لماذا يطلق الغرب مصطلح “الشرق الأوسط” على العالم العربي؟
الكتاب: “حرائق في ثقافتنا السياسية-مع مقدمة: تدقيق جنائي في الثقافة السياسية اللبنانية والعربية”
الكاتب: جهاد الزين
الناشر: الدار العربية للعلوم- ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى تموز/ يوليو 2021
(342 صفحة من القطع الكبير).
حين يتجول القارئ في هذا الكتاب، سيجده مختلفًا نوعيًا عن نمط الكتب التي تعودنا على قراءتها، سواء ذات الطابع الأكاديمي، أو غيرها، والتي تعتمد عادة نفس التقسيم المنهجي: المقدمة إضافة إلى مجموعة من الفصول مبوبة حسب مواضيع محددة بدقة، تنسجم مع الفكرة الجوهرية التي يريد أن ينشرها الكاتب المعني .
في هذا الكتاب الجديد، الذي يحمل العنوان التالي “حرائق في ثقافتنا السياسية”، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت عام 2021، والمتكون من 342 صفحة من القطع الكبير، قام الكاتب السياسي اللبناني الغني عن التعريف الأستاذ جهاد الزين، بتجميع المراجعات للكتب التي قرأها وراجعها خلال السنوات الأخيرة، كُتُبٌ معظمها حديث الصدور وبعضُها القليلُ أقدَمُ من بدايات أو الثلث الأول من القرن العشرين وتُشكِّل مادتُها وأشخاصُها عناصرَ اهتمامه، وجزءاً من متابعته السياسية أو جزءاً من جاذبيات المتابعة في ثقافته السياسية، إنها ثقافةٌ دأب الأستاذ جهاد الزين، بسبب تجربة جيليه التي شهِدَتْ الكثير من الانقلابات السياسية ومعها الثقافية، على إعادة النظر فيها، بمسلّماتها الفكرية أو الوقائعية أو حتى السلوكية.
يقول الأستاذ جهاد: “في هذا الكتاب استعدتُ ما يتجاوز الـ50 كتاباً عربياً (مصرياً ولبنانياً وسورياً وعراقية) وفرنسياً وأميركياً وبريطانياً، وإذ أقول ما يتجاوز.. فلأن بعض المراجعات الواحدة منها كتبتُها عن كتابين معاً وأخرى عن ثلاثة دفعة واحدة إما لكاتب واحد أو كل منها لكاتب مختلف والصفة العائدة لبلد عربي أو فرنسا أو أميركا أو بريطانيا تعني هنا إما موطن الكتاب أو لغة الكتابة (ولكن ليس بالضرورة دائماً موطنه إنما لغة كتابة الكتاب أو صدوره مترجماً)، وهي مراجعات لكتب من أصناف بحثية في الفكر السياسي أو الديبلوماسية وروائية اجتماعية وتاريخية وسِيَرٌ ذاتية أو حتى روائية كنتُ قرأتها وعملتُ عليها وقدّمتها للقارئ غالباً كُلّياً أو أحياناً جزئياً، لقد حاولتُ جهدي في الكثير منها أن قدّم عرضاً عنها إلى جانب تقييمي لمادتها حين تكون المراجعة لأجل المراجعة وليس توظيفاً مني لها لخدمة أو طرح فكرة سياسية أو ثقافية من (خارج) الكتاب المرجوع إليه وأرى أنه ذو صلة بالكتاب، والكتاب بدوره صالح كي يكون سنداً لها”(ص 12 من التمهيد).
هناك رابط وحيد بين كل هذه الاختيارات عدا كونِها مثارَ اهتمام الكاتب السياسي اللبناني جهاد الزين الذي عمل في صحيفة السفيرالمتسمة بطابع عروبي ناصري وى تقدمخي لمدة عشرين عاما،ما بين 1977و 1997، ثم انتقل بعدها للعمل في صحيفة النهار ذات الطابع الليبرالي منذ عام 1997، ولغاية 2021،إنَّها الكتب التي أثّرت في تكْوِينِهِ وتكَوُّنهِ ككاتب سياسي، لكنها في أغلبها من مرحلة عمرية سابقة ولذلك إذا كانت الكتب تُقاس بمصادرها فقد شاءت الصدفة المنظَّمة أو المنظِمة لنفسها أن يكون كتابه هذا أعمالَ مراجعةِ كُتُبٍ مختلفةٍ عن تلك التي طبعت تقييمه لحياته المهنية ولا سيما ككاتب سياسي كما في دونَّها في كتابه: (المهنة الآثمة).
