تقرير: إلى أين يتجه التوتر في شمال كوسوفو؟
“لقد حانت ساعة جديدة لكوسوفو، اليوم، هو بداية لعصر جديد”، قالها الزعيم الكوسوفي هاشم تقي محتفلا بإعلان استقلال كوسوفو عن صربيا عام 2008.
وبالفعل بدأ عصر جديد في تاريخ ألبان كوسوفو، لكن في نفس الوقت بدأت جولات الصراع بين الدولة الوليدة التي تبحث عن اعتراف دولي ومقعد في الأمم المتحدة، وصربيا التي رفضت الاعتراف بالاستقلال وظلت تعتبر كوسوفو جزءا من أراضيها، وتدعم الأقلية الصربية فيها.
كيف بدأ التوتر هذه المرة؟
في 26 مايو/أيار الماضي، قررت حكومة كوسوفو أن يباشر رؤساء 4 بلديات أعمالهم، بمقر بلدياتهم الواقعة في شمال كوسوفو، بعد فوزهم في الانتخابات المحلية الاستثنائية التي أجريت في 23 أبريل/نيسان من هذا العام.
نظم الصرب، الذين يشكلون أغلبية سكان تلك البلديات، احتجاجات لمنع رؤساء البلديات من دخول مباني البلديات، محتجين بأن الانتخابات التي أتت بهم وكلهم من الألبان، لم تكن معبرة عن أغلبية الناخبين في تلك البلديات، حيث شارك في الاقتراع حوالي 1500 ناخب (كلهم من الألبان) من إجمالي 45 ألفا لهم حق الانتخاب.
حضرت وحدات من شرطة كوسوفو وساعدت رؤساء البلديات على الدخول إلى مقرات أعمالهم، لكن المحتجين واجهوا قوات الشرطة بالحجارة، مما جعلهم يستخدمون قنابل الغاز المسيل للدموع.
كذلك اعتدى المحتجون على عدد من أفراد قوات حلف الناتو والصحفيين الموجودين في المكان، مما أسفر عن إصابة عدد من أفراد الشرطة المحلية وإتلاف بعض سيارات الشرطة، كما أصيب نحو 30 فردا من قوات حفظ السلام التابعة للناتو (KFOR).
ما الموقف الصربي؟
في صربيا يواجه رئيسها ألكسندر فوتشيتش ضغطا كبيرا من المعارضة التي تمكنت من تحريك الشارع بالداخل في احتجاجات ضد الحكومة لعدم اتخاذها إجراءات صارمة لوقف انتشار العنف، وذلك بعد تكرار حوادث إطلاق النار من قبل مسلحين على مواطنين عزل في أماكن متفرقة من البلاد.
وعليه فإن قيام فوتشيتش بأي خطوات إلى الخلف، في هذا الوقت، قد يعطي المعارضة مزيدا من التأييد في الشارع الصربي ويهدد المستقبل السياسي للتحالف الحاكم، أخذا في الاعتبار الحساسية المفرطة لدى الصرب تجاه التنازل عن أي جزء من “دولتهم”.
وبالتالي فخيار التصعيد الجزئي قد يمثل حلا مناسبا للرئيس الصربي للحفاظ على شعبيته من منطلق أنه “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. وهذا ما قام به بالفعل، حيث أصدر أوامره بنشر عدة آلاف من أفراد الجيش الصربي على طول الحدود مع كوسوفو، ووضعهم على أهبة الاستعداد القتالي، كما قام بزيارتهم واصفا إياهم بـ”الأبطال الموجودين في أهم جزء من الدولة الصربية”.
ما السيناريو الأفضل للحل النهائي المناسب للصرب؟
صرح الرئيس الصربي عدة مرات بأنه لن يعترف بدولة كوسوفو، لكنه في نفس الوقت يعلم أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل عضوية صربيا إلا باعتراف كامل ينهي التوترات ويضمن الانتقال من الصراعات المسلحة إلى صراعات سياسية قابلة للسيطرة عليها.
