اللجنة الوزارية الجديدة وبناء الفشل
المحامي علي أحمد حيدر
صادقت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام، خلال جلستها الأسبوعية على إقامة لجنة لشؤون المجتمع العربي، يرأسها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتشتمل على 18 وزيرا من أكثر الوزراء تطرفا، عنصرية ومعادة للشعب الفلسطيني بشكل عام وللمجتمع العربي في الداخل بشكل خاص. ولا تشمل اللجنة (كما هو متوقع طبعا) على أي مواطن عربي سوى موظف حكومي عربي واحد، يدير السلطة للتطوير الاقتصادي، والتي تعمل في إطار وزارة المساواة الاجتماعية التي يقف على رأسها الوزير المتطرف عميحاي شيكلي.
بحسب ما جاء في قرار الحكومة، فإن اللجنة تتمتع بصلاحيات في مجالات: العمل، الرفاه، التربية، الصحة، الإسكان والثقافة في المجتمع العربي وستعمل على اتخاذ “خطوات جوهرية” من أجل مكافحة الجريمة في المجتمع العربي.
وقد صرَّح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال جلسة الحكومة، بأن هدف الحكومة هو زيادة تداخل جهاز الأمن العام (الشاباك) مقابل عائلات الإجرام، وستقوم الحكومة بذلك بصورة مسؤولة وستجري التعديلات المطلوبة بالقانون. وأنهى تصريحه قائلا: “الهدف هو تحقيق نتائج في السنة القريبة مقابل موجة الجريمة وعائلات الإجرام”.
لا يمكن التعويل أو تأمل أي خير من هذه اللجنة، التي ما هي إلا ذر للرماد في العيون وبيع للأوهام. فكيف يمكن إقامة لجنة وزارية مكونة من وزراء معادين للمجتمع العربي ويعملون ليلا ونهارا من أجل السيطرة عليه؟ والتحريض ضده، وتعميق الاستيطان وتهويد النقب والجليل وتضييق حيز الحريات والمس بحقوقه الأساسية، كما يعملون على تيئيس المجتمع العربي وإشغاله في الاحتياجات الأساسية والأولية التي تقع في أسفل تدرج ماسلو للحاجات (هرم إبراهم ماسلو) كالأمان الشخصي والعيش فقط بدلا من طرح قضايا حقيقية وطموحات قومية وجماعية ذات معنى.
إن قرار الحكومة يشتمل على كلمات فضفاضة ولا يحوي أي خطط وبرامج وأهداف واضحة ومحددة وممولة. كما أنه يسعى إلى تكريس محو وجود الإنسان العربي من خلال إقصائه وعدم دعوته ليكون شريكا في اتخاذ القرارات المتعلقة به وبمجتمعه، وبدلا من ذلك تعمل على تمثيله وأخذ دوره ورسم مستقبله وحرمانه من حقه في إسماع صوته سواء التمثيلي أم المهني وخصوصا أن اللجنة تتباهى برغبتها في معالجة موضوعات حياتية متعددة كما ذكرنا سالفا.
مما لا شك فيه بأننا كمجتمع عربي فلسطيني في الداخل نعيش مرحلة حرجة وصعبة، محبطة وقاتمة، فبالإضافة إلى سياسات التمييز العنصرية المنهجية هنالك مجموعات وأفراد من أبناء جلدتنا هم من يقومون بتدمير مجتمعنا وتقويضه من الداخل من خلال ممارسة أقسى أنواع العنف وأبشع أشكال الجريمة.
والأهم من ذلك كله، فإن الشرطة متواطئة وشريكة فيما يجري ولا تقوم بالدور المتوقع من أي شرطة مدنية عادية في العالم. ولذلك ليس هنالك أي عاقل بإمكانه التعويل عليها من أجل إنقاذنا من أنفسنا رغم عدم اعفائها من مسؤوليتها.
قبل عدة سنوات كنا نتظاهر ضد فتح محطات شرطة ونصب كاميرات في البلدات العربية، والآن، للأسف الشديد، هنالك جزء لا يستهان به من أبناء مجتمعنا يستجدي فتح محطات أكثر للشرطة وتعيين رجال شرطة أكثر ومنحهم الميزانيات. رغم أنه منذ فتحت محطات الشرطة ازدادت الجريمة والقتل.
قبل عدة سنوات، كنّا نواجه أيضا مشاريع الخدمة المدنية أمَّا الآن فمشاريع الخدمة المدنية تنشط وتنخر في مجتمعنا دون سماع صوت معارض قوي. بل الأنكى من ذلك، هنالك من يطالب حتى بتجنيد العرب للشرطة.
وفي هذه الأثناء، كما يتجلى في قرار الحكومة، ومن أجل أن تعفي الحكومة نفسها من المسؤولية في مواجهة الجريمة، تعمل على إقحام الشباك الذي أبدى ممثلوه بالإضافة الى المستشارة القضائية للحكومة رفضهما التدخل في هذا الموضوع (كل من منطلقاته). إضافة إلى ذلك، فإن المجتمع العربي ذاته يرفض تدخل الشباك علانية لما في ذلك من مساس بحقوق الإنسان عدا عن كونه يعيد أيام الحكم العسكري. يرفض المجتمع العربي ذلك بشكل تام رغم معرفته وإدراكه بأن الشباك موجود ويتابع كل شيء. ولذلك ما تؤسس له الحكومة وتتذاكى به هو بناء الفشل، بمعنى تريد أن تتهم المجتمع العربي والمستشارة القضائية للحكومة بوضع العراقيل والمعيقات أمام رغبة الحكومة بمحاربة الجريمة وبالتالي إعفاء ذاتها من المسؤولية.
ومع ذلك، ورغم العجز الذي نأمل بأن يكون آنيا ومؤقتا، يجب ألا نيأس أو نقنط أو نستسلم لمحاولات شلّ حركة المجتمع العربي. هذا يتطلب إرادة قوية وعمل جماعي وخطط مدروسة واستراتيجيات واضحة في واقع مركب وبحث عن أفاق جديدة للحراك ومراجعة الذات، وخصوصا دور ومسؤولية القيادات العربية ودور المثقفين العرب وغيرهم ممن يعمل في الحيز العام وفي الشأن العام، وهنالك ضرورة للتنادي والالتقاء من أجل التفكير والعمل بصدق وأمانة وإخلاص من أجل التربية للأمل والإحساس بالتغيير للأفضل.
وعلى الصعيد العيني، على الممثلين العرب سواء في البرلمان، في الحكم المحلي وفي مؤسسات المجتمع المدني اتخاذ موقف من هذه اللجنة ومراقبة ومتابعة عملها، بالإضافة الى استثمار الغضب الشعبي والحراك الشعبي واطلاع المؤسسات الدولية على هذة الممارسات المجحفة والسياسات العنصرية والعمل بشكل تراكمي ومواصلة ما نجحنا به والتغلب وتجاوز ما اخفقنا به.