“مصائد الموت” في العراق.. من المسؤول عن فاجعة الحمدانية؟
استفاق العراقيون على فاجعة مؤلمة أودت بحياة أكثر من 100 شخص جلهم من النساء والأطفال إثر حريق في قاعة للأعراس في قضاء الحمدانية شرق محافظة نينوى شمال العراق.
حجم الكارثة فاق التوقعات نظرا لاكتظاظ القاعة بالمدعوين للعرس الذي انقلب إلى مأتم، إذ يتحدث بعض شهود العيان عن وجود ألف شخص داخل قاعة “الهيثم” للمناسبات.
وفق مقاطع الفيديو المسربة وروايات الناجين فإن الألعاب النارية تسببت في الكارثة خصوصا أن القاعة مغلفة من الداخل بمواد سريعة الاشتعال مخالفة لشروط السلامة، فضلا عن افتقادها لأي إجراءات تحد من الكارثة، فلا نظام إطفاء ولا حتى مخارج للطوارئ، والنتيجة 500 شخص بين قتيل ومصاب بحروق شديدة.
وسادت حالة من الغضب الشارع العراقي بسبب الحادثة التي مثلت حلقة من مسلسل حرائق طويل ذهب ضحيته المئات، من دون تحرك حكومي جدي للحفاظ على أرواح الناس خصوصا أن السبب بات معروفا للجميع، “مواد تساعد على الاشتعال” رخيصة الكلفة ومخالفة لتعليمات السلامة تشبه “مصائد الموت”.
ترجم الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، إذ حمل كثيرون المسؤولية للأجهزة الحكومية، التي منحت رخصة للقاعة التي أصبحت خلال دقائق كالفرن يصهر كل ما بداخله
إهمال إجراءات السلامة واستخدام مواد غير مناسبة او رديئة للبناء في ظل غياب الرقابة يؤدي دائما الى الكوارث #الحمدانية pic.twitter.com/ZfnUthtq0r
— شاهو القرةداغي (@shahokurdy) September 27, 2023
مواقف حكومية
ذكرت مديرية الدفاع المدني العراقي أن قاعة الأعراس، حيث اندلع الحريق، “مغلفة بألواح الآيكوبوند سريع الاشتعال ومخالفة لتعليمات السلامة ومحالة إلى القضاء حسب قانون الدفاع المدني الرقم 44 لسنة 2013، لافتقارها إلى متطلبات السلامة من منظومات الإنذار والإطفاء الرطبة في منطقة الحمدانية بمحافظة نينوى”.
وقالت إن “الحريق أدى إلى انهيار أجزاء من القاعة نتيجة استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال تتداعى خلال دقائق عند اندلاع النيران”.
وذكر الدفاع المدني أنّ “معلومات أولية” تشير إلى أنّ سبب الحريق هو “استخدام الألعاب النارية أثناء حفل الزفاف”، ما أدّى إلى “اشتعال النيران داخل القاعة بادئ الأمر” ثمّ انتشر “الحريق بسرعة كبيرة”.
من جانبه أعاد وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، ذكر رواية الدفاع المدني عن خلو قاعة “الهيثم” للأعراس من إجراءات السلامة والأمان، لكنه زاد عليها بأن المقصرين سينالون جزاءهم العادل.
وأعلنت خلية الإعلام الأمني في العراق توقيف 9 متهمين على خلفية حريق قاعة الأعراس في بلدة الحمدانية بمحافظة نينوى، فيما هرب المالك إلى جهة مجهولة.
وسبق للعراقيين أن سمعوا كثيرا عن تشكيل لجان تحقيق في المصائب المتتالية التي تضرب البلاد، لكنها في الغالب لم تخرج بنتائج تذكر وعادة ما يطويها التسويف والتقادم.
“الساندويتش بانل و ألواح الآيكوبوند”
حُملت تلك المواد مسؤولية الكارثة، لكونها سريعة الاشتعال، وللعراقيين ذكريات مؤلمة مع “ساندويتش بانل” الذي تغفل السلطات عن منع استخدامه في الأبنية، رغم الكوارث التي سببها والتحذيرات المتتالية من خطورته.
في 24 نيسان/ أبريل 2021، تسبب حريق في مستشفى ابن الخطيب في بغداد بوفاة أكثر من 130 شخصا جلهم من المصابين بفيروس كورونا وإصابة آخرين، وعزت التحقيقات حينها الحادثة لاستخدام مادة “Sandwich panel” في البناء وافتقاد المشفى لأدنى إجراءات السلامة.
ويذكر الدفاع المدني وقتها أن حريق مستشفى ابن الخطيب دام نحو تسع ساعات، بعد انتشاره بسرعة كبيرة بسبب انفجار أسطوانات الأوكسجين المضغوط، واشتعال السقوف والجدران المصنوعة من مادة “الآيكوبوند” في غرف العناية المركزة، وقد ساهم السجاد والستائر بإذكاء النيران، هذا فضلا عن إغلاق مداخل مخارج الطوارئ بالأجهزة والأسرة والمعدات القديمة.
