تحليل: حركة طالبان بعد عامين من حكم أفغانستان.. هل نجحت التجربة؟
عادت حركة طالبان إلى حكم أفغانستان في 15 آب / أغسطس 2021، وقد مضى على تجربتها في حكم أفغانستان ما يقارب السنتين، وهي تواجه تحديات حقيقية في إدارة شؤون الدولة، في مختلف الملفات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي علاقاتها الإقليمية والدولية الشائكة.
وبعد رجوعها إلى حكم أفغانستان في تجربتها الثانية، كثرت التوقعات والتحليلات حول مدى استفادة الحركة من تجربتها الأولى، وهل ستكون أكثر مرونة وانفتاحا؟ وهل ستتحلى بالفعل بقدر كبير من التسامح وسعة الأفق في التعامل مع مختلف مكونات الشعب الأفغاني، وأنها أصبحت أكثر وعيا وفهما واستيعابا لكثير من الأمور الشرعية والسياسية؟
ووفقا للمتحدثين باسم الحركة آنئذ فإن طالبان حرصت على تطمين أبناء الشعب الأفغاني بأنهم سيشهدون تغييرا إيجابيا بما يخدم مصالحهم، كما اهتمت بتطمين وسائل الإعلام الخاصة في أفغانستان بأنه بإمكانها ممارسة عملها باستقلال وحرية، وأن الحركة ستحترم المعتقدات الدينية والقيم الروحية لجميع الأفغان.
كيف يمكن تقييم تجربة حركة طالبان في الحكم بعد مضي ما يقارب السنتين على تجربتها الثانية؟ وهل الحركة قادرة بالفعل على حكم أفغانستان بنجاح رغم كل ما يقال عن سياساتها وقراراتها المتشددة في التضييق على النساء في التعليم والإعلام ومرافق الحياة العامة المختلفة، وتبنيها لسياسة دينية متشددة تطبق من خلالها أحكاما دينية بسيف الدولة؟
وماذا عن التحديات والصعوبات التي تواجهها الحركة في إدارة الملفات المالية والاقتصادية.. وما مدى نجاح الحركة في توفير الخدمات التعليمية والصحية والزراعية، وتحسين مستويات معيشة المواطن الأفغاني.. وما إلى ذلك؟ وبالجملة فإن تجربة الحركة بعد ما يقارب عامين من رجوعها للسلطة تستدعي قراءة تحليلية حول أداء الحركة بين توجهاتها الدينية الأصولية والتحديات السياسية والمعيشية والحياتية الخانقة.
تبدو صورة حركة طالبان في تقارير عربية وغربية بعد عودتها الثانية للسلطة قاتمة، وتنذر بأزمات خانقة، وتحذر من مشاكل يستعصي إيجاد حلول لها، ففي تقرير صادر عن “مركز الإمارات للسياسات” في مارس الماضي، رجَّح أن تتعمق الأزمة الإنسانية في أفغانستان نظرا لاعتماد البلاد على المساعدات، واقتصاد الكفاف فيها، وافتقارها إلى القاعدة الصناعية، كما ستقود الاضطرابات الاجتماعية الاقتصادية إلى انهيار العقد الاجتماعي، وحدوث موجة لجوء إلى الدول المجاورة وغيرها” حسب رؤيتهم.
وأضاف: “قد يؤدي رفض حركة طالبان تشكيل حكومة تُمثِّل الجميع إلى زيادة العنف السياسي في أفغانستان مقرونا بإجراءات قمعية من جانب الحركة لإخماد الانتفاضات ضدها، حيث ستوجه الحركة معظم عنفها نحو الأقليات العرقية، وبخاصة في المناطق الشمالية في البلاد”.
وطبقا للتقرير فإن “عجز حركة طالبان عن كبح جماح الجماعات الإرهابية الأجنبية داخل أفغانستان، لا سيما تنظيمي القاعدة وداعش، سيشكل تحديا أمنيا كبيرا للسلم والأمن الإقليميين، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في منطقتي جنوب آسيا وآسيا الوسطى”.
وحسب التقرير فـ “ليس مستبعدا أن تخرج الدول المجاورة لأفغانستان، وبخاصة دول آسيا الوسطى وإيران وتركيا، من حالة الحياد، وتبدأ في تقديم دعم سري أو علني للفصائل المناهضة لحركة طالبان، الأمر الذي سيؤجج التنافس الإقليمي في هذا البلد، ويفتح المجال أمام عودة الحرب الأهلية إليه كما حديث في تسعينيات القرن الماضي”.
لكن الكاتب الصحفي السوري، المتخصص في الشأن الباكستاني والأفغاني، أحمد موفق زيدان رأى أن “حركة طالبان قادرة على حكم أفغانستان، للمرونة التي تحلّت بها في التعاطي مع الداخل والخارج، وتحديدا في علاقاتها الدولية، إذ لم يمنع قتالها الأمريكيين لعشرين عاما من الخروج من هذه الحالة، وطرح فكرة إعادة العلاقات”.
وأضاف “واستطاعت على المستوى الداخلي توفير حياة مقبولة للأفغان بعيدا عن التوترات والأزمات الاجتماعية التي راهن عليها البعض بسبب قلة ذات اليد الاقتصادية عندهم، بالإضافة إلى الحصار المفروض عليهم، واستطاعت طالبان التعامل مع التحدي الأمني في إضعاف تنظيم الدولة بشكل كبير، على الرغم من العمليات القوية التي نفذها في بداية حكم طالبان”.
وحول إدارة الحركة علاقتها مع باكستان، قال زيدان “استطاعت الحركة إدارة هذا الملف بذكاء، بحيث أبقت حركة “طالبان باكستان” لديها كورقة مساومة، بقدر ما حسنت علاقاتها مع باكستان، مع وقف الحركة الطالبانية الباكستانية عن ممارسة نشاطاتها داخل باكستان”.
