محاولات بائسة
ليلى غليون
لا تزال تتوافد على مسامعنا أنباء عن محاولات بائسة ويائسة بؤس أهلها ومقترفيها، عن المس بالقرآن الكريم عبر تمزيقه أو حرقه أو تدنيسه من قبل نكرات لم تكن يومًا شيئًا مذكورًا، بل إن مقرها على الهامش، إما رامت بفعلها هذا شهرة ونجومية بأفعال شاذة وسيئة للفت الأنظار إليها، وإما مرتزقة ينفذون سياسات وأجندات من يدفعون لهم ويدفعونهم لفعل مثل هذه الممارسات، وإما أصحاب قلوب سوداء ناصبوا ولا يزالون يناصبون الإسلام العداء.
والحرب على القرآن الكريم ليست وليدة الصدفة ولا هي وليدة اليوم كما هي ليس بدعًا من الحروب أو حدثًا عابرًا أو استثنائيًا، إنها حرب قديمة حديثة عمرها الزماني منذ اللحظة التي نزلت فيها أول كلمة (اقرأ) على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وعودة للتاريخ والأحداث يخبرنا أن هذا المسلسل (الحرب على القرآن) بدأ ولم ولن ينتهي، ولن تتوقف هذه الحرب ولن تضع أوزارها حتى يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها، إلا أنها حرب نتائجها محسومة في كل الجولات، وعبر كل الأزمنة، ولن تتغير النتيجة ولن تتبدل، فالذي حسمها منزل القرآن جل جلاله والذي هو كلامه، فكانت ولا تزال كل المعارك ضد القرآن خاسرة، لسبب واحد أن الله تعالى تكفل بحفظه، يقول تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
فالقرآن محفوظ ولا خوف عليه حفظته العناية الالهية ومهما حاول اليائسون النيل منه فستكون محاولاتهم الخسران المبين:
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان
نعم، لقد تعرض القرآن كما أسلفت لحروب كثيرة منذ لحظة نزوله ومجابهته مع الوثنية، فطعنوا فيه وقالوا فيه كل كلام، قالوا عنه بأنه شعر، أساطير الأولين، وغيرها من أقوال باطلة، يقول تعالى: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) فصلت 26، بمعنى إذا أردنتم أن تكون لكم الغلبة على المسلمين فاطعنوا في القرآن والغوا فيه، ويقول تعالى: (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا).
ثم جاء مسيلمة الكذاب وادعى النبوة وعارض القرآن كذبًا وزورًا وأراد أن يأتي بمثل هذا القرآن، فانقلب السحر على الساحر وانقشع مسيلمة ودفن في مزابل التاريخ، وبقي القرآن يسطع نوره على العالمين.
وعودة بالزمن عبر مراحله المختلفة نجد الحرب على القرآن تتكرر كل فترة وفترة، وكأن القوم قد تواصوا فيما بينهم على هذه الحرب، يقول تعالى: (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) الذاريات 53. ففي العام 1530 أصدر البابا كليمنت السابع مرسومًا بحرق أول نسخة من القرآن مترجمة باللغة اللاتينية، ثم بعد سقوط الأندلس أصدرت محاكم التفتيش الاسبانية أمرًا بإحراق المصاحف وكل ترجمة لها، وكذلك الأمر إبان الحروب الصليبية فقد تعرض القرآن الكريم لهجمات شرسة ارتكبت فيها نفس الجرائم بحق القرآن الكريم حيث نفذت عمليات منظمة لحرق المصاحف والمساجد في المدن والقرى الاسلامية التي تم غزوها واحتلالها. وفي بداية القرن الفائت كان الجنود الإيطاليون يتغنون بأنشودتهم: (أنا ذاهب إلى ليبيا فرحًا مسرورًا لأبذل دمي في سحق الأمة الملعونة ومحو القرآن، وإذا مت يا أماه فلا تبكيني وإذا سألك أحد عن عدم حدادك فقولي لقد مات وهو يحارب الإسلام).
أما المنصر وليم جيفورد فيقول: (متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه).
أما اللورد البريطاني كرومر أثناء الاستعمار البريطاني لمصر فقد قال: (جئت لأمحو ثلاثة، القرآن والكعبة، والأزهر).
