بعد بدء تنسيقها مع انقلابيي النيجر.. هل رفعت فرنسا الراية البيضاء في أفريقيا؟
تتجه فرنسا يوما بعد آخر نحو الاعتراف بالأمر الواقع الجديد في النيجر وأفريقيا عموما بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها القارة السمراء، وهو ما يراه مراقبون ومحللون تراجعا واضحا ورفعا للراية البيضاء.
ويأتي هذا التطور بعدما كشف مصدر في وزارة الدفاع الفرنسية للجزيرة عن وجود تنسيق وظيفي بين الجيش الفرنسي وقادة الانقلاب في النيجر لسحب معدات حساسة والطواقم المشغلة لها من القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي، ولكن من دون سحب القوات العسكرية العاملة هناك.
ويرى الدكتور زياد ماجد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في باريس أن المأزق الفرنسي متزايد ولا خيار لباريس سوى التعامل مع الأمر الواقع، وأنها بدأت تعول على مبادرات لحفظ ماء الوجه وحضورها في النيجر.
وفي محاولة منه لرسم المشهد في ما يتعلق بأزمة النيجر أكد أن هناك وعيا أكثر في باريس بأن صفحة ما طويت، وأنه على الإليزيه بلورة سياسة جديدة مع حلفائه في القارة وخارجها، كما أن على فرنسا إعادة النظر بأخطاء الماضي أو غياب حضورها في أفريقيا.
وأبرز ماجد في حديثه لبرنامج “ما وراء الخبر” تناقض التصريحات الفرنسية بعد قول باريس إن العلاقات مع انقلابيي النيجر ستكون لحفظ أمن الجنود وسحب المعدات ونقلها إلى معسكرات أميركية بالنيجر أو تشاد، قبل أن يتبين أن هناك نية لفتح علاقات مباشرة مع قادة المجلس العسكري بالنيجر تحضيرا لانسحاب تدريجي مثلما حدث في مالي وبوركينا فاسو أو لترتيب العلاقات.
وبينما رأى أن مزاعم فرنسا بأن محادثاتها مع قادة الانقلاب في النيجر عسكرية ولوجستية لا سياسية “أمر لا يستقيم” أشار ماجد إلى أن باريس فقدت علاقاتها مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وعلاقتها مع الجزائر لا تتيح للأخيرة القيام بوساطة ناجعة، علاوة على تراجع دول أفريقية عن التدخل عسكريا، مما وضعها في مواجهة مباشرة مع انقلابيي النيجر.
واتفق مدير مركز جنيف للأمن والدراسات الإستراتيجية في أفريقيا ديفيد أوتو أندلي مع ما ذهب إليه ماجد، وشدد على أن الفرنسيين بدؤوا في الحديث عن تنسيق بعدما رأوا شعب النيجر يدعم الانقلابيين، مؤكدا أنه ليس أمام الإليزيه سوى الاعتراف والعمل مع عسكريي النيجر.
وبشأن دلالات وجود هذا التنسيق، يقول الضيف الأفريقي إن فرنسا بدأت تنتبه للشعور المعادي لها في القارة السمراء، إلى جانب التقدم الذي تحرزه الولايات المتحدة وبريطانيا في بعض المستعمرات الأفريقية، علاوة على موقف واشنطن المحايد.
واستدل أندلي بتصريحات ماكرون بأن بلاده لن تستمع لانقلابيي النيجر، وأنه يتحدث يوميا مع الرئيس المعزول بازوم، وقارنها بالتطورات الأخيرة ليخلص بأن باريس بدأت بمراجعة موقفها وتبذل جهدا لفتح نافذة مع الانقلابيين أملا بالتوصل إلى حل وسط.
ويعتقد أن فرنسا تراجع سياساتها في أفريقيا، حيث تفقد حضورها عسكريا بالنظر إلى المنافسة مع الصين، كما أن روسيا تعوض القوات الفرنسية بشكل مباشر أو غير مباشر، وشدد على أن الموقف خطير ويخسر فيه الفرنسيون الكثير، لذلك يحاولون تفادي هذا الوضع واستعادة بعض النفوذ مع رغبة الأجيال الجديدة في أفريقيا برؤية بلادهم أكثر استقلالا.
خريطة النفوذ بأفريقيا
أما في ما يخص التحالفات فكشف ماجد أن فرنسا كانت تمني النفس بموقف أوروبي موحد مما جرى ولم تحصل عليه، وباتت سياستها محكومة بعلاقات ثنائية، نافيا وجود تحالف أوروبي واضح في أفريقيا.
وبينما رأى أن مالي وبوركينا فاسو والنيجر لديها عناصر متشابهة برفض الحضور الفرنسي أكد أن دولا أخرى في أفريقيا لديها مواقف أكثر حدة من أميركا أو بريطانيا، إضافة إلى العامل الصيني والمسألة الروسية المرتبطة بتوظيف قوات فاغنر لكنها لا تملك مقومات الحضور السياسي هناك.
وفي الجهة المقابلة، يرى أندلي أن التنسيق بين مالي وغينيا والنيجر وبوركينا فاسو قائم لاعتقادها بأن فرنسا تدفع دولا أفريقية للتدخل العسكري، وهو ما يرى أنه أمر بالغ الصعوبة للفرنسيين لكي يجدوا حلا وسطا.
وعاد للتأكيد أن على الفرنسيين القبول بالواقع الجديد في ظل النفوذ المتزايد للولايات المتحدة والصين وروسيا والمملكة المتحدة، ورأى أن هذه الدول تقدم بدائل اقتصادية، وعلى باريس التأقلم مع الواقع الجديد أو فقدان النفوذ.