في كل مراجعة من هذه المراجعات، كليةً كانت أم جزئيّة، كان الكاتب السياسي جهاد الزين يعرف أنَّه معرّض للنقدسواء بالتقصير أو عدم الكفاية أو التقييم المغايرِ لوجهة نظر القارئ الذي يخالفنه الرأي، وهو ما يرجوه، أن يشمله التفاعل مع هذا الكتاب سواء في حالتَي التوافق أو الاختلاف.
تدقيق جنائي في الثقافة السياسية اللبنانية والعربية
التاريخ كائنا ما كان، أكان كتلةً أو مساراتٍ أو تصوراتٍ، ليس مهذّباً. أكثرُ كُتُبِ التاريخ وحشيّة في الوقائع والأحداث والأفكار تنطوي، بمجرّد الكتابة عنها ومحاولة تسجيلها، على تهذيبٍ للتاريخ لا يملكه التاريخ الذي يمتلئ بتحولات غير عادلة لبعض البشر أو المجتمعات أو الدول. التاريخ في إنهائه ظواهرَ أو عهوداً وحكّاماً وسياسيين أو إمبراطورياتٍ وإماراتٍ أو دولاً أو دفعهم إلى الولادة والاستمرار، ينطوي أحياناً على حقارة نتائج إن لم يكن حقارة قوة.
يبدأ الكاتب جهاد الزين نقده لتاريخ منطقة الشرق الأوسط في العصر الحديث ،بإثارة التساؤلات التالية: ماذا نسمّي الدورة الخلدونية: هل هي إثبات لمنحى التاريخ غير العادل أم نتأمّل في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وأكرِّر التاريخ الحديث، فنجد أنه تاريخ غير خلدوني لأنه انْبنى على القوتين العسكرية والثقافية للغرب في تغيير بنية منطقة من خارجها أي لم ينبع من الدورة الخلدونية الشهيرة للازدهار والانحطاط وهذا ما أعنيه هنا بالنموذج غير الخلدوني؟ لقد قام الشرق الأوسط الحديث على اجتياح التفوّق الحضاري للتخلف الحضاري وأبْرزُ نتاجاتِه حدودُ دول متعدّدة ومضطربة؟ ومجتمعات “جديدة” بمعنى أنَّها حملت هوياتٍ لم تكن لها أو لمعظمها أو لبعضها سابقاً. و”سابقاً” هنا تعني بشكل خاص، في الشرق الأوسط قبل الحرب العالمية الأولى، بما فيها التسمية نفسها “الشرق الأوسط” التي تكرّست كتوصيف سياسي نطلقه أحياناً على أنفسنا بعدما كان لزمن طويل مصطلحاً جغرافيًّا عسكريًّا أميركيًّا أو بريطانيَّا بدأ بـ”الشرق الأدنى” وانتهى متوسِّعا إلى “الشرق الأوسط” (ص17 من المقدمة).
لماذا يطلق الغرب مصطلح الشرق الأوسط على العالم العربي؟
لا شك أن قيام الكيان الصهيوني قد أحدث من منظور الجغرافيا ـ السياسية قطيعتين على حد قول الدكتور جورج قرم في كتابه عن الشرق الأوسط: أولاً مع مفهوم “المشرق” الذي كان تسمية المنطقة في الحقبة الكولونيالية، وثانياً مع مفهوم “العالم العربي” الذي فرض نفسه في المجال التداولي في الحقبة الاستقلالية، ومع أن المدى الجغرافي لمصطلح “الشرق الأوسط” يتخطى بكثير المنطقة الإقليمية للصراع العربي ـ الصهيوني، فقد جرى تعميد الأزمة المفتوحة التي دشنها قيام الدولة العبرية باسم “أزمة الشرق الأوسط” حصراً.
