318 ألف متسرب من الدراسة.. معظم الأطفال في الشمال السوري يتجهون للعمل
يستيقظ الطفل محمد الرحال في كل صباح باكرا لفتح محل تصليح الإطارات الواقع في منطقة الدانا القريبة من الحدود التركية شمالي سوريا.
بثياب متسخة وممزقة تمت حياكتها بشكل يدوي، وبيدين سوداوين تقريبا جراء عمله الذي يصل يوميا لـ12 ساعة مقابل الحصول على 35 ليرة تركية (1.5 دولار أميركي)، يقول الرحال، إنه ترك مدرسته منذ 3 سنوات بعد إغلاقها بسبب عدم وجود رواتب للمعلمين، مما دفعه لتعلم مهنة يجني منها أجرا يعيل به عائلته، حتى لو كان زهيدا.
وأعرب في حديثه عن أمنيته بأن تكون هناك جهة ما تكفل مصاريف المدارس لكي يعود الأطفال إليها، ولكن في الوقت ذاته يخشى على وضع عائلته إذا لم يكن هناك دخل شهري كاف لها.
بدورها، كشفت منظمة “منسقو استجابة سوريا” أن 85% من الأطفال المتسربين من المدارس شمالي غربي سوريا، البالغ عددهم 318 ألفا، يعملون في مهن مختلفة، بعضها خطرة.
وأضافت أن نسبة التسرب المدرسي والتوجه إلى العمل تبلغ 2 من كل 5 أطفال، وسط توقعات بارتفاعها خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بسبب المصاعب المستمرة.
وعزا فريق المنظمة تفاقم عمالة الأطفال إلى أسباب عدة، أبرزها الوضع الاقتصادي الذي يدفع الأهالي إلى زج أبنائهم في سوق العمل، فضلا عن استمرار النزوح والتهجير الذي يزيد من صعوبة تأمين مستلزمات الأطفال، والتسرب المدرسي.
أزمة متفاقمة
وقال مصدر في المنظمة إنهم بوصفهم فريق استجابة ينشرون تقارير تتبناها منظمات عدة من أجل مواجهة تسرب الأطفال من المدرسة، لكن علمهم غير كاف، بل يحتاج إلى توجه عام في قطاع التربية والتعليم.
وأضاف، أنه رصد التسرب بين الأطفال، ولديه إحصائيات العمالة بينهم حصل عليها عن طريق مديريات التربية شمالي سوريا ومن الفعاليات والمنظمات المختصة بالتعليم.
وأوضح المصدر أن معالجة هذا الخلل تتم من خلال دعم التعليم والتوعية، مشيرا إلى أهمية التنسيق بين المنظمات ذات الصلة، وتأمين مشاريع تحفظ سبل العيش الكريم للأهالي، وتحفيز الأطفال على العودة إلى مدارسهم.
ويعاني قطاع التعليم في شمالي سوريا أزمة كبيرة بسبب عدم وجود دعم للمدارس، مما تسبب في انتشار مئات المدارس الخاصة التي تتقاضى أجرا شهريا عن كل طالب ما بين 25 و50 دولارا، وهو مبلغ يعجز عنه معظم سكان شمالي سوريا.
يجوب الطفل ياسر الشمالي (12 عاما) شوارع مدينة سرمدا الواقعة شمال محافظة إدلب حتى الساعة 12 ليلا حاملاً معه علبة بسكويت، حيث يعتمد على عرض بضاعته على السيارات المارة بهدف الحصول على مدخول يومي.
ظروف قاسية
ياسر مهجر مع عائلته من مناطق ريف حماة، تُوفي والده قبل 5 أعوام جراء قصف جوي من قبل قوات النظام السوري، ولجأت عائلته إلى مخيمات الشمال السوري بعد استيلاء قوات النظام على قريتهم.
يشير ياسر، إلى أنه الأكبر بين إخوته، وأن أمه طلبت منه العمل وترك المدرسة لتوفير أساسيات الحياة لعائلته، وبشير أيضا إلى اعتمادهم في معيشتهم على المساعدات الإنسانية وعطايا أهل الخير.
ويضيف أنه يحصل يوميا على ربح قدره 20 ليرة تركية من بيع البسكويت، يكفي لشراء ربطتي خبز، وذلك مقابل عمل مدته أكثر من 14 ساعة، ولكنه قد يربح أحيانا 50 أو 100 ليرة في حال حصوله على مساعدة من أحد المارة.
وفي الوقت ذاته، أشار تقرير “منسقو استجابة سوريا” إلى غياب أي نوع من التشريعات لمنع دخول الأطفال إلى سوق العمل.
وأوضح التقرير أن قلة عدد المدارس في المنطقة على حساب الزيادة السكانية، والتحول التدريجي للتعليم الخاص، جعلا التعليم حلما للأطفال، إضافة إلى “تهميش” التعليم من قبل المنظمات المحلية والدولية، وغياب الدعم.
أم عمار، وهي نازحة تقطن أحد مخيمات منطقة دير حسان الواقعة بالقرب من الحدود التركية شمالي سوريا، قررت إرسال أطفالها للعمل بعد ترك مدرستهم، لأن كل واحد منهم بات يحتاج 50 دولارا شهريا في المدارس الخاصة شمالي سوريا.
تشعر أم عمار بالحزن بسبب عدم قدرتها على تسجيل أطفالها بسبب الفقر، حيث كانت تحلم بأن يكملوا دراستهم ويصبحوا مهندسين وأطباء.
وتؤكد، أن أطفالها يعملون في أحد المحالات التجارية لبيع الألبسة عند أحد أقاربهم، ويحصلون شهريا على 2200 ليرة (100 دولار)، وهو مبلغ كافٍ لسد جزء من احتياجاتهم.
وتعرب أم عمار عن أمنيتها بأن يكون هناك مشروع لإعادة الطلاب إلى مدارسهم بحيث تكفلهم مؤسسات خيرية، لأن تفاقم هذه الظاهرة في شمال سوريا سيؤدي لنشوء جيل غير متعلم، وهذا مؤشر خطير يجب مواجهته.
زكريا شريف، وهو أستاذ مدرسة شمالي سوريا، لا يجد عملا منذ 4 سنوات، فاضطر لإرسال 3 من أبنائه (تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما) إلى سوق العمل.
وقال شريف “إذا بقوا في المدرسة يحتاجون مصروفا، وأنا لا أستطيع توفير ذلك لأني لا أملك قوت يومي، لذلك اخترت خيارا قاسيا علي وهو عدم تعليم الأولاد بالمدرسة لنتفادى الجوع، وهذا ما يحدث مع آلاف الأطفال شمالي سوريا”.
وأضاف، أنه وضع أحد أطفاله عند حلاق، والثاني يعمل في مواد البناء مع عمه، والثالث يعمل بمحل لبيع المواد الغذائية، ويحصلون كلهم على ما جموعه 150 ليرة تركية (7 دولارات) يوميا.
لكن شريف يؤكد أنه سيعيد أطفاله إلى مقاعد الدراسة عند حصوله على وظيفة ذات أجر جيد، مشيرا إلى أنه يعمل يوميا على إعطائهم دروسا في المنزل ليعوّضهم الغياب عن المدرسة.