ما الفارق الذي ستحدثه مقاتلات “إف 16” بحرب أوكرانيا؟.. في ظل استخفاف روسي
يطرح قرار هولندا والدنمارك تسليم مقاتلات من طراز “إف 16” الأمريكية إلى أوكرانيا، تساؤلات حول الفارق الذي ستصنعه هذه الطائرات، التي طالبت كييف بالحصول عليها منذ الفترة الأولى للغزو الروسي، بعد تدمير قدرات أوكرانيا الجوية بصورة كبيرة.
وأعلن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، الأحد الماضي، أن بلاده والدنمارك تعتزمان تسليم طائرات “إف 16” إلى أوكرانيا، وقال إن بلاده تمتلك 42 طائرة، لكن من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانوا سيتبرعون بها جميعا.
وخلال الأيام الماضية، تصدر الحديث عن منح المقاتلات لأوكرانيا الصحافة الغربية والروسية، وتحدثت العديد من التقارير عن أهمية هذه الخطوة على مسار الحرب، وأسباب تحفظ الولايات المتحدة، وتأخرها في منح الضوء الأخضر لتسليم المقاتلات إلى كييف، في مقابل استخفاف روسي بها، والتأكيد على امتلاكهم الإمكانيات العسكرية التي تطيح بها، والتقليل من تأثيرها على العمليات.
لكن ما هي مقاتلة “إف 16” ولماذا طلبتها كييف بشكل حثيث منذ بداية الغزو الروسي؟
يعود تاريخ إنتاج المقاتلة التي تفضلها العديد من أسلحة الجو حول العالم، إلى العام 1976، وقامت بتصنيعها شركة جنرال داينامكس الأمريكية، لصالح سلاح الجو للولايات المتحدة، من أجل تحقيق تفوق في القتال النهاري، لكن طرأت العديد من التحسينات على التقنيات بداخلها لتصبح أكثر كفاءة، وهي مصممة بمحرك نفاث واحد، وبسرعة تفوق سرعة الصوت.
ومنذ أول إنتاج للمقاتلة، تم تصنيع 4600 طائرة منها، وفي عام 1993، انتقلت ملكية المقاتلة إلى شركة لوكهيد مارتن، والتي أجرت تغييرات عديدة على قدراتها لتصبح أكثر كفاءة وملاءمة من التقنيات الحديثة، ورغم أن الولايات المتحدة توقفت عن شرائها لصالح سلاح الجو، فإنها لا تزال عنوانها للنفوذ الأمريكي في منحها للدول حول العالم وفقا لموقع الشركة المنتجة “لوكهيد مارتن“.
والمقاتلة الأمريكية تحتوي على مدفع رشاش من عيار 20 ملم، مزود 511 مقذوف، إضافة إلى جهوزيتها لحمل صواريخ جو جو بمدى بعيد، وصواريخ جو أرض، وصواريخ مضادة للسفن والحاملات، وقنابل ثقيلة من مختلف الأنواع، فضلا عن امتلاكها رادارات متطورة، وقدرات على المناورة وتنفيذ العمليات الحربية ليلا.
لماذا تريد أوكرانيا المقاتلة؟
تفتقر أوكرانيا إلى طائرات مقاتلة حديثة يمكنها مجاراة أحدث المقاتلات الروسية، القادرة على التحليق لارتفاعات عالية، وأجهزة رادار ترصد أي طائرات من مسافات بعيدة، وتتمكن من الفتك بها بصواريخ موجهة بعيدة.
ونقلت مجلة التايم عن المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية قوله، إن مقاتلاتنا عمياء ببساطة، ولا يمكنها الرؤية، الطائرات الروسية تمتلك رادارات بها ضعفان أو 3 أضعاف ما يمكن لمقاتلاتنا رؤيته.
وتعد الطائرات الأوكرانية ضعيفة المناورة، وهي تمتلك طرازات قديمة من إنتاج سوفيتي، إضافة إلى تدمير قدراتها الجوية من المقاتلات بداية الحرب.
ووفقا لإحصاءات ما قبل الحرب، فإن كييف تمتلك مقاتلات من طراز سوخوي سو24، وطائرات ميج ميكويان، وسوخوي سو 27، ومروحيات نقل عسكري، وأخرى معدلة لإطلاق الصواريخ، وتعرض عدد كبير منها للتدمير، وما تبقى منها يستخدم في نطاق ضيق، بسبب القدرة الروسية على إسقاطها خلال المعارك.
ووفقا لتقديرات موقع “آي زي” الروسي، فإن أوكرانيا كانت تمتلك 152 طائرة مقاتلة، قبل الحرب في شباط/ فبراير2022، مع الهجمات الروسية، بلغت خسائرها نحو 70 مقاتلة منها، قبل أن تقوم دول أوروبا الشرقية بمنحها مقاتلات سوفيتية محالة على التقاعد من مخازنها.
هل تحدث “إف16” فرقا في المعركة؟
خبراء عسكريون قالوا للمجلة، إنه من غير المرجح أن تغير المقاتلات مسار الحرب بشكل كبير، وقالوا إن ما سيحدث هو تعمق العلاقات الأمريكية والغرب مع أوكرانيا، لعقود قادمة.
ولفتوا إلى أنه على المستوى الاستراتيجي، يربط هذا أوكرانيا بالقدرات والطريقة الغربية للحرب، لمدة لا تقل عن 20- 30 عاما، وسيحصلون على تدريب وتحديث لأنظمتهم، وهذا ما سيجعل علاقة أوكرانيا بالغرب عموما علاقة طويلة الأمد.
