هل يتغير التعاطي التركي مع اللاجئين السوريين؟
فتح تعيين وزيري داخلية وخارجية جديدين في تركيا باب التساؤلات عن كيفية تعاطيهما مع الملف السوري الشائك، إن لجهة اللاجئين السوريين، والمقدر عددهم بالملايين في تركيا، أو لجهة التقارب الذي بدأته أنقرة مع نظام بشار الأسد في أواخر العام الماضي، والذي لم يحقق تقدماً كبيراً بسبب الشروط المتبادلة.
وتعاطى وزير الداخلية التركي الجديد علي يرلي كايا (54 سنة)، مع ملف اللاجئين السوريين عن كثب منذ البدايات، إذ كان لسنوات والياً على ولاية غازي عنتاب، جنوب تركيا، التي استقبلت عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين، قبل تعيينه والياً على ولاية إسطنبول، التي تضم العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في تركيا، حتى توليه حقيبة وزارة الداخلية.
وتشي تصريحات يرلي كايا قبل تعيينه وزيراً للداخلية بأنه سيتعاطى بـ”إيجابية” مع اللاجئين السوريين، وأنه بذل محاولات للحد من خطاب الكراهية ضدهم، والذي سرى في المجتمع التركي قبل نحو عامين، على خلفيات التجاذبات السياسية قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت الشهر الماضي.
السوريون والأتراك شعبان متصاهران
وكان يرلي كايا قد قال، العام الماضي، خلال اجتماع مع عدد من الصحافيين والفعاليات السورية في مقر ولاية إسطنبول، إن “السوريين الآن جزء من المجتمع، والسوريون والأتراك شعبان شقيقان متصاهران لا يفرقهم شيء”. ودعا السوريين إلى تعلم اللغة التركية والاندماج بالمجتمع التركي وتعلم العادات والتقاليد الخاصة به، والالتزام بالقوانين والابتعاد عن المشاحنات والتجمعات العامة مثل الساحات والشواطئ.
ياسين جمول: وفق المعطيات السابقة فإننا لن نشهد تغييراً كبيراً تجاه اللاجئين السوريين في تركيا حالياً
وكان الخطاب العنصري في تركيا قد تصاعد قبيل الانتخابات التركية الشهر الماضي، إذ كان اللاجئون مادة دسمة لدى أحزاب المعارضة التي خسرت الانتخابات، على الرغم من أنها وعدت الناخب التركي بدفع السوريين للعودة إلى بلادهم خلال عامين من توليها السلطة.
ووفق تقارير إعلامية تركية، فإن يرلي كايا متعاطف مع وضع اللاجئين في بلاده، لكنه يتشدد في تطبيق القوانين. وكان وزير الداخلية التركي السابق سليمان صويلو قد كشف، العام الماضي، أن نحو 3.7 ملايين سوري يعيشون في تركيا تحت الحماية الدولية، وأن أكثر من 700 ألف طفل سوري ولدوا في البلاد.
وتعتبر إسطنبول المدينة التي يعيش فيها أكبر عدد من اللاجئين، وفيها أكثر من 530 ألف لاجئ سوري، تليها غازي عنتاب كثاني أكبر مدينة، إذ يتمركز فيها نحو 452 ألفاً منهم، وفقاً لبيانات إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية. كما يعيش السوريون بأعداد كثيفة في مدينة أورفة وريفها وفي محافظة هاتاي، وبأعداد أقل في مرسين وبورصة وإزمير وأنقرة. وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد أكد أن بلاده تعدّ مشاريع لبناء مساكن في سورية من أجل عودة قرابة مليون لاجئ إلى بلادهم.
ورأى الباحث ياسين جمول أن يرلي كايا “جزء من حكومة لها رؤيتها التي عبّرت عنها في عدة مناسبات خلال الحملة الانتخابية”، مضيفاً، “تعيين وزير قادم من ولاية جنوبية سابقاً (كان والياً لغازي عنتاب قبل أن يكون والياً لإسطنبول) ثمرة منطقية للسياسة التي أعلن خطوطها العريضة الرئيس أردوغان خلال حملته الانتخابية وأكّدها بعد فوزه”.
لا تغيير كبيراً تجاه اللاجئين
واعتبر أنه “بحال حصول أي تغيير فهو في الانتقال لتطبيق ما ذكروه ووعدوا به”، مضيفاً: “لكن تبقى محاذير الاختلافات بين الولايات، والترحيل القسري غير المنضبط في حالات متعددة، أكثر ما يُخيف السوريين”. وتابع جمول: “وجهة نظري، وفق المعطيات السابقة، أننا لن نشهد تغييراً كبيراً تجاه اللاجئين السوريين في تركيا حالياً”.
أما وزير الخارجية التركي الجديد هاكان فيدان فهو قادم من رئاسة جهاز الاستخبارات، وتنتظره الكثير من التحديات في ظل الانفتاح الذي بدأته بلاده في العام الماضي مع النظام السوري، بدفع من موسكو بعد عقد من القطيعة السياسية.
