تهجير سكان النقب: محكمة إسرائيلية تصادق على اقتلاع وتهجير سكان راس جرابة لتوسيع ديمونا
صادقت محكمة الصلح في بئر السبع، يوم الإثنين الماضي، على دعاوى الإخلاء المقدمة من قبل “سلطة أراضي إسرائيل” ضد أهالي قرية راس جرابة في منطقة النقب، جنوبي البلاد، وذلك بهدف تهجيرهم من أجل توسيع مدينة ديمونا اليهودية وإقامة حارة جديدة على أنقاض القرية.
كما قضت المحكمة بوجوب إخلاء القرية من قبل السكان بحلول الأول من آذار/ مارس 2024 ، وفرضت على سكان القرية دفع أتعاب محامي الدولة بمبلغ إجمالي قدره 117 ألف شيكل.
ومن جهته، أعلن مركز عدالة أنه سيتقدم باستئناف أمام المحكمة المركزية.
يترافع مركز عدالة عن سكان القرية في 10 دعاوى إخلاء متشابهة قدمتها “سلطة أراضي إسرائيل” ضدهم عام 2019. وادّعت سلطة الأراضي في الدعوى أنّ أهالي رأس جرابة يقيمون على أرض قريتهم بشكلٍ غير قانونيّ ويجب اعتبارهم “متسللين” أو “غزاة” كون الأرض سُجلت باسم دولة إسرائيل. ولا تخفي الدولة أنّ الهدف من إخلاء القرية هو توسيع ديمونا وتخطيط حارة سكنية جديدة معتبرة إخلاء القرية يخدم “المصلحة العامة”.
قرية راس جرابة
تقع قرية راس جرابة شرقي مدينة ديمونا وضمن منطقة نفوذها ويُقدَّر عدد سكان القرية بـ500 شخص ينتمون لعائلات الهواشلة، أبو صُلب والنصاصرة. تتبع هذه الأرض تاريخيًا لقبيلة الهواشلة وتعرف باسم “الشعيرية” أو “مركبة الهواشلة” وتمتد من منطقة كرنب (بقرب محطة الشرطة الإنجليزية الانتدابية) وإلى منطقة أم دِمنى وهي منطقة فيها بئر ماء معروفة وعليها أقيمت البيوت الأولى في ديمونا وسُميت باسمها.
يذكر الحاج فريج الهواشلة الثمانيني إقامة ديمونا: “لسنوات طويلة سكنا هذه الأرض وفلحناها ورعينا المواشي فيها وربطتنا علاقات جيدة مع الشرطة الانتدابية التي عسكرت في محطة كرنب القريبة […] ديمونا أقيمت على أرض الهواشلة. في البداية أقاموا عدة مبان مؤقتة سكنها عدد قليل من السكان يقارب عددهم الـ10. ربطتنا علاقة جيدة معهم فكانوا يطلبون أن نحضر لهم الماء من البئر وكانوا يشترون منا الحليب والسكر والشاي مما كنا نحصل عليها من الدولة فترة التقنين […] توسيع ديمونا جاء على حساب تقليص مساحة الأرض التي سُمح لنا باستعمالها، فمع الوقت مُنعنا من استعمال الأراضي التي فلحناها قرب مصنع كيتان وذات الأمر حصل مع الأرض التي أقيمت عليها المحطة المركزية للباصات”.
منذ بداية المسار القضائي، رفض أهالي القرية، جملة وتفصيلا، نية سلطة “توطين البدو” نقلهم إلى قرية قصر السر (قرية بدوية معترف بها). وتمسّك أهل القرية بموقفهم الواضح بالبقاء في قريتهم، إما كقرية زراعية مستقلة أو كحارة ذات طابع تخطيطي مناسب تكون قريبة من ديمونا أو داخلها.
وقدمت مُخططة المدن، دفنا سبورتا، من جمعية بمكوم، رأيًا تخطيطيًا مختصًا يُوضح انعدام العوائق التخطيطية أمام الاعتراف بالقرية في موقعها الحالي ويشمل اقتراحًا أوليًا للاعتراف. رفضت سلطة “توطين البدو” هذه الاقتراحات وادعت أنها غير مخولة لبحث أي حلول خارج البلدات البدوية.
قضية راس جرابة مثال واضح للتهجير على أساس عنصري
صرح مركز عدالة أن المحكمة في قرارها أكدت على أن أهالي القرية يعيشون في منطقة ديمونا منذ عقود – المدينة المقامة أصلًا على أراضيهم – وإلى وجود أدلة تشير إلى أنهم يقطنون بنفس المنطقة المحدد إخلاؤها منذ العام 1978، أي منذ ما يقارب 50 عامًا، إلا أن هذا لم يكن كافيًا من ناحية المحكمة للاعتراف بحقهم في البقاء على أرضهم أو حتى إلزام السلطات بشملهم في التخطيط المستقبلي للمنطقة.