وقالت التايم، إن روسيا زرعت ألغاما أرضية في معظم الأراضي الأوكرانية شرقا، ما يجعل محاولة الجنود الأوكرانيين استعادة الأراضي، والتقدم سيرا على الأقدام، مسألة خطيرة ومكلفة بشريا وعسكريا.
وأشارت نقلا عن خبراء عسكريين، قولهم، إن وجود مقاتلات “إف 16” ضروري، لتجاوز خطوط المعركة الحالية، خاصة ما بدا تقدما بطيئا حتى الآن في الهجوم المضاد.
وقال الخبراء للمجلة، إن حصول كييف على “التفوق الجوي” يعني أنهم سيمنعون الطائرات والمروحيات الروسية من مهاجمة القوات الأوكرانية الأرضية، وحاليا حين تبطئ القوات الأرضية سرعتها لتجاوز الألغام الروسية والعوائق، فإنها تكون معرضة بشدة لهجوم جوي ساحق.
موافقة أمريكية متأخرة
مجلة “أتلانتك” انتقدت تأخر واشنطن في منح المقاتلة لأوكرانيا، وقالت إن قرار تسليح أوكرانيا، بفئة جديدة من السلاح القوي، يمر بثلاث مراحل، الأولى الرفض الصريح لتقديم سلاح فعال ضد الروس، بدعوى عدم قدرة الأوكرانيين على استخدامه، والثانية، تأهيل القوات بذريعة أن القوات الأوكرانية لن تكون قادرة استخدام الأسلحة، والتدريب والتجهيز يحتاج وقتا طويلا، أما المرحلة الثالثة، فهي الخشية من شكل الرد الروسي، وهذا لا يقال علنا، لكنه السبب المؤكد لحجب الغرب بعض الأسلحة.
وشددت المجلة على أن الاعتراض الحقيقي على منح أوكرانيا “إف 16″، يرجع إلى الخوف من التصعيد الروسي، الذي ثبت مرارا أنه أجوف، وفي المقابل التزمت أوكرانيا بقيود الغرب بشأن استخدام الأسلحة الفتاكة، مثل صواريخ هيمارس الأمريكية.
استخفاف روسي بـ”إف 16″
في المقابل، بدا واضحا تقليل الروس من شأن قرار منح أوكرانيا مقاتلات “إف 16″، وقالت صحيفة “لينتا” الروسية، إن طائرات سو 35، وميغ 31 الروسية، قادرة على تدمير المقاتلة الأمريكية، التي ستسلم إلى أوكرانيا.
ونقلت الصحيفة عن الخبير العسكري، والكابتن المتقاعد من سلاح الجو الروسي، فاسيلي دانديكين، أن مقاتلة “إف 16″طائرة خفيفة وضخمة في الوقت ذاته، وقادرة على المناورة بشكل جيد، ويمكنها حمل قنابل كبيرة.
لكنه قال إن الخبراء في الغرب يعترفون بأن القوات المسلحة الروسية تمتلك مقاتلات قادرة على إسقاط “إف 16” بنجاح، خاصة سو 35، المقاتلة الثقيلة التي تمتلك قدرات عالية، وكذلك الطائرة الاعتراضية بعيدة المدى ميغ 31، إضافة إلى منظومات الدفاع الجوي المختلفة، خاصة منظومة “أس 400” المتطورة.
وقلل الخبير الروسي من أهمية الإعلان عن تسليم المقاتلة، وقال إنها لن تظهر مع القوات الأوكرانية حتى الربيع المقبل، لأنه من الضروري تدريب الأطقم وإنشاء البنية التحتية اللازمة للطائرات.
عقبات وغموض
بدوره، قال المحلل العسكري الروسي، فلاديمير إيفسيف، إن توريد مقالات “إف 16” “لن يكون له تأثير كبير على الوضع في مناطق القتال”.
ورأى إيفسيف، في مقابلة مع موقع “إي زي” الروسي، أن مستوى الطيارين الأوكرانيين سيظل منخفضا، بالمقابل تمتلك روسيا نظاما جويا قويا، والمقاتلات الروسية ستقصف المطارات الأوكرانية، وتدمر الطائرات في قواعدها، وتأثير إمداد كييف بمقاتلات “إف 16” سيظل محدودا.
وأضاف: “الغرب لن يكون مستعجلا في تسليم الطائرات، والولايات المتحدة، لا تريد إظهار معداتها بصورة سلبية، ونحن نلاحظ أنهم لم يسلموا حتى الآن دبابات أبرامز، في مقابل دبابات ليوبارد الألمانية، التي شاهد الجميع كيف دمرت، ومن المحتمل ألّا تظهر المقاتلة الأمريكية قبل الربيع المقبل، وإذا كان وضع الجيش الأوكراني ليس بحال أفضل حتى ذلك الحين، فربما تلغى عملية الإمداد برمتها”.
من جانبه، قال الخبير العسكري، أناتولي ماتفيتشوك، إن نتائج مفاوضات زيلينسكي في هولندا للحصول على الطائرات غامضة، ولم يحدد وقت ولا حجم الإمدادات.
وأوضح أن الاتفاق مع الدانمارك أوضح، وربما تصل 6 طائرات قبل حلول العام الجديد، وهذا عدد ضئيل، وأوكرانيا بحاجة إلى 220-300 مقاتلة، لتغطية نطاق جيشها في ساحة العمليات، والمستحيل أن يوفر أحد هذا الأسطول.
ورأى أن هناك عقبات إضافية أمام أوكرانيا، منها أن الطيارين والموظفين والفنيين بحاجة إلى تدريبات كثيرة للتعامل مع أنظمة الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، والتزويد بالأهداف ومعلومات الاستطلاع وتجهيزات المطارات، وغيرها من اللوجستيات لأداء فعال.