ولا يمكننا أن ننسى مقولة غلادستون رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقًا: (ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولن تكون هي نفسها في أمان، فقام رجل ومزق المصحف علانية، فقال جلادستون: يا أحمق ليس هذا الذي نريد وإنما نريد تمزيقه من قلوب المسلمين).
وتستمر الحرب على القرآن الكريم وتشتد ضراوة وهذه المرة من قبل المركبات النسوية لتقوم إحدى النسويات وهي كاتبة أمريكية تدعى أمينة ودود بتأليف كتاب أسمته (التفسير النسوي للقرآن الكريم) وكأن هناك تفسيرًا ذكوريًا للقرآن وهناك تفسيرًا نسويًا! والقرآن ليس له علاقة بالذكورة ولا الأنوثة، فمن تتوفر فيه الشروط المطلوبة لمنهجية علم التفسير فليتفضل.
وفي تاريخنا المعاصر قام قس أمريكي من أصل عربي فلسطيني بتأليف كتاب بديل!!! عن القرآن الكريم ووضع له سور مع أسمائها وآيات ووضع فيه من الضلال والبهتان ما يطول الكلام فيه.
وبعد هجمات أيلول أحد القساوسة الأمريكيين “تيري جونز” دعا إلى حرق القرآن في ذكرى هجمات سبتمبر، ليقوم جنود أمريكيون بحرق نسخ من القرآن في قاعدة أمريكية كانت في أفغانستان، هذا بالإضافة لما تلقته مسامعنا من أخبار حول تدنيس القرآن في معتقل جوانتانامو سيء الصيت.
ولكنه القرآن الكريم كتاب الله الخالد وكلامه ونوره، وأنى لهذا النور أن ينطفئ؟! (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).
وأنى لكلماته أن تحرقها نار الحقد والكراهية المشتعلة في هذه النفوس المريضة والقلوب العمياء؟!
وما هذا الذي يقترفونه بحق القرآن الكريم إلا دليل وبيان على إفلاسهم ومدى حقدهم لدين الإسلام وفشلهم فشلًا ذريعًا في إيقاف المد الإسلامي المبارك في كل العالم وخاصة في أوروبا التي تشهد دخول الكثير في الإسلام بعدما درسوه بعمق ونظروا إليه نظرة حق، ليخرجوا بنتيجة أن البشرية جمعاء لا يمكنها أن تخرج من النفق المظلم الذي أوردها موارد الهلاك إلا بهذا النور الذي يشع من القرآن ومن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم المستمد من نور الله جل جلاله (الله نور السموات والأرض).
وهؤلاء الصغار التافهون مرتكبو هذه الأعمال لا شك أنهم مدفوعون لذلك وطالبون لشهرة وصيت مزيف سيء وسيلفظهم التاريخ في مزابله كما لفظ من سبقهم ومن سيلحق بركبهم .
وإن كانت مشاعرنا قد هاجت وماجت غضبًا ونصرة لكتاب الله ونحن نرى أشقياء القوم يتسابقون ويتفننون بانتهاك حرمة القرآن، وحق لمشاعرنا أن تثور وتغضب، ولكن نصرة كتاب الله لا تكمن فقط بالمشاعر الثائرة ولا بالاستنكار والتنديد والمظاهرات فحسب، ولا بالمقاطعة والسياسات الحكومية، وإن كانت كلها جهودًا مباركة لها من التأثير الفعال ما لها، ولكن نصرة كتاب ربنا بالإضافة لكل ذلك بل قبل كل ذلك، أن ننصره تلاوة وتدبرًا وعملًا وسلوكّا ومنهج حياة، فلا خوف ولا قلق على القرآن، ولكن كل الخوف والقلق على أنفسنا أنا وأنتَ وأنتِ وهو وهي ونحن جميعًا، إذا كنا نمر على آيات يوميًا نقرأها فلا نتدبرها ولا نأتمر بأوامر ها ولا ننتهي بنواهيها وكأننا نقرأ كتابًا عاديًا.
الخوف والقلق على أنفسنا إذا كانت تلاوتنا حجة علينا لا لنا يوم يقول الرسول: “يا رب أن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا”. فلا تقلقوا على القرآن.