تقرير: ما علاقة تغير خطاب السيسي والإقرار بالأزمات بانتخابات الرئاسة؟
أثار ظهور رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، في أقصى نقطة غرب البلاد ولقائه ببعض أهالي مطروح والسلوم وسيدي براني، وتغيير لغة الخطاب، وإقراره بوجود أزمة اقتصادية وارتفاع كبير في الأسعار، تساؤلات حول هذا التغير في خطابه غير المألوف.
وزار السيسي، الأربعاء، مدينة السلوم على الحدود الغربية مع ليبيا، والتقى أهالي المدن القريبة التي يغلب عليها الطابع القبلي، ولكن على غير العادة اختار السيسي الجلوس وسط الناس والتحدث إليهم وجها لوجه وليس مستديرا، ولهجة أقرب إلى التصالح والمصارحة مع الآخرين.
ورغم أن السيسي أقر بوجود أزمة اقتصادية في البلاد، إلا أنه وصفها بأنها بمنزلة “تحديات”، قائلا: “إحنا في أزمة صحيح وبتكلم معاكم بكل وضوح، لكن ما نمر به هو تحدٍ من ضمن التحديات الكبيرة اللي قابلنها”، مشيرا إلى أن مصر في صراع مع ظروفها الحالية.
وفيما يتعلق بالغلاء الذي طال كل مناحي الحياة، أضاف: “الأسعار مرتفعة وأنا عارف، هل إحنا ساكتين على ده؟ نحن نحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نقلل تأثير الأزمة، ببرامج نقدمها خاصة للمواطنين أصحاب الظروف الصعبة”.
لم يخرج حديث السيسي عن تكرار مقولاته بأن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر سببها أزمتا وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، “ليس للدولة المصرية أي دخل فيهما، لكننا نتأثر بهما”، وقال؛ “إن التحدي الخاص بهما والظرف الاقتصادي الصعب كتحد، لا بد أن ينتهي ليس لأنني موجود، لكن هذه هي حكمة الله في الدنيا”.
ونفى السيسي أن يكون لمشاريعه أو قراراته علاقة بالأزمة الاقتصادية الحالية، وقال؛ إن “الظروف الحالية في الدولة لم تكن انعكاسا لأي إجراء أو قرار يتسم بعدم الرشد من الدولة، وأنه خلال السنوات العشر الماضية، كانت الدولة المصرية حريصة على عدم المغامرة بالناس في أي شيء يكون له مردود غير جيد على البلاد”.
أحد متطلبات الترشح للرئاسة
واعتبر الأمين العام المساعد لحزب المحافظين، مجدي حمدان، أن “قرار الرئيس السيسي بالظهور والتحدث وسط الناس، ومصارحتهم بوجود أزمة اقتصادية، واستخدام لغة أقرب إلى التودد منها إلى إلقاء اللوم، هو أحد متطلبات الترشح لفترة رئاسية جديدة”.
ورأى، أنه “بسبب الحالة الاقتصادية المتردية، وزيادة الضرائب والجباية تحت مسميات متعددة ومختلفة، وعدم السيطرة على الأسعار، إلى جانب قمع حرية الرأي والتعبير، تجعل فرص جميع المرشحين لانتخابات الرئاسة أوفر”.
وأعرب حمدان عن اعتقاده أن “التحول في لغة الخطاب هو استجابة لمستشاريه بضرورة تغيير لغة الكلام والجسد، ولكن الحديث عن دور الدولة وظروف الدولة ووضع الدولة هو شيء مبهم؛ لأن الرئيس هو الدولة، هو الذي يملك خيوط كل شيء، وأعتقد أن حديث الرئيس لن يغير كثيرا من الواقع”.
وحول توقعاته عن ترشح السيسي من عدمه، أكد حمدان أن “كل الشواهد تؤكد اعتزام الرئيس ترشحه لولاية ثالثة أو ثانية وأخيرة بحسب التعديلات الدستورية الأخيرة، اللافتات والإعلانات المنتشرة في عموم البلاد لدعم ترشح السيسي تؤكد أنه سوف يترشح، وتحول الحديث إلى مصر الحديثة بدلا من الجمهورية الجديدة التي فشلت في تحقيق أهدافها”.
دستور على مقاس السيسي
وتنص الفقرة الثانية من المادة 140 من الدستور المصري، على أن تبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوما على الأقل.
وانتخب السيسي في 2 نيسان/ أبريل 2018، وتنتهي مدته يوم 2 نيسان/ أبريل 2024، وعليه يصبح 3 كانون الأول/ ديسمبر هو الحد الأدنى لفتح باب الترشح.
وزادت التعديلات الدستورية عام 2019 في المادتين 140، 142 مدة الرئاسة لتكون 6 سنوات، بدلا من 4، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين، ولكن لم يتم احتساب الفترة الأولى (2014- 2018) ضمن الفترتين.
هروب للأمام
ولم يتغير خطاب السيسي بحسب المتحدث الرسمي السابق باسم الجبهة الوطنية للتغيير، سمير عليش، الذي أكد أن “تحول الخطاب ليس بتغيير لغة الكلام، ولكن بالاعتراف بالأخطاء، وفشل الكثير من المشروعات الاقتصادية التي استنفدت موارد الدولة دون طائل، ولكن الخطاب الأخير يحمل الأزمات الخارجية، وأسباب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد ويعاني من تداعياتها الشعب”.
اقرأ أيضا:
وأوضح، أن “ما تغير هو أسلوب الخطاب وليس مضمونه لأنه متكرر، ولم يحمل سوى الوعود المتكررة، والدعوة إلى الصبر والتحمل وقبول التحديات، وهو خطاب متكرر سئم منه المصريون منذ عقود، وأي تغيير للأفضل لا بد أن يسبقه الاعتراف بالخطأ وليس تبريره”.
وأشار عليش إلى أن “مثل هذا النوع من الخطابات لن يغير شيئا من الواقع مطلقا، وكما يقولون “لا يُطعم خبزا”، لم يتضمن الحديث أي تصور لمعالجة الأزمة الاقتصادية، أو طرح خطط جديدة للعبور من الأوضاع الصعبة، والإقرار بوجود أزمة وارتفاع الأسعار ليس كافيا، ولا يعني تغييرا ولا يقدم حلولا”.
أوضاع اقتصادية صعبة
وقفزت معدلات التضخم السنوي في مصر إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة متجاوزة 41% وسط توقعات باستمرار ارتفاعها، مع تدهور قيمة العملة المحلية، وبات ما يقرب من 60 بالمئة من السكان يصنفون على أنهم فقراء.
وفي أقل من 16 شهرا فقد الجنيه المصري 75% بالمئة من قيمته مقابل الدولار، في سلسلة من التخفيضات منذ آذار/ مارس 2022، وهبط سعره إلى 40 جنيها في السوق السوداء، مقابل 15.7 جنيها قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة.
وطبقا لتوقعات “فيتش” لعام 2023، فإن مصر تستهلك 44 بالمائة من إيراداتها على دفع فوائد الديون، وفي العام المقبل سيرتفع ذلك إلى 54 بالمئة، ما يضعها في المرتبة الثالثة عالميا فقط بعد سريلانكا والباكستان.
وتشير التوقعات للأعوام الخمسة المقبلة إلى السرعة التي سوف يرتفع بها دين مصر الوطني، بنسبة 70 بالمئة تقريبا، وبحلول عام 2028 سيكون الدين الوطني قد نما إلى ما يقرب من 510 مليارات دولار، بزيادة قدرها 210 مليارات دولار خلال السنوات الخمس القادمة.