وقف إسرائيل التصدير من غزة يهدد بكارثة اقتصادية
وصفت مؤسسات حكومية واقتصادية فلسطينية قرار إسرائيل وقف تسويق بضائع قطاع غزة في الضفة الغربية وإسرائيل بـ”الكارثي”، وذلك لتداعياته السلبية على المنشآت الاقتصادية التي تعتمد بشكل أساسي على عملية التصدير.
وحذّرت المؤسسات وخبراء، من إغلاق مئات المنشآت الاقتصادية وتسريح آلاف العمال جراء القرار، مما يفاقم من تدهور الأوضاع الاقتصادية بالقطاع الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة.
وأمس الثلاثاء، أوقفت سلطات الاحتلال تصدير بضائع غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري (جنوب)، بدعوى العثور على “مواد متفجرة” في شحنة للملابس كانت متجهة للضفة.
وقال مدير عام الدراسات والتطوير في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة أسامة نوفل، إن الإغلاق من شأنه أن يؤثر سلبا على كافة القطاعات الاقتصادية.
وتصدر غزة بضائع من قطاعات مختلفة بما قيمته نحو 134 مليون دولار سنويا، وفق تصريحات لنوفل نشرتها الوزارة.
وأوضح أن “أغلب الصادرات السنوية تعود للقطاع الزراعي بقيمة تبلغ نحو 82 مليون دولار، فيما تبلغ قيمة صادرات غزة من الملابس 22 مليون دولار، وأما من الخردة فتصل القيمة إلى 27 مليونا”.
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن القرار من شأنه أن يدفع منشآت اقتصادية لتسريح العمال لديها مما يؤدي إلى زيادة البطالة.
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض حصارا على غزة منذ العام 2006، وفرض قيودا مشددة على حركة البضائع عبر معبر كرم أبو سالم، والأشخاص ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون، مما أدى إلى دخول اقتصاد القطاع في حالة ركود فاقمها الوقف المتكرر بين الحين والآخر للصادرات أو الواردات، فضلا عن تدمير عشرات المصانع خلال العمليات العسكرية التي تشنها على القطاع.
خسائر زراعية
بدوره، قال متحدث وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة محمد أبو عودة، إن خسائر القطاع الزراعي جراء وقف الصادرات، في الفترة الحالية، تقدر بنحو مليون شيكل يوميا (262 ألف دولار).
وأضاف أن قيمة هذه الخسائر مرشحة للزيادة في حال استمر قرار وقف الصادرات، لأن الإنتاج الزراعي حاليا أقل من الفترة المقبلة التي تشهد مواسم لأنواع مختلفة.
وأوضح أن القرار يأتي في إطار حالة التصدير تضييق وإجراءات التشديد على قطاع غزة، معتبرا إياه “إمعانا في سياسة الحصار وجريمة العقاب الجماعي التي تشمل المزارعين والصيادين والتجار بشكل مباشر”.
وبيّن أبو عودة أن 85% من صادرات قطاع غزة من المنتجات الزراعية، وذكر أن وقف التصدير من شأنه أن يلحق الضرر بنحو 60 ألف أسرة تعمل في الصيد والزراعة.
وتابع “المزارعون لديهم فرصة تسويقية بأسعار مرتفعة في دولة الاحتلال والضفة، ما يزيد فرصة زيادة الدخل لديهم وفتح قنوات تسويقية جديدة، ما يؤدي إلى دفع عجلة الإنتاج في القطاع، لكن القرار الإسرائيلي يحول دون ذلك”.
تدمير لقطاع الصيد
من جانبه، قال نقيب صيادي غزة نزار عياش، إن إغلاق المعبر يعني تدميرا كاملا لقطاع الصيد بغزة.
وأضاف أن غزة تصدر نحو 80 طنا من الأسماك بشكل شهري، فوقف التصدير يتسبب في خسائر تصل إلى نحو 50% للصياد الفلسطيني.
وأوضح أن استمرار العمل بهذا القرار من شأنه أن يؤدي إلى توقف كامل لقطاع الصيد، حيث لن يتمكن الصياد من توفير التكاليف التشغيلية اللازمة لعمل مركبه داخل البحر، في ظل ارتفاع هذه التكاليف.
وأشار إلى أن المردود المالي الذي يعود على الصياد الفلسطيني من تسويقه للأسماك في أسواق القطاع المحلية لا يكفي لتوفير تلك التكاليف، حيث يعتمد بذلك على ما يتم تصديره بأسعار تسويقية مرتفعة مقارنة بأسعار غزة.
وبحسب وزارة الزراعة، فإن نحو 4 آلاف شخص يمتهنون الصيد في غزة ليعيلوا أسرا تضم نحو 40 ألف فرد، فيما يعمل 1300 مركب صيد في بحر القطاع.
صناعة الملابس والنسيج
في السياق، قال رئيس اتحاد صناعة الملابس والنسيج في قطاع غزة فؤاد عودة، إن القرار من شأنه أن “يتسبب بأزمة حقيقية في عمل الشركات والمنشآت الصناعية”.
وأضاف، خلال مؤتمر صحفي عقد بمدينة غزة “عملنا في قطاع الملابس والنسيج لنحو 10 سنوات من أجل الوصول إلى هذا الوضع الذي يوجد فيه نحو 290 مصنعا مسجلا وأكثر من 100 شركة مصدرة من غزة للضفة وإسرائيل، فيما يعمل أكثر من 9 آلاف عامل في هذا القطاع”.
وأوضح أن القرار سيؤدي إلى توقف أكثر من 70% من شركات ومصانع النسيج والملابس، فضلا عن توقف أكثر من 70% من العاملين في هذه المصانع.
وأشار إلى أن الشركات العاملة في هذا القطاع لم “تتجاوز الآليات والاتفاقيات الخاصة بالتصدير”، معربا عن أمله التراجع عن هذا القرار في أقرب وقت.
عقوبات اقتصادية
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي سمير أبو مدللة، المحاضر في جامعة الأزهر بغزة، إن دولة الاحتلال “تضع دائما أولوياتها الأمنية في المقدمة على السياسية والاقتصادية، لتقوم تحت أي مسبب بفرض عقوبات اقتصادية. وقف التصدير خطوة لمزيد من التضييق على غزة، حيث يعد هذا المعبر التجاري المتنفس الوحيد لهم”.
ويرى أن هذا القرار من شأنه أن يتسبب في “تدمير ما تبقى من القطاع الخاص، لا سيما المصانع العاملة في مجال الملابس والنسيج التي انتعشت خلال العام الأخير وعملت على تشغيل جزء من البطالة في القطاع”.
وأضاف أن “القرار سيؤدي إلى تسريح عدد من المصانع للعمال، ما يزيد نسبة البطالة والفقر في صفوف المواطنين، ويؤدي إلى مضاعفة أزماتهم الإنسانية التي يعانونها منذ 17 عاما”.
ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن 61.6% من سكان القطاع يعيشون حالة فقر، بينما بلغت نسبة البطالة مع نهاية 2022 حوالي 47%.
وشكك الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، في هدف الاحتلال وراء قرارها بوقف التصدير من غزة، قائلا إنه قد يأتي ضمن “التحريض والتهديد الإسرائيلي المستمر”.
وختم “هناك احتمالات كثيرة لمزاعم الجيش بالعثور على مواد متفجرة في شحنة للملابس وتداعيات قرارها، لكن أكثرها ترجيحا هو أن الاحتلال قام بذلك متعمدا ضمن سياسة التحريض والدعاية التي يتبعها منذ فترة أن المقاومة تعمل بالتحريض في الضفة لتنفيذ عمليات”.