سوريون يعودون إلى جنوب تركيا ويتحملون مشقة البدء من جديد
بعد 3 أشهر قضاها في سوريا، عاد اللاجئ عبد الرحمن حميدي إلى مدينة كهرمان مرعش (جنوبي تركيا) بعد نهاية ما يعرف بـ”إجازة الزلزال” للسوريين المقيمين في الولايات المنكوبة، ليكتشف أن منزله الذي كان يستأجره أصبح أثرا بعد عين، حيث أزالت البلدية المبنى المتضرر بشدة بفعل كارثة فبراير/شباط الماضي.
وحميدي -الذي لجأ إلى تركيا في 2013 هربا من القصف والمعارك شمال سوريا- يجد نفسه اليوم كأنه بدأ حياة اللجوء من الصفر، بعد أن خسر منزله بما فيه من أثاث وأدوات كهربائية وملابس، ولم يتمكن مع جيرانه في العمارة التي يسكنها من استخراج أي شيء، خاصة مع تحذير السلطات من دخول المبنى.
ويقول حميدي إن خسائره ليست مقتصرة على الأمور المادية ومحتويات منزله التي اشتراها على مدار أعوام طويلة فحسب، بل خسر جزءا من حياته ويومياته في الحي الذي أقام فيه، التي دُفنت تحت أنقاض المباني المنهارة، وأصبحت ذكرى مثل حياته السابقة في سوريا.
مهمة صعبة
وقال حميدي، إن العثور على منزل جديد للإيجار في جنوب تركيا المتضرر بالزلزال بات أمرا شبه مستحيل، إذ فاقمت الكارثة أزمة السكن جراء انهيار وتضرر الآلاف من المباني ونزوح سكانها.
وأشار اللاجئ السوري المنكوب إلى أن أهالي البلد الأصليين من الأتراك يعانون اليوم من مسألة العثور على منزل للإيجار، ليكون الأمر أكثر صعوبة على السوريين الذين فقدوا منازلهم وحاجاتهم.
ويكافح الآلاف من السوريين في جنوبي تركيا لبناء حياتهم من جديد، كما زادت أعباؤهم بسبب الغلاء وصعوبة الحصول على المسكن والعمل، ولم يجد هؤلاء خلال إجازاتهم أية فرصة للعيش في مدنهم وبلداتهم المدمرة بسوريا، وقرروا العودة على مضض إلى تركيا.
خسر كل شيء
ورغم مرور أكثر من 4 أشهر على الزلزال، فلا يزال اللاجئ السوري أكرم العمر وأسرته يقيمون في خيمة خُصصت مثلها الآلاف لمنكوبي الكارثة بإحدى الساحات في مدينة غازي عنتاب، جراء فقدان منزله المستأجر في بلدة نورداغ.
ويعاني العمر من إصابات بليغة في ساقيه وظهره، جراء إصابته بمتلازمة الهرس التي عانى منها أغلب الناجين من تحت أنقاض المنازل المنهارة، قبل أن يخسر الرجل عمله في أحد معامل صناعة الأحذية جراء انهيار المعمل أيضا وتوقف المستثمر عن العمل.
ويقول العمر، إنه خسر كل شيء في الزلزال، لذلك فكر في العودة إلى سوريا، لكن أقاربه حذّروه من ذلك، وكذلك أقرانه من اللاجئين الذين ذهبوا في الإجازات، مؤكدين أن الأهالي في سوريا يبحثون عن طريقة للخروج من البلاد، وأنه يمتلك “امتيازا” بوجوده في تركيا.
ويقول الرجل المنكوب من أمام خيمته إن أقل إيجار لمنزل متواضع في جنوب تركيا حاليا لا يقل عن 5 آلاف ليرة تركية (212 دولارا) شهريا، وهو مبلغ لا قدرة له على تأمينه في الوقت الحالي، نتيجة تعطله عن العمل وفقدانه مصدر رزقه.
لكن العمر يبدي تفاؤلا من أن ابنه الشاب يدرس الآن في مرحلة التعليم الثانوي ويتابع دروسه داخل الخيمة، ويأمل أن يستكمل تعليمه في الجامعة ويصنع مستقبلا أفضل من حاضر أبيه البائس، كما يقول.
محاولات غير كافية
وأكرم العمر واحد من 3 ملايين و300 ألف سوري يقيمون في تركيا، وفق الإحصائية الأخيرة لإدارة الهجرة هناك، وأغلبهم يعيشون في المدن الجنوبية القريبة من حدود بلادهم، أو في مدينة إسطنبول (شمالي تركيا).
وشاركت جمعيات سورية وتركية في الاستجابة لمنكوبي الكارثة جنوبي البلاد، وفي تنسيق عمليات تأمين الطعام والشراب والمساكن المؤقتة، لكن اتساع وضخامة الأزمة التي خلفها الزلزال صعّبت تلك المهمة.
ويؤكد عماد ناشر النعم مدير منظمة “في الميدان” -العاملة في جنوب تركيا- أن من بين الاحتياجات الأكثر إلحاحا لمنكوبي الزلزال من السوريين والأتراك على حد سواء هي توفير مأوى آمن ومستدام، ومساعدة الأشخاص في إعادة بناء منازلهم المدمرة.
وقال ناشر النعم للجزيرة نت إن العديد من الأسر التي فقدت مصدر دخلها ومنازلها تحتاج إلى دعم إضافي لاستعادة سبل العيش وإعادة بناء حياتها من جديد، مشددا على أهمية حصول المنكوبين -خاصة الأطفال- على الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهم على تجاوز الآثار النفسية الناجمة عن كارثة الزلزال.