“نيويورك تايمز”: حان الوقت لمناقشة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للكاتب نيكولاس كريستوف، تساءل فيه عن ما إذا كانت دولة الاحتلال بحاجة إلى كل المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة إليها؟
واستنكر الكاتب تقديم الولايات المتحدة مساعدة ضخمة تقدر بحوالي 3.8 مليار دولار سنوياً إلى بلد ثري آخر، في إشارة إلى دولة الاحتلال، مؤكدا أن الوقت قد حان لمناقشة قضايا لم يتم التطرق إليها من قبل.
وذكر المقال أن إسرائيل تحتل العناوين الرئيسية في الأخبار، مثيرة نقاشاً محتدماً. ومع ذلك يبقى موضوع واحد غائباً عن النقاش، ولذلك دعوني أطرحه عليكم بحذر شديد. هل آن لنا أن نفكر في القيام بالتدريج بتقليص المساعدات الأمريكية التي تقدم لإسرائيل؟
والأمر هنا لا يتعلق بالرغبة في عقاب إسرائيل. ولكن هل من المنطق أن تقدم الولايات المتحدة مساعدة ضخمة تقدر بحوالي 3.8 مليار دولار سنوياً إلى بلد ثري آخر؟
لا أعتقد أن أي تغيير بحاجة لأن يحصل سريعاً وبشكل مفاجئ أو بطريقة تهدد أمن إسرائيل. والسبب من وراء إعادة التفكير في المساعدة الأمريكية ليس السعي من أجل الضغط على إسرائيل – مع أنني أعتقد بأننا ينبغي أن نكون أكثر صرامة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يقضي على أي أمل في تحقيق حل الدولتين، والذي هو – كما صرح بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك – “عازم على الحط من إسرائيل لتغدو ديكتاتورية فاسدة وعنصرية تقوض المجتمع”.
إنما السبب من وراء فتح باب النقاش حول هذا الموضوع هو أن المساعدة الأمريكية المقدمة إلى بلد ثري آخر هدر للموارد الشحيحة، ناهيك عن أنه يشكل علاقة غير صحية تعود بالضرر على الطرفين.
يوجد لدى إسرائيل اليوم مخاوف أمنية مشروعة، ولكنها ليست في خطر وليست مهددة بالتعرض للغزو من قبل جيوش جيرانها، كما أنها أغنى، بحسب دخل الفرد الواحد، من اليابان ومن بعض البلدان الأوروبية. إحدى علامات التغير الذي طرأ على الوضع الراهن هو أن ما يقرب من ربع صادرات إسرائيل من السلاح تذهب إلى الدول العربية.
كما أن المساعدة السنوية الأمريكية لإسرائيل، والتي تقدر بما يقرب من 3.8 مليار دولار، تزيد على عشرة أضعاف ما ترسله الولايات المتحدة إلى بلد مثل النيجر، وهو أكثر سكاناً وأشد فقراً، بل إنه واحد من أفقر البلدان في العالم، ويتعرض للهجوم على يد الجهاديين. وفي بلدان مثل النيجر يمكن لمثل هذا المبلغ أن ينقذ ملايين الأرواح كل سنة، أو يمكن له هنا في الولايات المتحدة أن يساعد في دفع تكاليف برامج الطفولة المبكرة التي ثمة حاجة ماسة إليها.
يضاف إلى ذلك أن المساعدة التي تقدم الآن لإسرائيل هي في أغلبها، وبشكل حصري، مساعدة عسكرية يمكن استخدامها فقط في شراء الأسلحة الأمريكية. وهذا يعني في واقع الأمر أن ما يقدم ليس مساعدة لإسرائيل بقدر ما هو بوابة خلفية لدعم المقاولين العسكريين الأمريكيين، ولهذا السبب تجد الفكرة المطروحة للنقاش تقبلاً لدى بعض الإسرائيليين.
قال لي يوسي بيلين، وهو وزير عدل إسرائيلي سابق: “ينبغي على إسرائيل التخلي عن المساعدة الأمريكية”. وقال إن المال يمكن أن يستخدم بطريقة أكثر كفاءة في مكان آخر.
يتفق معه في ذلك دانييل كيرتزر، وهو سفير أمريكي سابق لدى إسرائيل.
قال كيرتزر في رسالة عبر الإيميل: “يبلغ اقتصاد إسرائيل من القوة ما لا يحتاج معه إلى المساعدة، بل إن المساعدة الأمنية تضر بالاقتصاد الإسرائيلي، وتخلق إحساساً زائفاً بالتبعية والاتكال. كما أن المساعدات لا تمنح الولايات المتحدة قدرة على الضغط على إسرائيل والتأثير في قراراتها الخاصة باستخدام القوة، لأننا نجلس نتفرج بهدوء بينما تنتهج إسرائيل سياسات نعارضها، وإذا ذاك يعتبرنا الآخرون متواطئين مع إسرائيل وممكنين لاحتلالها”.
