شيخنا سامي مصري كما عرفته
محمد أبو زرقة
عرفت شيخي وأستاذي ومعلمي الإمام الشهيد بإذن الله سامي عبد اللطيف مصري (أبو العبد) رحمه الله منذ 30 عاما في درب الدعوة إلى الله، فكان نِعم القُدوة ونِعم القائد ولم أر منه ولم أعرف عنه إلا الخير.
اكتب هذه الشهادة بحكم معرفتي بالشيخ سامي معرفة شخصية قريبة لمرافقتي له في ميدان الدعوة لأكثر من سنتين، عرفته رجلا نذر حياته لدعوة الله، فكان لا يفكر إلا فيها ولا يعمل إلا من أجلها صابرا على لأوائها ومثابرا في ميدانها دون كلل أو ملل.
عرفته إنسانا عظيما ذو حس مرهف ومشاعر دافئة صادقة وخُلق رفيع، يحب أهله حبا شديدا، ويحب أهل بلده خاصة ويحرص على مصلحتهم، كما أنه يحب التواصل مع كل الناس ويسارع إلى أداء الواجب لهم في أفراحهم وأحزانهم من أي بلد كانوا.
عرفته إنسانا مستقيما غير متلون، لا يتردد في إسداء النصح للناس دون مجاملة، ويعطي كل ذي قدر قدره من الاحترام وينتقي أطيب العبارات في مخاطبة الناس فيُشعرهم بحبه لهم بشكل تلقائي وإن اختلف معهم في الرأي، وكان حريصا على اجتماع الناس وألفتهم والتقائهم على المصالح المشتركة والهم الواحد، وكان ينفر من الكلام في الأمور التافهة، وإذا أراد أن ينصح بفعل خير بدأ بنفسه أولا ثم نصح الآخرين بعد ذلك.
عرفته شيخا وقورا تقيا ورعا معتكفا في محرابه راكعا وساجدا وكثير العبادة لله، فطالما انتظرته بعد أداء الفريضة حتى ينهي أوراده من النوافل لأكلمه في أمر من أمور الدعوة، كان يحرص على الإكثار من الصلاة في كل مسجد نزوره ويسلم على أهل المسجد ويصافحهم.
عرفته متجردا لله زاهدا في الدنيا مُعرضا عن زخرفها رغم ما آتاه الله من سعة في الرزق، لم تلوث الدنيا قلبه ولم تلهه عن الآخرة فكان إذا حان موعد الأذان ترك كل شيء وأقبل على صلاته بسكينة ووقار كأنها جنته التي فيها راحته، كما كان يواظب على صيام أيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، وكان سخيا جدا ويتصدق كثيرا في كل أبواب الخير ويخفي صدقته عن الناس، وكان شديد الغيرة على دين الله ويغضب كثيرا لمحارم الله إذا انتهكت.
عرفته مجتهدا في طلب العلم الشرعي منذ سنين طويلة، يكن احتراما كبيرا لأهل العلم والعلماء، فلم يكتف بدراسته الأكاديمية وحصوله على البكالوريوس في الشريعة، بل حرص رغم انشغالاته الكثيرة على المشاركة في الدورات العلمية المتقدمة، فكان كما أعلم مشاركا في 4 دورات علمية في آن واحد، وهي دورات تستمر لأعوام ولم يتخلّف عن أي لقاء علمي إلا أن يكون مسافرا أو مضطرا، دائما كنا نراه يحمل حقيبة طالب العلم كأنما كان يتمثل قول الإمام أحمد: (مع المحبرة إلى المقبرة).
عرفته قائدا فذا قلّ نظيره في ميدان الدعوة، فكان ذو نظرة ثاقبة وتفكير عميق ونفس طويل وعزيمة قوية، وكان مهندسا من الطراز الأول في البناء الدعوي فقد وهبه الله قدرة عجيبة على ترتيب لبنات الدعوة ووضع كل لبنة في موضعها دون تعجل، فكان إذا عزم على أمر مضى فيه بكل قوته حتى ينجزه، مما جعله يحقق انجازات كبيرة في وقت قصير.
عرفته قائدا متواضعا لم يسع إلى إبراز نفسه، وكان يُرجع الفضل في الأمور كلها لله، ومن أكثر ما كان يحرص عليه توريث الدعوة وتمكين الشباب، وكان يستبشر بالشباب خيرا ويعطيهم ثقة كبيرة في العمل الدعوي.
عرفته جنديا وفيا لدعوته وابنا بارا لها، فكان يسخر لخدمتها كل امكانياته ويضحي في سبيلها من ماله ووقته الكثير، فكان ينقطع عن الدنيا أياما كثيرة من الصباح الباكر حتى ساعات المساء المتأخرة وهو يسعى في الدعوة إلى الله، فطالما انتصف الليل وهو لا يزال في ميدان الدعوة بعيدا عن بلده، ولا أذكر أنه تخلف عن عمل دعوي أو أجّله لأي سبب من الأسباب، وقد جاب البلاد طولا وعرضا وهو يدعو إلى الله، فما من بلد إلا وله بصمة خير فيه، ومن أكثر ما كان يقول لنا: إن أهم عمل يقوم به الانسان هو الدعوة إلى الله ومهما اجتهدنا وعملنا في الدعوة فإننا يوم القيامة نتمنى لو أننا عملنا أكثر لعظيم ثوابها وجزائها عند الله، فكانت كلماته تبث فينا روح التضحية من أجل الدعوة إلى الله.
عرفته شجاعا مقداما في الدعوة إلى الله يقول كلمة الحق أينما كان، لا يداهن في دين الله وفي دعوة الله أحدا، كان يكظم غيظه كثيرا ويحب الصدق والمصارحة في الكلام بعيدا عن حظ النفس.
عرفته محبا للصالحين بشكل عام ومحبا لإخوانه العاملين في الدعوة إلى الله بشكل خاص وكان كثيرا ما يسأل عن أحوالهم ويتواصل معهم ويمازحهم ويخفض الجناح لهم، ويحرص على زيارتهم في المناسبات ويُشاركهم في أفراحهم وأتراحهم.
هذه شهادتي عن شيخي أبا العبد، وهذا غيض من فيض ولا يتسع المقام لذكر كل شيء عنه، لقد تعلمت منه الكثير وله فضل عليّ كبير، وكانت الفاجعة بموته شديدة من الصعب تحملها، ولا يعزينا بوفاته إلا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وختاما لا يسعني إلا أن أقول: رحم الله الشيخ سامي مصري وجزاه الله عنا وعن المسلمين وعن الدعوة خير الجزاء وجمعنا به.