ويرى المفكر جورج قرم في كتابه الجديد (انفجار المشرق العربي ـ من تأميم قناة السويس إلى غزو العراق 1956 إلى عام 2006) أن المشرق العربي ومن ثم العالم العربي، قد مر بمرحلتين متمايزتين، هما مرحلة النهوض القومي التحريري الذي قاده نظام عبد الناصر، وابتدأت مع قراره التاريخي بتأميم قناة السويس عام 1956. حيث تميزت هذه المرحلة بانتشار حالة من النهوض الثوري اجتاحت المنطقة العربية.. ثم المرحلة المتطاولة والمستمرة من انحسار المد الثوري، والتي ابتدأت مع هزيمة حزيران عام 1967، وتواصلت بتأثير الفورة النفطية التي أعقبت حرب تشرين عام 1973، والتي عززت مكانة البلدان والنظم النفطية، التي كانت في منأىً، وفي تعارض مع المشروع القومي الناصري، والتي غدت داعمة للتيار الأصولي الذي انتشر في المنطقة، في مسعىً لوضعه في مواجهة التيار والمشروع القومي، لكي يسهل فرض المشروع الاستعماري على المنطقة الذي يشكل النقيض التاريخي للمشروع القومي التحريري والنهضوي للأمة وللشعوب العربية.
وتناول المحللون العرب خصوصية هذه المنطقة (المشرق العربي)، التي أطلق عليها الغرب تسميات تنطلق من اعتبار أوروبا أنها مركز العالم، لتضع المنطقة تحت اسم الشرق الأدنى، والشرق الأوسط نسبة إلى موقعها من أوروبا، دون أن تحدد هذه التسميات حدود جغرافية المنطقة أو هوية سكانها.
فالغرب الأوروبي لم يرد ولم يستطع أن يستوعب تلك الخصوصية لهذه المنطقة من العالم، التي قامت هويتها الحضارية على أساس التعددية، حيث تمازجت على أرضها الحضارات التي تعاقبت عليها على مدى آلاف الأعوام، وتجانست فوق تربتها الأعراق التي توالت على الاستقرار فوق تلك التربة خاضعة لأجوائها المشرقية العربية، وفيما حرص من تعاطى من الغربيين مع قضايا المنطقة وخاصة في الحقبة الاستعمارية، على اختزال هوية المنطقة بالإسلام، وذلك ضمن رؤية عدائية تجاه هذه الديانة ترسخت في وعي الأوروبي الغربي عبر عصور من الصراع والحروب التي جرت مع العالم الإسلامي، فإن ما يوضحه المفكر جورج قرم في كتبه الآنف الذكر ردًا على هذه الرؤية، هو أن المنطقة التي شكلت مهد الحضارة الإنسانية، قد انصهرت مكوناتها السكانية في بوتقة وعيٍ ألف التعددية.. وإنه مثلما شكلت اللغة العربية ـ كامتداد وتطوير وإغناء للغة واللهجات السامية التي عرفتها المنطقة، والتي انتصرت منذ فترة مبكرة على اللغات الوافدة كاليونانية واللاتينية والفارسية ـ، حاضناً لهوية المنطقة الثقافية، كذلك فعلت الديانة الإسلامية، التي جاءت هي الأخرى امتداداً وإغناءً وتطويراً للإرث الروحي الإبراهيمي الذي انتسبت له اليهودية والمسيحية، لتكون هذه الديانة بحكم تمثلها لثقافة المنطقة، ومن خلال قبولها للرسالات السماوية الأخرى التي عرفتها هذه المنطقة، أداة توحيد لسكانها، وعامل استقرار فيها، ليستمر هذا الدور للإسلام قائماً وفاعلاً عبر الدول الإسلامية التي تعاقبت على المنطقة وصولاً إلى الدولة العثمانية، إلى أن بدأ النموذج الأوروبي الغربي للأمة وللدولة القومية بالتغلغل في المنطقة إبان ضعف الدولة العثمانية وفي ظل تعاظم قوة الحركة الاستعمارية.