وأردف “كما استطاعت طالبان التعامل مع الشيعة الأفغان بشكل مدهش، خصوصا بعد أن هربت قيادات الأحزاب الشيعية إلى إيران، فتعاملت مع رموز مجتمعية شيعية بعيدا عن السياسة، وبعيدا عن الهوية السياسية الشيعية الموحدة، مما أضعف الوجود الإيراني في أفغانستان، لغياب الأدوات الإيرانية السياسية في أفغانستان”.
وخلص زيدان إلى القول “إن حركة طالبان في حكمها لأفغانستان بين 1996 – 2001، ظهر أن لديها خبرة في التعامل مع الشأن السياسي والمجتمعي، والأمر الآخر فإن هروب المعارضة إلى خارج أفغانستان، أبعدها عن أي تهديد مجتمعي حقيقي، ويبدو أن النجاح الذي حققته خلال السنتين الماضيتين عزز حضورها داخليا وخارجيا” على حد قوله.
من جهته رأى الكاتب الصحفي الفلسطيني الخبير بالشأنين الباكستاني والأفغاني، جمال إسماعيل أن “طالبان وبالنظر إلى ما واجهته بعد سيطرتها على أفغانستان قبل عامين، يمكننا القول بأنها نجحت لأول مرة في بسط نفوذها على كل أفغانستان، وهو ما لم تستطعه أي حكومة سابقة من حكومات الشيوعيين أو حكومة أحزاب المجاهدين التي أعقبتهم، أو حتى الاحتلال الأمريكي الغربي لأفغانستان”.
وأضاف: “كما نجحت الحركة حتى الآن في ظل الحصار الدولي لها، ومنعها من الوصول إلى الأموال الأفغانية التي صادرتها أمريكا وبريطانيا من أموال البنك المركزي، في إقامة العديد من المشاريع التي فشل الاحتلال والحكومات التابعة له في إقامتها، وبدأت الحركة في تنمية الاقتصاد بإمكانيات محدودة”.
وواصل حديثه بالقول “كما تمكنت طالبان من جذب استثمارات صينية إلى أفغانستان تبشر بمرحلة جديدة، من النمو، وأثناء العامين الأخيرين سكتت كل أحزاب المعارضة، ولم يعد لها وجود فعلي على الأرض، رغم أن بعضها له دعم مادي وتسليحي من دول مجاورة أو بعيدة”.
وعن إدارة الحركة لملف الخلافات الدينية والسياسية داخل المجتمع الأفغاني، أوضح إسماعيل أنه “إن كان يقصد بالخلافات الدينية هي ما بين السنة والشيعة، فإن الحركة تمكنت من احتواء الخلاف، وجعلت الجميع خاضعين لسلطة الدولة، وعدم السماح بإقامة ميليشيات حزبية طائفية لأي كان”.
وأردف: “ورغم قيام تنظيم الدولة (داعش) بعدد من التفجيرات في مناطق سكن الشيعة إلا أن الأمارة الإسلامية تمكنت إلى حد كبير من الحد من نفوذ داعش واستقطاب العديد من مقاتليها، وقتل عدد من قادة التنظيم الذي يكفّر طالبان، وكل من لم يؤيد داعش، أما بالنسبة للأحزاب السياسية فليس لها وجود رسمي معترف به، وإنما تعاملت الإمارة الإسلامية مع الشخصيات السياسية البارزة بصفتها شخصيات مؤثرة وليس قيادات حزبية مثل حكمتيار”.
وأكمل “البقية ممن قادوا تنظيمات سياسية مثل دوستم وصلاح الدين رباني وأحمد مسعود وسياف وغيرهم، آثروا البقاء خارج أفغانستان، والعيش في المنفى بعد أن أخذوا مئات الملايين من الدولارات معهم، أما بقية القادة السياسيين الآخرين الذين بقوا في أفغانستان مثل حامد كرزاي وعبد الله عبد الله فهم يعيشون بأمان، وقد منحتهم الإمارة الإسلامية العفو هم وكل من خدم في ظل الحكومات تحت الاحتلال الأمريكي الغربي لأفغانستان”.
وإجابة عن السؤال إن كانت طالبان قادرة بالفعل على حكم أفغانستان بنجاح رغم كل التحديات والصعوبات، نبَّه إسماعيل إلى “أهمية تعريف النجاح المطلوب في هذا السياق، فإن كان المقصود البقاء في الحكم، فحتى الآن لا خطر وجودي على طالبان في الحكم، وهذا مرهون داخليا بما يمكن أن تقدمه الإمارة الإسلامية من تنمية للاقتصاد، وإيجاد فرص عمل للناس، واستثمار الموارد الأفغانية الزراعية والصناعية، وقد بدأت الإمارة في هذا وحققت نجاحات ملحوظة”.
وتابع: “أما إن كان المعيار في النجاح نقل أفغانستان إلى مصاف الدول المتقدمة تقنيا وصناعيا خلال فترة قصيرة فهذا لم تنجح فيه قوات الاحتلال والحكومات الموالية لها رغم ضخ مئات المليارات من الدولارات إلى أفغانستان كما قال الأمريكان”.
وختم إسماعيل كلامه بالإشارة إلى أن “أكبر نعمة حصلت حتى الآن بوجود الإمارة الإسلامية هي نعمة الأمن وتوحيد أفغانستان تحت حكومة واحدة بسياسة موحدة، وتمكن الإمارة من التعامل مع كافة دول الجوار وبقية الدول بحرص، ولمصلحة الشعب الأفغاني ومستقبله دون الرضوخ لمحاولات ابتزاز الإمارة”.