كما رفضت المحكمة ادعاءات السكان ضد قرار التهجير الذي جاء بعد عشرات السنين من سكنهم في القرية بمعرفة من سلطات الدولة معللة ذلك بأنّ “الحفاظ على أراضي الدولة” يعتبر مصلحة عامة غاية في الأهمية. ورفضت المحكمة أيضًا البت في الادعاء أن توسيع ديمونا يأتي على حساب الأهالي كونه ادعاء تخطيطي يجب البت فيه في المسارات التخطيطية وليس ضمن دعاوى الإخلاء. يجب التنويه أن ادعاء المحكمة هذا هو غاية في الغرابة حيث إن إجراءات التخطيط لم تبدأ بعد وعليه ففي حال تم تطبيق قرار المحكمة بالتهجير فإنه لن يكون هناك معنى للاعتراض على المخطط حينها.
أما بالنسبة لموضوع الفصل العنصري في السكن، فإن المحكمة لم تر عيبًا في أن السلطات تُهجّر البدو لبلدات بدوية أخرى، وترفض حتى التفكير في شملهم في التخطيط لديمونا، مبررة ذلك بأنه بإمكان سكان راس جرابة شراء البيوت والأراضي في ديمونا، الأمر الذي ينقض الادعاء بوجود فصل عنصري، وفقًا للمحكمة. بالإضافة إلى ذلك، لم تعترف المحكمة بأن قرار التهجير يشكل مسًا بالحقوق الدستورية للسكان. اعتمدت المحكمة في تعليلها هذا على قرار المحكمة العليا في قضية تهجير أم الحيران. تبرير المحكمة هذا يوضح عُمق عقلية الفصل العنصري في إسرائيل؛ حيث يتم إقامة بلدات بدوية من أجل تركيز المواطنين البدو فيها ومن ثم يستعمل وجود هذه البلدات كمسوغ يشرعن عدم شمل المواطنين البدو في تخطيط المدن اليهودية.
لم تتطرق المحكمة حتى لعروض التسوية هذه، وبقرار شديد اللهجة تجاهلت ادعاءات الناس وشهاداتهم في المداولات القضائية والقانونية واعتبرت في نص القرار أنهم “يبالغون” في ادعائهم بأن أمر التهجير مهين، حتى أنهم يمسون بحق السلطات بوجودهم على أراضيها، بادعاء أن هذه الأراضي هي “ملكية عامة” ومن حق الدولة.
ويرى مركز عدالة في قرار الحكم تجسيدًا لنظام الأراضي في إسرائيل وقوانينه، تخلق نظامًا ممنهجًا للفصل العنصري يرقى إلى جريمة الفصل العنصري (الأبرتهايد) وفقًا للقانون الدولي. كما يتضح من قرار الحكم، وكذلك في حالات أخرى مثل أم الحيران، أن المبادئ العنصرية التي تقوم عليها سياسات الاستيطان في إسرائيل تطغى على الحقوق الدستورية المنصوص عليها في القوانين الأساسية، حيث أنه بموجب القيم الدستورية لدولة اسرائيل، والتي تشمل تلك المنصوص عليها في قانون أساس القومية وقانون أساس أراضي إسرائيل، يُنظر إلى التهجير القسري لسكان رأس جرابة على أنه يحقق غرضًا شِرعيًا، وهو العمل من أجل “صالح الجمهور” والذي لا يُعتبر المواطنون العرب الفلسطينيون جزءًا منه.
وتعليقًا على قرار المحكمة صرّح مركز عدالة أنه “منذ النكبة، تعمل دولة اسرائيل عبر مؤسساتها المختلفة على اقتلاع السكان البدو الذين بقوا في النقب بعد قيامها، وتهجيرهم بشكل قسري الى مناطق محدودة وبلدات منفصلة، وتفرض عليهم ظروف معيشية سيئة، متجاهلة طبيعة حياتهم وحاجاتهم الأساسية. ففي الواقع، الحكم العسكري لم ينتهِ، وتم استبدال السلطات العسكرية بشبكة من الهيئات، بما في ذلك سلطة البدو وسلطة أراضي إسرائيل وسلطات إنفاذ القانون المختلفة التي جُنِّدت من أجل سلب السكان الأصليين أراضيهم، بناءً على تعريفها كـ(أراضي دولة). ينضم النظام القضائي إلى هذه المؤسسات الاستعمارية، عندما يسمح بتهجير المواطنين العرب البدو من أجل توطين اليهود مكانهم. تهجير سكان رأس جرابة، الذين كانوا حتى اليوم جزءًا لا يتجزأ من مدينة ديمونا التي أقيمت على أرضهم، يشير بشكل قاطع إلى أن إسرائيل ترتكب جريمة الفصل العنصري (الأبرتهايد) ضد المواطنين الفلسطينيين، ولا بد من التدخل الدولي الفوري لوقفها”.