الغرب الأوروبي لم يرد ولم يستطع أن يستوعب تلك الخصوصية لهذه المنطقة من العالم، التي قامت هويتها الحضارية على أساس التعددية، حيث تمازجت على أرضها الحضارات التي تعاقبت عليها على مدى آلاف الأعوام، وتجانست فوق تربتها الأعراق التي توالت على الاستقرار فوق تلك التربة خاضعة لأجوائها المشرقية العربية
وقد فاقم من أزمة هوية المنطقة، زرع القوى الاستعمارية للدولة الصهيونية في قلبها التي أقيمت على أساس المكوّن الديني، لكي تستحضر عبر هذه الدولة، ذاكرة تجاوزها الزمن للمجموعات السكانية، التي تمازجت وانصهرت وتعايشت وتشكلت لها ذائقة واحدة في المطبخ، وفي الموسيقى، وفي الأدب، بحيث باتت متميزة عن المجموعات السكانية الأخرى من العالم.
في الحقيقة التاريخية يعتبر مصطلحي الشرق ألأدنى و الشرق الأوسط تفريعتين لمصطلح أكثر اتساعاً ، هو مصطلح العالم الإسلامي.وقد اعتبر موقع العرب، الموزع بين الشرق الأدنى و الشرق الأوسط، و بين آسيا و إفريقيا، مصدرا لتاريخ الإسلام ، و الشعوب الإسلامية.غير أن الانقسامات والانشقاقات وتعدد المصادر التاريخية في المجتمعات المسماة إسلامية ليست أمراً معترفاًبه. وحين تعرض أوضاع هذه المجتمعات بأقلام كبار المختصين الذين يميزون بين المجال العربي و المجال التركي ـ الإيراني، لا يعتبر ذلك أمرا كافياً لكي ينزع عن مصطلح العالم الإسلامي أو مقولة الشعوب الإسلامية تطابقه مع حقيقة جغرافية وتاريخية في القرن السابع و كأنها لم تتغير مع تغيرات العالم.
فروقات بين الثقافة السياسية في مصر، وباقي بلدان الشرق العربي
مصطلح الثقافة السياسية الذي يستخدمه الكثيرون أكاديميين أو كتاباً أو صحافيين أو ناشطين سياسيين يستلزم مني هنا العودة إلى سؤال أساسي وهو:ما هي الثقافة السياسية؟هل هي مجموع المعايير التي تعتنقها جماعة أو فرد في النظر للشأن العام؟ هل هي المستوى العام من التحصيل والمخزون الثقافيين اللذين يطبعان بل يقرِّران ردَ الفعل الذي تماسه جماعة أو فرد حيال الشأن العام؟ هل الثقافة السياسية “جهاز” ذاتي أو جَماعي جاهز لتلقي الحدث السياسي ثم الانفعال معه بنمطٍ معياريٍّ ما؟يقول الكاتب السياسي جهاد الزين،:”أشعر هنا، لأنني في المجال التأملي الثقافي، أنني ألامس معطيات “سائلة” وغائمة، ذروةُ وضوحها كطبقات الضباب التي يراها المسافر من مقعده في الطائرة. يبدو لي هذا التشبيه الممل مفيداً على مستوى واحد هو تلازم الضباب مع الخوف. هي موجات الخوف التي تنفصل عنا فيما هي تطلع منا لتحدد معنى ومجال ردود فعلنا في الثقافة السياسية.
ويضيف الكاتب جهاد الزين: سمع عديدون باكراً وداخل مصر شخصياتٍ من التركيبة الحاكمة خلال سنوات 2005ـ 2010 تجزم أن توريث جمال مبارك نجل حسني مبارك للرئاسة غير ممكن بل مستحيل. ومرة كان ممدوح البلتاجي الذي شغل مناصب وزير السياحة ووزير الشباب ووزير الإعلام، وقبلها رئيس مصلحة الاستعلامات سنواتٍ قبل ثورة ميدان التحرير، يقول لي ولزميل مصري عام 2006 على مدخل قاعة احتفال شبابي لـ”الحزب الوطني” كان سيرعاه نجل الرئيس المصري الذي كان الحديث عن تحضيره للوراثة قد انطلق، أن هذا المشروع مستحيل. اعتقدتُ يومها أن ما تفوّه به البلتاجي كان زلة لسان بل حماقة تدل أنه سيُصرف من موقعه. هذا ناهيك عن العديد من الآراء التي ظهرت حتى في الصحافة المصرية تنتقد بأشكال مباشرة وغير مباشرة مشروع التوريث.