هل تطبيق النموذج البوسني حل لكوسوفو؟
يسعى فوتشيتش للوصول إلى اتفاق لإقامة ما يعرف بـ”رابطة البلديات الصربية” في شمال كوسوفو، وهو كيان صربي يتمتع بحكم ذاتي في البلديات ذات الأغلبية الصربية على غرار الكيان البوسني “جمهورية صربرسكا”. ومن ثم يسوق نفسه على أنه نجح في تحرير شمال كوسوفو، ثم يعترف بالجزء الآخر كدولة مستقلة، وبذلك يحافظ على رضا الدول الأوروبية مما يؤهله لحصول صربيا على العضوية الكاملة بالاتحاد الأوربي.
ويبدو أن المشروع قد حصل على ضوء أخضر من القوى الأوروبية المؤثرة داخل الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا، بل ربما يكون قد حظي بموافقة الولايات المتحدة الحليف الرئيسي لكوسوفو.
ما يؤكد ذلك هو الضغط المتواصل الذي تمارسه أوروبا وأميركا على كوسوفو، ومطالبتها بنزع فتيل الأزمة من خلال سحب رؤساء البلديات الألبان، وإجراء انتخابات جديدة تشارك فيها الأغلبية الصربية. وبالطبع ستأتي الانتخابات برؤساء بلديات صرب، مما يمهد لتحقيق المشروع الصربي.
ما موقف كوسوفو؟
يدرك الكوسوفيون خطورة وجود كيان صربي في شمال كوسوفو وأنه بمثابة شوكة في حلق الدولة الناشئة لن تنعم معه بالاستقرار والأمن. وفي نفس الوقت تستنزف التوترات المتكررة على الحدود الشمالية، موارد الدولة المحدودة وتمنع الاستثمارات الأجنبية.
ولا يملك الجانب الكوسوفي حاليا، إلا أن يتمسك بموقفه في دعم رؤساء البلديات للقيام بمهامهم، لأنهم جاؤوا بانتخابات ديمقراطية حرة، ويرفض الطلبات بإعادة الانتخابات في تلك البلديات، حتى لو كانت تلك الطلبات صادرة من الحليف الأميركي.
لكن الكوسوفيين، في نفس الوقت، يعلمون أن فقد دعم الحليف الأميركي يشكل خطرا شديدا على مستقبل دولتهم وعلى وجودها.
ويدرك الكوسوفيون أن أميركا وأوروبا لا ترغبان في تفجر الأوضاع وفتح جبهة جديدة في أوروبا قد تمتد شراراتها إلى مناطق أخرى في البلقان، لهذا قد يعمدون أحيانا، إلى إحداث توترات جزئية من خلال اتخاذ قرارات تثير ردود أفعال غاضبة من الصرب، كما حدث هذه المرة.
ما السيناريو الأفضل للحل النهائي لكوسوفو؟
يعتقد الكوسوفيون أن الحل الوحيد لضمان استقرار وأمن دولتهم هو دخولها تحت مظلة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ومنحها عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي.
فعضويتها بالناتو تضمن لها حماية لأمنها من أي اعتداءات خارجية، كما تحقق لها عضوية الاتحاد الأوروبي استقرارا اقتصاديا.
ما موقف القوى الدولية؟
يتفق الموقف الأميركي الذي يعبر عنه المبعوث الخاص للولايات المتحدة لغرب البلقان غابرييل إسكوبار، والموقف الأوروبي الذي يعبر عنه المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي للحوار بين صربيا وكوسوفو ميروسلاف لايتشاك، على عدم السماح بتدهور الأمر ليصل إلى نزاع عسكري، وأنهم سيستخدمون كل الوسائل للضغط على الطرفين لقبول الحلول السياسية، بما في ذلك العقوبات.
أما روسيا فقد أعلنت تأييدها التام لموقف صربيا، وأدانت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الاعتداءات على السكان الصرب شمال كوسوفو، بل وحملت قوات الناتو المسؤولية عن وقوع العنف، كما اتهمت قوات الناتو “بالوقوف مع الإرهاب”.
لكن الأحداث الخطيرة التي تحدث في شمال كوسوفو لا تعني أميركا وروسيا وأوروبا فقط، بل تعني قوى أخرى تهتم بالبلقان، وفي مقدمتها تركيا التي لا ترغب في أن تؤدي الدبلوماسية الغربية البطيئة إلى مزيد من التوترات وتفجير الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
وقد تتقدم تركيا، التي تتوافر لديها الكثير من الشروط، في المستقبل القريب للعب دور بارز في تهدئة الموقف وإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف.