هل تؤدي حوادث بحر جنوب الصين لإشعال فتيل حرب بين أميركا والصين؟
كشفت حادثتان وقعتا خلال الأيام الأخيرة، وتجنب فيها الطرفان الصيني والأميركي الصدام المباشر، عن هشاشة الأوضاع والترتيبات العسكرية في منطقة بحر جنوب الصين ومضيق تايوان.
وطبقا لرواية الجيش الأميركي، فإن سفينة عسكرية صينية كادت تصطدم بمدمرة أميركية في مضيق تايوان خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث اقتربت منها بنحو 150 ياردة فقط، وهي مسافة قصيرة جدا بالنسبة لحجم هذه السفن الضخم.
وقبل ذلك بأيام، وقعت حادثة أخرى خطيرة في الجو، حيث قطعت طائرة صينية الطريق أمام طائرة استطلاع أميركية فوق بحر جنوب الصين، وكادا أن يصطدما.
ولا تستبعد كثير من التحليلات أن تؤدي واحدة من هذه الحوادث إلى اندلاع اشتباك في حال إسقاط طائرة أو تدمير سفينة، وهو ما قد يترتب عليه رد فعل من الطرف الآخر، مما قد يؤدي إلى اندلاع اشتباكات مسلحة لا يريدها أي طرف.
“حوار شانغريلا” فرصة ضائعة
وفي الوقت ذاته، وكما بدأ بهيمنة الخلافات الحادة بين الصين والولايات المتحدة، انتهى منتدى “حوار شانغريلا” الأمني في سنغافورة، حيث لم تشفع اللقطة العابرة للتحية والسلام باليد بين وزيري دفاع الدولتين في تخفيف حدة الخلافات بين الطرفين داخل أروقة المنتدى وخارجه.
وخلال كلمته بالمنتدى، وبخ وزير الدفاع الصيني لي شانغفو الولايات المتحدة والدول الغربية، وطالبها بأن تهتم بشؤونها الخاصة. وجاءت تصريحات الجنرال الصيني خلال أول ظهور دولي له كوزير للدفاع، وبعدما رفض طلبا بعقد لقاء مع نظيره الأميركي لويد أوستن خلال مشاركتهما في المنتدى نفسه.
واشترطت الصين لعقد اللقاء أن تلغي واشنطن أولا عقوبات فرضتها عام 2018 على لي شانغفو قبل أن يصبح وزيرا للدفاع، إلا أن واشنطن ترفض ذلك لصعوبته من الناحية العملية والإجرائية، خاصة مع تحكم الجمهوريين في أغلبية مجلس النواب.
من جانبه، وبخ أوستن نظيره الصيني لرفضه عقد اللقاء معه، وفي الوقت ذاته دعا لتوسيع المناورات العسكرية مع حلفاء واشنطن، بما في ذلك اليابان وأستراليا والفلبين، بالإضافة إلى إندونيسيا.
وتعمل الولايات المتحدة أيضا على زيادة مشاركة التكنولوجيا العسكرية مع الهند، مما يخلق قابلية التشغيل البيني بين أنظمتها العسكرية مع اليابان، وتقوم حاليا ببناء أسطول جديد من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية مع أستراليا، وهو ما تراه الصين أعمالا عدائية موجهة ضدها.
رؤية صينية مغايرة
ورغم أن الحوادث المذكورة وقعت في المياه الدولية والمجال الجوي المفتوح، فإن بكين ترى أنه لا يمكن للأساطيل والقاذفات الأميركية القدوم إلى المياه المحيطة بالصين وخلق أزمات بشكل أساسي، ثم تطلب من الصين اتباع قواعدها.
وقال الوزير شانغفو إن “أفضل طريقة لمنع حدوث ذلك هي ألا تقترب السفن والطائرات العسكرية من مياهنا ومجالنا الجوي. إذا بقيت قرب المياه الإقليمية والمجال الجوي الخاص بك، فلن تكون هناك أي مشاكل”، مضيفا “لماذا يحدث كل هذا بالقرب من المياه والمجال الجوي السيادي للصين؟ السفن والطائرات الصينية لا تقترب أبدا من المجال الجوي والمياه للدول الأخرى”.
