إسرائيل ومسارات اللاعودة
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
الانتخابات الأخيرة، أفرزت منظومة سياسية يمينية محافظة ومتدينة وحاريدية، وكشفت عن انزياح تام في المزاج السياسي الإسرائيلي نحو اليمين واليمين المُتشدد، على اعتبار أن أحزاب المركز مثل “يش عتيد”، و”إسرائيل بيتنا”، و”المعسكر الرسمي” بقيادة غانتس، كلها أحزاب تحمل الفكر اليميني الليبرالي وتتعدد مواقفها اتجاه الدين بين الداعي لفصل الدين عن الدولة كـ “سرائيل بيتنا” حاملًا فكرًا ومنهجًا علمانيًا، ومن يدعو لبقاء العلاقة كما هي بحيث تكون السيطرة والسلطة في العلاقة بيد الدولة دون إفراط أو تفريط ، والموقف السياسي المُتعلق بالقضية الفلسطينية فيه ثمة اجماع صهيوني، وصهيوني ديني، ومؤخرًا حريدي شرع يُمارس السياسة على أساس من منطلق المصالح الفئوية والقطاعية المُطلقة وتعميق جماعات النفوذ في مفاصل الدولة، وتمدد حذر في المجتمع، وتحمل مشاركة التيار الحاريدي في جلسة الحكومة في نفق تحت المسجد الأقصى الأحد الفائت، بيانًا سياسيًا واضحًا للانزياح السياسي الحاريدي، فاصلًا وبحذرٍ شديد بين الديني والسياسي، معلنًا الفعل السياسي لصالح التجذر الديني، وقد باتت جماهيره تتماهى مع المواقف التي تتبناها الصهيونية الدينية والحاريدلية مع اختلافات طفيفة في جدل العلاقة مع الأرض والإنسان وسؤال المقدس وأيهما يتقدم الأرض أم الإنسان.
الانزياح الثاني الذي بات واضحًا في المجتمع الإسرائيلي، التوجه البطيء ولكن المُراكم نحو التدين بشقيه الفردي والجمعي، واضحت دراسات التحولات الدينية في المجتمع الإسرائيلي تحظى بتفهم متزايد من المؤسسات البحثية الإسرائيلية والغربية، ويعتبر مقياس التدين أحد أهم المعالم التي باتت تعتبر مؤشرًا على هذا التحول في المجتمع الإسرائيلي، والحديث اليوم يدور عن عمق تأثير الدين في حياة الأفراد العلمانيين باعتبار الدين معلمًا هوياتيًا يصبّ في صالح الثبات على الأرض برسم كونها منحة وعطية إلهية، وانتقال المجتمع الإسرائيلي من الصهيونية العلمانية التي استغلت الدين لصالح الكينونة السياسية، إلى الصهيونية العلمانية التي باتت عبر فكرها المسياني الخلاصي تهتم بالتمدد الجغرافي باعتبار الجغرافيا في اللاهوتية التوراتية والتلمودية، أمرًا دينيًا خالصًا.
الانزياح الثالث إسرائيليًا يتعلق بالنمو السكاني، ففي الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام الإسرائيلي العلماني عن ازدياد السكان الحاريديم، بحيث سيشكلون في العشريتين القادمتين ثلث مقاعد الكنيست، يتناسى هؤلاء المنظرون ازدياد أعداد السكان في القطاعات غير المتدينة بفضل السياسات الرسمية الداعية إلى زيادة اليهود في الأرض المقدسة، إذ يقابلها سياسات ممنهجة من قبل الحكومة لتقليل عدد السكان العرب ليس فقط في الداخل الفلسطيني، بل وفي عموم الأرض المُباركة، ويعمل على تنفيذ هذه السياسات المؤسسات السلطوية ومؤسسات المجتمع المدني النسوي الممولة من وراء البحار.
هذا بعضٌ من فيض المسارات الجارية في المجتمع الإسرائيلي الذي يتمتع راهنًا بقوة مادية وعسكرية وتقنية عالية تُضاف إلى الاختراقات التي أحدثها وتحدثها المؤسسة الإسرائيلية في العالمين العربي والإسلامي بفضل الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة والمجتمعات اليهودية في تلكم الدول، إضافة إلى الموساد عراب المُصالحات والتطبيع مع دول عربية وإسلامية.