ومضى يقول: “كما أن المساعدة الأمريكية توفر متكأ بعدة مليارات من الدولارات يسمح لإسرائيل بتجنب الخيارات الصعبة المتعلقة بأوجه إنفاق هذه الأموال، وهذا بدوره يسمح لإسرائيل بإنفاق المزيد من المال على السياسات التي نعارضها، مثل الاستيطان”.
عند نقطة معينة، أثناء الترشح للرئاسة في الانتخابات السابقة، اقترح كل من بيرني ساندرز وبيت باتيجيغ وإليزابيث وارن تكييف المساعدات الأمريكية التي تقدم لإسرائيل. كما أن استطلاعاً للرأي بين اليهود الأمريكيين خلص إلى أن الأغلبية تدعم تقديم المساعدات، ولكنهم يفضلون وضع قيود عليها حتى لا تستخدم في توسيع المستوطنات.
والأمر لا يقتصر على الليبراليين. فقد قال كل من جيكوب سيغيل وليل لايبوفيتز مؤخراً: “أنهوا المسكة الخانقة للمساعدات”. وقالا في تصريح لمجلة تابليت إن المساعدات تفيد أمريكا وصانعي السلاح فيها بينما تلحق الأضرار بالشركات الإسرائيلية.
هناك بالطبع رأي مقابل، ومشروع مفاده أن أي تخفيض في المساعدات قد يفهم على أنه سحب للدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، وهذا قد يغري البعض، مثل إيران، بالعدوان عليها. إلا أن الأخطار المشار إليها يمكن تفاديها فيما لو تم التعامل مع القضية باعتبارها حواراً طويل المدى لمذكرة التفاهم الثنائية القادمة حول المساعدات، والتي من المقرر أن تتم في عام 2028 ويحتمل أن تستمر لعشر سنين، وكذلك من خلال التوصل إلى اتفاقيات أمنية مع إسرائيل (كما أوصى بذلك كل من بيلين وكيرتزر).
كما أن مارتين إنديك، الذي شغل منصب سفير أمريكا لدى إسرائيل مرتين، يفضل هو الآخر إبرام اتفاقيات أمنية جديدة، ويقول إنه آن الأوان لفتح باب النقاش حول إنهاء المساعدات.
وقال في حديثه معي: “يمكن لإسرائيل أن تتحمل ذلك، ولسوف يكون من الأفضل للعلاقة بين الطرفين أن تقف إسرائيل على قدميها وتعتمد على ذاتها”.
بالطبع نحن بصدد موضوع بالغ الحساسية من الناحية السياسية. فقبل عامين فقط وقع ما يزيد على الـ325 عضواً من أعضاء مجلس النواب خطاباً يعارضون فيه أي خفض للمساعدات المقدمة إلى إسرائيل.
يقول جيريمي بن عامي، رئيس مجموعة المناصرة “جيه ستريت”: “هناك حوار جاد ينبغي أن يطلق له العنان قبل موعد توقيع مذكرة التفاهم القادمة حول السبيل الأفضل لاستخدام 40 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب في الولايات المتحدة. إلا أنه بدلاً من أن يجري نقاش جاد حول قضايا الأمن الوطني، من المحتمل أن نشهد مزيجاً سمياً من المشادات الحزبية والسمسرة السياسية”.
أعتقد أننا يمكن أن ننجز ما هو أفضل من ذلك لو أننا تعاملنا مع الأمر بطريقة غير أيديولوجية، متحلين بالصبر ونحن نبحث في ما عساه يعود على البلدين بالخير.
يرى أهارون دافيد ميلر، الذي عمل لسنوات عديدة محللاً مختصاً بشؤون الشرق الأوسط لدى وزارة الخارجية الأمريكية، ضرورة حجب المساعدات عن الوحدات العسكرية التي ترتكب انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان. كما أنه قال لي: “في الظروف الصحيحة وفي مجرة بعيدة، بعيدة جداً، حينما تكون العلاقات الأمريكية الإسرائيلية متوازنة، بل وأفضل من مجرد متوازنة، سوف يكون من مصلحة البلدين المضي قدماً بتقليص المساعدات بالتدريج”.
تلك هي الطريقة التي ينبغي أن نفكر من خلالها بالأمر، كنقاش نحتاج لأن نسير نحوه. كلنا سوف نستفيد لو وجدنا النضج الكافي لفتح باب النقاش حول ما لا يتم عادة التطرق له في أي حديث.