من جانبها، تكثف الولايات المتحدة زيارات أعضاء الكونغرس ومبيعات الأسلحة إلى تايوان، وهي جزيرة تعدها الصين أرضا تابعة لها، وهو ما يراه الخبراء الصينيون تصعيدا مقصودا.
وطبقا للمحللة “هي لي” (وهي نائبة مدير أكاديمية العلوم العسكرية التابعة للجيش الصيني) فإنه “إذا حدث تصادم في المستقبل، فإن المسؤولية الكاملة ستقع على عاتق الولايات المتحدة”، كما جاء في حديث لها مع الإذاعة الوطنية. مضيفة أنه “إذا أوقفت الولايات المتحدة المرور وعبور هذه المناطق، فلن يكون هناك المزيد من الحوادث”.
وعقب وقوع الحادثتين، أشار بيان للجيش الصيني إلى أنه أرسل قوات بحرية وجوية لمراقبة السفن المارة من خليج تايوان، وأضاف البيان أن “الدول المعنية تخلق مشاكل في منطقة مضيق تايوان، وتثير المخاطر عمدا، وتقوض بشكل ضار السلام والاستقرار الإقليميين، وترسل إشارات خاطئة إلى تايوان”.
على النقيض، ترى واشنطن أن تلك الدوريات في مضيق تايوان ضرورية للحفاظ على مبدأ حرية الملاحة، وكي لا تعتقد بكين أن المضيق هو ممرها المائي الإقليمي، ولا يحق لأحد المرور من خلاله.
وعبر خبير الشؤون الصينية في مجلس العلاقات الخارجية جوشوا كورلانتزيك عن اعتقاده أن ما يقوم به الجيش الصيني “مجرد علامة أخرى على أن بكين ليست لديها في الواقع مصلحة كبيرة في التقارب الحقيقي مع الولايات المتحدة، رغم أنها تقول إنها تسعى لذلك بما يفترض أن يكون هناك بعض الدفء في العلاقات، وهذا لا يحدث حاليا”.
رؤية كيسنجر المخيفة
وفي حديث مع مجلة “ذي إيكونوميست” (The Economist) بمناسبة بلوغه 100 عام، قال وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق هنري كيسنجر إنه يعتقد أن “العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تشبه الوضع الكلاسيكي في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، عندما لم يشعر أي من الجانبين بأن لديه أي مساحة سياسية لتقديم تنازلات أو لتقديم مبادرات”.
ورأى كيسنجر أن ذلك معناه أن الطرفين يتعثران في طريقهما، وفي حساباتهما للطرف الآخر، وأن ذلك يمكن أن يتحول إلى صراع خطير.
من جهة أخرى، أكد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان -في حديث مع برنامج “جي بي إس” على شبكة “سي إن إن” (CNN)- أنه عندما جلس إلى جوار الرئيس جو بايدن عندما التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة العشرين بمدينة بالي بإندونيسيا العام الماضي؛ رأى “قائدين يحاولان بالفعل التوصل إلى تفاهمات حتى لو كانت لدينا وجهات نظر مختلفة، وحتى لو كنا في علاقة تنافسية عميقة حول بعض الأساسيات. كلاهما لديه رغبة في وضع أرضية للعلاقة لإدارة المنافسة بمسؤولية لضمان عدم تحول المنافسة إلى صراع”.
وأشار سوليفان إلى أنه بقدر ما يشعر بالقلق، “فلا يوجد شيء يتعارض مع التنافس بقوة في المجالات المهمة من الاقتصاد إلى التكنولوجيا، والأهم هو ضمان عدم انحراف تلك المنافسة إلى صراع أو مواجهة. ونعتقد أنه لا يوجد شيء حتمي حول نوع من الصراع أو الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين”.
وعن موقف إدارة بايدن من قضية تايوان، أكد سوليفان أن “سياسة الصين الواحدة التي تتبناها واشنطن، وما يرتبط بها من قانون دعم تايوان، قد نجحت بالفعل في تحقيق الهدف العملي المتمثل في عقود من السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، ولهذا السبب لم تتغير سياستنا”.
وأضاف “لهذا السبب كذلك نعتقد أن سياسة الصين الواحدة ينبغي أن تستمر في ضمان عدم حدوث تغييرات من جانب واحد في الوضع الراهن في أي من الجانبين كي نحافظ على ذلك السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان لعقود قادمة”.