، تزيد الوضع المادي سوءاً”.
جدار اقتصادي
ويوضح كذلك أن الاحتلال أنشأ “جداراً اقتصادياً” حول البلدة القديمة يضم مجمعات تجارية إسرائيلية تقدم عروضات هائلة على البضائع، ولديها مواقف للسيارات ومناطق للعب الأطفال وتهوية صيفًا وتدفئة شتاءً لجذب المتسوقين والسياح بعيداً عن تجار البلدة القديمة.
أما الضرائب بحق تجار القدس فحدث ولا حرج، إذ أصبحت هناك سياسة “سلة المؤسسات” وهي جولة تفتيشية تقوم بها فرق من ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة والصحة والبيئة و”التأمين الوطني” و”الماركات العالمية” في سوق البلدة القديمة.
“وهذا يعني أن التاجر المقدسي لن يفلت من الغرامات والمخالفات بأي حالٍ من الأحوال، فإذا نجا من فريق ضريبة الدخل فلن ينجو من الصحة، وإذا نجا من “التأمين الوطني” فلن ينجو من فريق البيئة”، يقول الرشق.
ويعتمد 40% من اقتصاد القدس على السياحة مثل الفنادق والمطاعم وأماكن بيع التحف الشرقية، لكن هذه المرافق السياحية تعاني مشكلات عدة نتيجة عدم تقديم الاحتلال الخدمات، ومنها عدم وجود أماكن لوقوف الحافلات السياحية أو سيارات تنزيل البضائع وتجهيزات المطاعم الموجودة في هذه الفنادق، وعليه فلا توجد خدمات مقدمة للتجار أو أصحاب الأعمال السياحية.
ويبين الرشق أن الحصار والإغلاقات التي فرضت على البلدة القديمة خلال العامين المنصرمين، أدت إلى ارتفاع في نسبة المحلات المغلقة هناك إلى نحو 6%، لترتفع أعداد المحلات المغلقة حاليًا إلى أكثر من 400 محل.
ويشير إلى أن الوضع الاقتصادي العام في القدس يشكل وسيلة ضغط أخرى على تجارها، إذ إن نسبة كبيرة من المقدسيين أي ما يقرب 78-80% يعيشون تحت خط الفقر.
وهناك عدة ضرائب يفرضها الاحتلال على التاجر المقدسي، منها مثلا ضريبة الأرنونا، التي تبلغ قيمتها 400-500 شيقل أي ما يعادل 100 دينار أردني على المتر المربع الواحد، بمعنى إذا كان التاجر يملك محلا مساحته 100 متر مربع فإنه يدفع عليه سنويا 10 آلاف دينار، بما يعادل تقريبًا 14 ألف دولار.