انقلاب النيجر.. هل ستفقد فرنسا آخر معاقلها في أفريقيا؟ ومن سيملأ الفراغ؟
قال مدير مركز جنيف للأمن والدراسات الإستراتيجية في أفريقيا ديفيد أوتو إن ما حدث في النيجر “لم يكن أمرا مفاجئا”، مؤكدا وجود مواقف مناهضة بشدة للوجود الفرنسي في البلاد، وأنه بات على باريس أن تتهيأ لفقدان آخر معاقلها في القارة السمراء.
وأوضح أن دول غرب أفريقيا أعطت إشارات تنبيه مبكرة باحتمال حصول انقلاب عسكري في النيجر بناء على مؤشرات مختلفة كان من المفترض معالجتها، إلا أن ذلك لم يحدث.
جاء ذلك خلال الحلقة التي خصصها برنامج “ما وراء الخبر” بتاريخ (2023/7/27) لإعلان الجيش في النيجر تأييده مجموعة الحرس الرئاسي التي أطاحت برئيس البلاد محمد بازوم، وتحذيره مما سماها عواقب وخيمة لأي تدخل عسكري.
وتساءلت حلقة “ما وراء الخبر” عن السياقات التي قادت إلى وقوع هذا الانقلاب بعد فشل آخر قبل عامين؟ وكيف بدت مواقف الدول التي تملك مصالح مباشرة فيها من الانقلاب؟ وكيف ستتعاطى واشنطن وموسكو مع نتائجه، بالنظر لتأثيره المحتمل على موازين القوى الدولية في منطقة غرب ووسط أفريقيا؟
تكتيكات متشابهة
وفي حديثه لبرنامج “ما وراء الخبر”، قال أوتو إن هناك تكتيكات دائما تقوم على تقليد ما يحدث في الدول المجاورة، وهو ما حصل في النيجر حين قام العسكريون فيها بتقليد ما شهدته مالي وبوركينا فاسو، ومن ثم كان ينبغي على الحكومة أن تعلم أن هناك ما يجري الإعداد له وتستعد لذلك.
ويرى أن هناك مصلحة كبيرة لدى العسكريين للاستيلاء على السلطة، وكان هذا أفضل وقت ليقوموا به، كونهم سيحظون بدعم من مالي وبوركينا فاسو، مؤكدا أن ما حصل في تلك البلاد متشابه، وأنه على واشنطن ألا تتوقع نتائج مختلفة لضغطها، رغم ما تقدمه من مساعدات ودعم كبير للنيجر.
وأشار مدير مركز جنيف للأمن والدراسات الإستراتيجية في أفريقيا إلى وجود موقف مناهض للفرنسيين في النيجر، وأنه بتسلم الجيش السلطة من الحكومة المنتخبة التي كانت مدعومة من باريس، بات على الأخيرة أن تتهيأ لفقدها آخر معاقلها في أفريقيا، وأضاف أنه ليس من المعروف بعد من سيملأ الفراغ بعد فقد فرنسا مكانتها في البلاد.
تبريرات غير مقبولة
بدروه، قال الدكتور كاميرون هادسون كبير الباحثين في المركز الأفريقي في المجلس الأطلسي والمسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية إن ما ساقه جيش النيجر كدوافع لاستيلائه على الحكم ليس سوى تبرير غير مقبول لهذا الانقلاب، متسائلا في استنكار عن سبب الأخذ في الاعتبار مبررات العسكر في الإطاحة بحكومة مدنية منتخبة.
وأضاف -في حديثه لما وراء الخبر- أن حكومة بازوم كانت شريكا قويا لواشنطن، وكانت تحصل على مساعدات لتعزيز مبادئ الديمقراطية، وأنه لا مجال للحديث عن سوء إدارة للمال العام من قبل هذه الحكومة المنتخبة، والأمر في حقيقته مرتبط بسياسات خاصة وقبلية في البلاد.
وحول الموقف الأميركي، يتوقع هادسون أن تستخدم واشنطن أوراق ضغط تملكها بوصفها أكبر مانحي المساعدات الاقتصادية والتنموية للنيجر، لكنه في الوقت ذاته يرى أن واشنطن وباريس وبروكسل في موقع صعب هناك، وتحاول تسليط الضوء على المخاطر المترتبة على هذا الانقلاب على المدى البعيد.
موقف مبادئي
في حين يرى الباحث والمحلل السياسي الروسي رولاند بيجاموف أن موسكو انطلقت في عدم وصفها ما حدث في النيجر بالانقلاب، من مبدئها وسياساتها الخارجية والدبلوماسية المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وترك أطرافها تعالج شؤونها بنفسها.
وشدد بيجاموف على أن تزامن وقوع الانقلاب مع القمة الروسية الأفريقية لا يدل على وجود علاقة بين الحدثين، لافتا إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن الشكل الذي يمكن أن تتدخل به موسكو في النيجر حال طُلب منها ذلك.
وردا على ما يراه البعض من أن موسكو تدعم حكومات انقلابية ودكتاتورية في الدول الأفريقية لتحقيق مصالحها، قال بيجاموف إن النيجر بالنسبة لروسيا بمثابة “غيمة بلا مطر”، ولن تستفيد منها كثيرا، لكنها في حال تدخلت فسيكون ذلك انطلاقا من مبدأ الندية بدعم الحكومة التي ستكون في السلطة.
يذكر أن انقلاب النيجر قوبل بإدانات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وعدد من الدول؛ بينها الولايات المتحدة وفرنسا، بينما دعت روسيا طرفي النزاع في النيجر لحل خلافهما بالحوار، على حد قولها.