فخ الاختيار بين المصالح والديمقراطية.. لماذا تترد إدارة بايدن تجاه انقلاب النيجر؟
يسيطر التردد على موقف الإدارة الأميركية بشأن توصيف الانقلاب العسكري في النيجر، حيث إن القيام بذلك قد يؤدي إلى وقف وإنهاء المساعدات الأمنية الأميركية لبلد أساسي لمحاربة الإرهاب والحد من النفوذ الروسي في القارة الأفريقية.
هذا التردد هو أحدث مثال على محاولة الرئيس الأميركي جو بايدن التوازن بين المبادئ والقيم الديمقراطية من ناحية، وبين الواقع القاسي للواقع الإستراتيجي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالدول الشريكة التي تواجه تحديات كالتطرف مثل النيجر.
وأقر مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية بأن تردد الولايات المتحدة في الإعلان رسميا أن انقلابا عسكريا قد حدث في النيجر، يجنبها إنهاء تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية، ويمكّنها هذا الوضع من تشجيع الاتفاق في النيجر على عودة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، أو الانتقال السريع إلى حكومة مدنية.
ومع ذلك -يضيف الدبلوماسي الأميركي- فإن الوقت ينفد بشأن هذه النتيجة المحتملة حيث يعزز الجيش قبضته على السلطة.
وقال السفير ديفيد شين -مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية- إن “لدى الولايات المتحدة القليل من المصالح الملموسة في النيجر، وهي مهتمة في المقام الأول بالنيجر كمعقل للاستقرار السياسي في منطقة مضطربة”.
وأضاف شين أن كل هذه المصالح تتعرض لضغوط شديدة في الوقت الراهن، وإذا أجبرت القوات الأميركية على مغادرة النيجر، فسيكون لذلك أيضا تأثير سلبي على الاستقرار السياسي في المنطقة الأوسع، وهو وضع ترغب واشنطن في تجنبه.
والاثنين الماضي، قالت الخارجية الأميركية إنها ما زالت تقيّم الموقف على الأرض، مشيرة إلى أن الوضع ما زال متغيرا، وقال مسؤول كبير في الوزارة إن هناك فرصة ضئيلة للرجوع عن الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر، موضحا أن الموقف الدبلوماسي والعسكري الأميركي يتوقف على ما إذا كانت الحكومة المنتخبة ديمقراطيا ستعود إلى السلطة في الأيام المقبلة.
مصالح كبيرة ونفوذ محدود
وتقليديا كانت النيجر قريبة من المعسكر الغربي، وتمتع الرئيس المنتخب محمد بازوم بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وفرنسا، وتخشى الدولتان من قيام المجلس العسكري الجديد بما قامت به الأنظمة العسكرية في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين من خلال الانفصال عن الغرب والتحول بالكامل إلى المعسكر الروسي، وربما دعوة مجموعة فاغنر إلى البلاد.
كما أن للصين بعض المصالح الاقتصادية في النيجر، ولكن من غير المرجح أن تتورط بشكل كبير في هذه الفوضى.
وأشار السفير شين إلى أنه “من الواضح أن تطورات النيجر تمثل نكسة لفرنسا والولايات المتحدة والدول الغربية عموما، لكن في الوقت ذاته، فإن روسيا والصين دعتا أيضا إلى العودة إلى سيادة القانون، وإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه”.
وقال “جيمس بارنيت” خبير الشؤون الأفريقية بمعهد هادسون الأميركي، إن “لدى الولايات المتحدة مخاوف محددة للغاية، وهي سلامة وأمن ما يقرب من ألف جندي أميركي هناك، بالإضافة إلى مواطنين أميركيين مدنيين”.
وأضاف بارنيت أنه على مستوى إستراتيجي أوسع، تريد الولايات المتحدة أن ترى الرئيس محمد بازوم يعود إلى السلطة وأن تستقر الأوضاع في البلاد لمنع من تصفهم بـ”الجهاديين”، أو روسيا عبر مجموعة فاغنر، من الاستفادة من الفوضى.
وأعادت الولايات المتحدة نحو ألف جندي أميركي إلى قاعدة أغاديز بالنيجر بعد وقت قصير من الإطاحة بالرئيس بازوم الأربعاء الماضي، وفق شبكة “سي إن إن” (CNN) التي نقلت أيضا عن مسؤول في الخارجية الأميركية أنه “لا مؤشرات على أن فاغنر ساعدت في الاستيلاء على السلطة في النيجر”.