وكان فيدان القناة الرسمية الأمنية التي تتعاطى مع النظام السوري منذ عام 2011، وهو ملم بكل تفاصيل مشهد العلاقة بين دمشق وأنقرة. وعقد فيدان لقاءين معلنين مع مسؤولين في الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، الأول في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، والثاني في إبريل/ نيسان الماضي. وليس من المرجح حدوث تغيير جوهري في الموقف التركي من النظام السوري الذي يضع شروطاً تراها أنقرة “غير واقعية” قبل المضي في التقارب بين دمشق وأنقرة.
ويريد النظام انسحاباً عسكرياً تركياً من الشمال السوري، إلا أن الجانب التركي يرفض ذلك، في ظل التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي التركي مع وجود “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال شرقي سورية. وهذه القوات بنظر أنقرة تمثل جناحاً سورياً لحزب العمال الكردستاني.
غونغور يافوز أصلان: المأمول لدى الرأي العام التركي أن يكون هناك جدول زمني من أجل عودة اللاجئين السوريين
وعن التعيينات الجديدة، وتأثيرها على ملف اللاجئين السوريين في الداخل التركي، قال مصدر دبلوماسي تركي مطلع، لـ”العربي الجديد”، إن “الحكومة الجديدة تضم أسماء مطلعة جيداً على تطورات الأزمة في سورية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. والموقف التركي ثابت من القضية وفق المحددات الأساسية، وهي مواصلة الحوار مع النظام في ملفات إعادة اللاجئين، ووحدة سورية ومكافحة التنظيمات الإرهابية والانفصالية وإنجاز الحل السياسي”.
تركيا لديها محددات في حوارها مع النظام
وأضاف المصدر أن “تركيا في حوارها مع النظام لديها محددات عديدة، ومنها الجزء المتعلق بمسألة اللاجئين”، لافتاً إلى أن “الرأي العام الداخلي في البلاد يترقب تطورات في هذا الملف، وفي حال لم يحصل أي تقدم فيه، على صعيد عودة اللاجئين وتهيئة الظروف المناسبة لذلك، فإن الرأي العام سيكون مطلعاً على ذلك، وسيتم وضعه أمام حقائق المفاوضات مع النظام بكل شفافية”.
من جهته، رأى الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات بسام أبو عدنان، أن “تعيين فيدان وزيراً للخارجية في الحكومة التركية يشير إلى أهمية الملفات الخارجية بالنسبة للحكومة الجديدة”. وتابع: “الملف السوري من أهم هذه الملفات، بل هو أهمها، لأنه الملف الوحيد الذي ترى فيه تركيا تهديداً لأمنها القومي، أما باقي الملفات مثل ليبيا وأذربيجان فترى تركيا فيها تهديداً لمصالحها لا لأمنها”.
وتوقع أبو عدنان استمرار خطوات التطبيع التركي مع النظام السوري في المرحلة المقبلة “لكن وفق رؤية أنقرة وشروطها، وبما يخدم مصالحها في سورية”.
أما الكاتب الصحافي التركي غونغور يافوز أصلان، فقال، حول تعيين فيدان ويرلي كايا وزيرين معنيين بالشأن السوري، إن “خطوات الحكومة التركية الجديدة ستكون استمراراً للآلية الرباعية بمشاركة النظام والتي انطلقت في موسكو بهدف عودة السوريين ليس للمناطق الآمنة التي شكلتها تركيا وحسب، بل تشمل عودتهم لمناطق النظام أيضاً”.
وأضاف: “من هنا ستوضع خريطة طريق على الطاولة، وأيضاً هناك مشاريع مع قطر من قبل صندوق قطر للتنمية لإنشاء 240 ألف وحدة سكنية في هذه المناطق، تساهم مع اكتمالها بعودة قرابة مليونين ومائة ألف سوري لهذه المناطق”.
ولفت إلى أن الحكومة التركية “تحاول وضع جدول زمني لهذه العودة، وبرنامج يشمل المنطقة الآمنة بداية، ثم المناطق التي يسيطر عليها النظام، عبر الآلية الرباعية. وستسعى تركيا للمضي قدماً في هذين المسارين”. ورأى أن “فيدان عمل سابقاً على الملف السوري بشكل فعال وقريب، ما يعطي الثقة للشارع التركي في ما يتعلق بسياسة تركيا في سورية. كما أن وجوده يساهم في مسألة التوازنات الدولية مع روسيا، وهو أمر مريح للرأي العام”.
وأكد أن “وزير الداخلية علي يرلي كايا يدرك بشكل جيد الحالة الاجتماعية السورية، وهذا سيؤدي لفوائد هامة في الملف السوري، واختيارهما (فيدان ويرلي كايا) بشكل خاص هو من أجل تحديد سياسة الملف السوري بشكل واضح”. وأضاف أن “المأمول لدى الرأي العام التركي، وهو ما كان مطروحاً في مرحلة الانتخابات، أن يكون هناك جدول زمني من أجل عودة اللاجئين السوريين، ومن سينفذ ذلك في الخارج هو فيدان، وفي الداخل يرلي كايا”.