في 11 تموز/ يوليو 2021، فقد أكثر من 120 عراقيا حياتهم إثر حريق اندلع في مركز لعزل المصابين بفيروس كورونا بمستشفى الحسين في الناصرية، مركز محافظة ذي قار، جنوب العراق.
حينها شكلت حكومة الكاظمي السابقة لجنة تحقيق في الحادث، ووجهت الاتهامات بالتقصير لمديرية صحة محافظة ذي قار، التي أنشأت المركز من بيوت كرفانية جاهزة من الصفيح، ومادة عازلة قابلة للاشتعال، وبباب واحد للدخول والخروج.
وذكرت السلطات العراقية أن مركز العزل غير مطابق لشروط السلامة، بما فيها المواد التي استخدمت في بنائه، حيث ساعدت تلك المواد على اتساع رقعة النيران، ولم تكن هناك أي مصادر للتهوية، لذا فإن بعض الضحايا قضوا اختناقا قبل أن تصل إليهم النار.
وأجلت الحكومة العراقية حينها إعلان نتائج التحقيقات عدة مرات، وأصدرت أوامر قضائية بالقبض والتحري بحق 13 مسؤولا في دائرة محافظة صحة ذي قار.
تحذيرات سبقت الكارثة
ذكر الدفاع المدني العراقي أنه سجل أكثر من 4 آلاف حريق كبير خلال الشتاء الماضي فقط، عازيا معظمها لعدم الالتزام بمعايير السلامة الخاصة وغياب منظومات مكافحة الحرائق واستخدام الهياكل الحديدية الجاهزة في البناء “الساندويتش بنل”.
وقال مسؤول في مديرية الدفاع المدني خلال تصريحات صحفية في وقت سابق، إن مؤسسات الدولة تهمل دعم قوات الدفاع المدني وسط هذه التحديات الكبيرة، مبينا أن مديرية الدفاع المدني تعمل بإمكانات محدودة جدا في وقت تزداد فيه مخاطر الحرائق وانهيار المباني ومع وجود آلاف المخالفات الخطيرة لشروط السلامة في الدوائر الحكومية وغير الحكومية.
ويؤكد الدفاع المدني أن أغلب الحرائق سببها مادة السندويتش بانل، مبينا أن أخطر الحالات التي يواجهها الدفاع المدني هي تلك في المباني المغلفة بتلك المادة، والتي تكون داخل المناطق السكنية.
وسبق أن أشارت مفوضية حقوق الإنسان في العراق إلى أن الإهمال والتقصير في تطبيق شروط السلامة العامة تسببا في الحوادث.
وفي عام 2020 حذرت دائرة صحة بغداد/الرصافة من استخدام مواد الـ”ساندويتش بانل” والـ”آيكوبوند” داخل المشافي بالإضافة إلى منع التغليف بمواد سريعة الاشتعال للقاعات والغرف والجدران، ومنع استخدام الستائر والسجاد سريع الاشتعال.
ويلجأ العراقيون الى استخدام السندويتش بانل بسبب رخص ثمنه مقارنة بالبناء بالطابوق والأسمنت، حيث يمكن بناء مخزن لخزن البضائع بمبلغ لا يتجاوز المليوني دينار مقابل نحو 15 مليون دينار في حال البناء بالطابوق.
“الآيكوبوند”: مجموعة من الألواح المصنوعة من الألمنيوم تحتوي بداخلها على مادة فلينية قابلة للاشتعال.
“الساندويتش بانل”: ألواح عازلة تصنع واجهاتها من صفائح فولاذية مجلفنة مطلية بطلاء بوليستر، المصنف على أنه منتج قابل للاشتعال بدرجة كبيرة أو يشتعل بسهولة.
أين دور السلطات؟
يقول مسؤول في بلدية قضاء الحمدانية، الذي رفض الكشف عن اسمه: “إن الدفاع المدني ومديرية البلدية سبق أن أبلغت مالك قاعة الهيثم للمناسبات بضرورة توفير إجراءات السلامة كما أحال الدفاع المدني الأمر إلى القضاء لكن لم يبت بعد في القضية”.
وأضاف، أن “العلاقات والمحسوبية تمنع إغلاق الأماكن التي لا تراعي شروط السلامة، فالكثير من المطاعم والمقاهي بل وحتى عيادات التجميل ومراكز الرياضة للشباب تفتقد لأدنى معايير السلامة، لكنها عادة تكون مملوكة إما لمسؤولين في الدولة والفصائل المسلحة أو لمقربين منهم وهذا ما يمنع محاسبتهم”.
وتابع: “أي موظف يفتح هذا الملف سيخشى على نفسه من انتقام المالك المتنفذ الذي قد يلفق له تهما عدة منها الفساد أو الإرهاب أو ينقل لمكان بعيد كأحد أدنى للعقوبة”.