كما نقلت وكالة رويترز أن رئيس الأركان الأميركي بحث الأسبوع الماضي هاتفيا مع قائد الجيش في النيجر التطورات وحماية الأميركيين.
كلمة السر.. أفريكوم
تشرف منطقة القيادة الأفريقية (أفريكوم) التابعة لهيئة الأركان الأميركية المشتركة، على القارة الأفريقية كلها باستثناء مصر، وينضم تحت لوائها ما يقرب من 6 آلاف عسكري، ومنذ بداية يونيو/حزيران الماضي، نشرت الولايات المتحدة ألف جندي في النيجر لإجراء عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ودعم الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب.
لذلك يرى بارنيت أن واشنطن تنظر في المقام الأول إلى النيجر من خلال عدسة أمنية، حيث استثمرت الكثير في النيجر كشريك إقليمي لمكافحة الإرهاب، ولوقف انتشار الجهاديين في جميع أنحاء غرب أفريقيا.
وتشير دراسة حديثة صادرة عن مركز خدمات أبحاث الكونغرس، إلى أن الجيش الأميركي يقوم بمجموعة من الأنشطة في أفريقيا، بما فيها تلك التي تنطلق من النيجر، ومنها الضربات المباشرة، حيث اعترف الجيش الأميركي بشن ضربات ضد أهداف “إرهابية” في ليبيا وبعض دول الساحل.
ووفقا للمركز الذي يُعد الجهة البحثية التي تمد أعضاء مجلس النواب والشيوخ بدراسات موثقة، فإن البنتاغون يعمل مع النيجر على بناء وتحديث قدراته الأمنية من خلال تقديم المساعدة العسكرية التي يديرها مع وزارة الدفاع في النيجر، وإضافة إلى الدعم اللوجستي، يشرف البنتاغون على أنشطة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، التي تعمل أساسا من النيجر، من خلال مرافق في العاصمة نيامي ومدينة أغاديز الشمالية.
وعام 2019، أنشأ البنتاغون قاعدة جديدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز شمال النيجر، ويستخدمها لضرب الجماعات المسلحة في جميع أنحاء غرب وشمال أفريقيا. وكلفت القاعدة -التي تستضيف طائرات بدون طيار من طراز “إم كيو 9 ريبير” (MQ-9 Reaper)- الولايات المتحدة 100 مليون دولار للبناء، وحوالي 30 مليون دولار سنويا لصيانتها.
واشنطن تنتظر اللحظة الأخيرة
وردا على التردد في وصف ما جرى بالنيجر على أنه انقلاب، أصر المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر على أن الوضع “مائع ولا يزال محاولة لإزاحة رئيس النيجر محمد بازوم”، مضيفا –الاثنين الماضي- “نحن نراقب ونراقب الوضع ونحاول منع الإطاحة بالرئيس بازوم”.
كما حذر وزير الخارجية أنتوني بلينكن من أن “الشراكة الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة مع النيجر -وهي شراكة مهمة، قيمتها مئات الملايين من الدولارات- في خطر واضح”.
في هذا السياق، يقول جيمس بارنيت إن “الولايات المتحدة لا تزال تؤكد علنا أن الرئيس بازوم قادر على استئناف القيادة على الفور، لذا فهم يتعاملون مع الموقف باعتباره احتجازا مستمرا، كوسيلة لإنكار أي اعتراف بالانقلابيين”.
وأضاف بارنيت أنها طريقة للقول إنهم يعتقدون أنه لا يزال من الممكن حل الوضع بدون الحاجة إلى أي فترة انتقالية، وأيضا هي طريقة للإشارة إلى المجلس العسكري بأنه لا يزال لديه فرصة للتراجع قبل أن تدخل الإجراءات العقابية الأكثر صرامة حيز التنفيذ.
وأشار المتحدث إلى أنه قد يكون هناك اعتبار آخر، وهو أنه عندما تعلن وزارة الخارجية أن الوضع انقلاب، وهو ما يقيد الولايات المتحدة، بموجب القانون، من تقديم المساعدة الأمنية للبلاد ما لم تتذرع الحكومة بضرورة تجاوز الانقلاب، وهو أمر مثير للجدل. وبالنظر إلى مدى أهمية إدراك واشنطن للنيجر كشريك أمني، فقد ينتظرون حتى آخر لحظة ممكنة لتصنيف ما حدث أو الاعتراف به.