إذن أظهرت الأحداث أن الرئيس حسني مبارك رابع رئيس لمصر يأتي من الجيش ويأتي به الجيش ويحكم باسمه لم يكن يفهم أهم معادلة مستمرة في الدولة المصرية منذ عام 1952 وهو أنه لا يستطيع أن يأتي بمدني للرئاسة حتى لو كان ابنه. لاحقاً في شتاء عام 2010 وكنت مدعواً إلى لقاءات في وزارة الخارجية الأميركية في واشطن، بتنظيم من سفارتها في بيروت، قال لي رئيس دائرة مصر ولبنان (لا أعلم إذا كان هذا التنظيم الإداري الذي يضم البلدين لا يزال سارياً في “الستايت ديبارتمانت”) أن معلومات تردد من القاهرة أن الجيش المصري يعارض توريث جمال مبارك. أعترف أنني يومها وبسبب كون الديبلوماسي الذي كان يستقبلني هو من ديبلوماسي الدرجة الثانية في الوزارة لم أعر أهمية لمعلوماته تلك واعتبرتها تكراراً لثرثرات سياسية وإعلامية ولم أكن أعلم أن الرجل كان ينقل لي معلومة أصلية كبيرة من أجهزة بلاده، وفوّتُ على نفسي فرصة سبق صحافي حقيقي لو كنت عدت إلى بيروت ونشرتها كمعلومات باسم “مصادر” في وزارة الخارجية الأميركية. بعد أشهر قليلة في خريف العام نفسه ستندلع ثورة الشرائح الشابة المدينية في الطبقة الوسطى المصرية بتشجيع ضمني من بعض أوساط الجيش المصر أو “الدولة العميقة” ضد الرئيس حسني مبارك فتطيح به وبكل مشروعه لتوريق ابنه وسينضم “الإخوان المسلمون” للثورة ويحاولون السيطرة”مدعوماً من نقمة شعبية وشبابية واسعة ضدهم وخصوصاً بعدما حاولوا اللجوء إلى السلاح والحرب الأهلية في مواجهة القوة المسلّحة الشرعية الوحيدة في مجتمع ذي ثقافة سلمية عميقة رغم مزاج نخبه الثوري في تلك الأشهر من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
هذا يجعلني أقف عند نقطتين رئيسيتين:
1 ـ اختلاف الثقافة السياسية بين المجتمع المصري ومجتمعات بلاد الشام أو ليبيا واليمن. الأولى ثقافة سلمية عميقة الجذور في التعاطي مع الدولة “الفرعونية” والأخرى، العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن حيث ليس فقط فكرة الدولة وتقاليدها غير راسخة ولكن أيضاً، وبالترابط، بنية المجتمع طائفية وقبلية وعشائرية، ناهيك طبعا عن كونها بلداناً “جديدة” نشأت على خرائط مُقْتَطعة.
2 ـ لكن بالمقابل ظهر أن الرئيس حافظ الأسد حضّر لتوريث نجله الرئيس بشار بدقة وإحكام ينمان عن فهم عميق وتأسيسي لبنية النظام الذي أقامه والدولة التي سيطر عليها، بينما فات الأمر على الرئيس المصري حسني مبارك(ص 22).
كيف لا يفهم رئيس دولة مهمة كحسني مبارك بنية النظام السياسي الذي يرأسه ويحكمه “وحيداً”!! كأنّ نقصاً ما في “ثقافته السياسية” بمعنى نباهته السياسية يحصل على هذا المستوى الرفيع؟ وكيف يحصل ذلك من شخص “يدير اللعبة” كل هذه السنوات الطويلة أو أن ذلك كان نقصاً في “ثقافة” المراقبين أمثالنا بحيث لم ندرك معنى تقاليد دولة مؤسسات ولو كانت عسكرية؟