ذكريات الحرق والتكسير.. عودة المستوطنين إلى حومش تثير مخاوف الفلسطينيين
وهو يغلق نوافذ منزله الغربية الأربع بالسياج الحديدي، كان سمير حنتولي يغلق معها آخر أيام الراحة والأمان، التي سيعيشها في بيته على سفح الجبل الملاصق لأراضي مستوطنة “حومش” جنوبي مدينة جنين، وذلك بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي السماح بعودة المستوطنين للمستوطنات التي أخليت عام 2005.
لقرابة 18 سنة ودون خوف من اعتداءات المستوطنين، عاش سمير حنتولي حياة طبيعية بعد رحيل آخر مستوطن في حومش، استطاع عندها فتح نوافذ منزله وأبوابه والجلوس في ساحته، والخروج في أوقات متأخرة من الليل.
لكن تلك الحياة الآمنة تحولت إلى خوف وترقب، بعد قرار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عودة المستوطنين، ليتحول منزل حنتولي لما يشبه السجن، حيث وضع حراسة وسياجا حديديا على النوافذ المطلة على المستوطنة.
يقول حنتولي “جربت العيش في الجحيم قبل عام 2005 حين كنت جارا للمستوطنين.. عشت الرعب أياما كثيرة، وعانيت من اعتداءاتهم المتكررة، مثل محاولات حرق المنزل وإلقاء الحجارة وتحطيم النوافذ، وكانت طريق أطفالي من المدرسة وإليها خطرة، كنت أخاف أن يتعرض لهم المستوطنون في كل مرة يخرجون فيها من المنزل”.
عودة للخوف والقلق
أقيمت مستوطنة حومش عام 1982 على أجزاء واسعة من أراضي بلدتي “سيلة الظهر” جنوبي جنين، و”برقة” شمالي نابلس،، وجرى إخلاؤها من المستوطنين عام 2005 (مع 4 مستوطنات أخرى ضمن خطة إخلاء أحادية الجانب).
ولم يتجاوز عدد المستوطنين في تلك الفترة 200 مستوطن، إلا أنهم شكلوا خطرا على البلدة بأكلمها وحتى للسكان البعيدين نسبيا، وفقا لحنتولي الذي يضيف “كانت الأراضي القريبة من المستوطنة أراضي مهملة، لا يمكن لأحد الوصول إليها للاعتناء بها وزراعتها، وكانت أشجار الزيتون تتعرض للحرق والاقتلاع على يد مستوطني المستوطنة”.
وتابع “أتذكر يوم إخلاء حومش، راقبنا خروج المستوطنين منها حتى وقت متأخر من الليل، كانت البلدة كلها تراقب رحيلهم عن المستوطنة، كان يوما أشبه العيد”.
والعام الماضي تكررت اقتحامات المستوطنين لأراضي المستوطنة، ونظم العشرات منهم في مرات عدة مسيرات دينية باتجاهها، خاصة بعد مقتل مستوطن على يد مقاومين فلسطينيين على مدخلها في ديسمبر/كانون الأول عام 2021.
وخوفا من تزايد الاعتداءات، يقول حنتولي “اليوم أخسر أيام راحتي وعيشي الآمن الذي استمر لمدة 18 عاما، عودتهم تعني منعي من التوسع في البناء أيضا، هذه المنطقة ستصبح منطقة ممنوعة من البناء لقربها من المستوطنة، وهو ما يؤثر عليّ وعلى أهالي البلدة لقلة الأراضي”.
اعتداء على كل البلدة
على بُعد أمتار من منزل حنتولي، تجلس الحاجة فتحية رحال 84 عاما، تحت شجرة العنب تراقب أعلى الجبل، وتسأل عن حقيقة عودة المستوطنين إلى حومش، مشيرة إلى أنه لا أحد يتوقع ما سيحصل في حال عادت المستوطنة من جديد.
تشبك فتحية يديها فوق عكازها الخشبي ويظهر القلق في عيونها وهي تسأل باستمرار عن جدية القرار الإسرائيلي، وموعده الفعلي، مضيفة “لا نعرف كيف يفكر من سيكون منهم هنا اليوم، بطبيعة الحال لن يعود نفس المستوطنين الذين غادروا قبل 18 عاما”.
وتعيش فتحية رحال في بيتها القريب من المستوطنة منذ عام 1975، وعلى الرغم من وجودها وعائلتها هنا قبل البدء في بناء حومش بداية الثمانينيات، فإنهم عايشوا إيذاء المستوطنين وبطشهم، وتشرح قائلة “قبل سنوات كسروا زجاج سيارة ابني الأكبر، كما كسروا جانبا من زجاج المنزل، كنا نتعرض للأذى منهم دائما، ونحن ليس لنا حول ولا قوة، نستعين عليهم بالله هم الحامي منهم”.
وأضافت “في حال عودتهم سنقيم سياجا حول كامل المنزل، لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع المقلق بعد أن أصبحوا فوقنا في هذا الجبل”.
مخاوف العودة
يسكن بلدة “سيلة الظهر” الواقعة إلى الجنوب من مدينة جنين نحو 8 آلاف نسمة، وتنشط الحركة التجارية على الشارع الرئيسي في البلدة، وأقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي سواتر ترابية على جانبي الشارع الرئيسي القريب من مدخل مستوطنة حومش والواصل إلى نابلس، الأمر الذي يعطل حركة السير في هذه المنطقة، ويؤثر على حركة السيارات بالإضافة لإقامة نقطة عسكرية دائمة قرب مدخل المستوطنة.
يقول رئيس بلدية البلدة عبد الفتاح أبو العلي “نعاني الأمرّين حتى قبل عودة المستوطنين بشكل رسمي، فمنذ مقتل مستوطن على مدخل حومش نهاية 2021، بدأ عدد من المستوطنين بالعودة على فترات إلى حومش، تمهيدا للسكن ولإقامة صلواتهم فوق الجبل كما يدعون، ومنذ ذلك الحين والاعتداءات على الأهالي متكررة، آخرها كان حادث إطلاق نار على شاب من القرية حيث أصيب في يده”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف أبو العلي “كل حالات تكسير البيوت واقتلاع أشجار الزيتون والتهجم على الناس، تحدث تحت أعين جنود الاحتلال، بل يحمون المستوطنين بشكل دائم، ويغلقون الطريق العام والذي يشكل الشريان الاقتصادي للبلدة”.
جيران للمستوطنة
بالعودة إلى سمير حنتولي، يوضح المواطن الفلسطيني أن المستوطنين الذين ينوون العودة متدينون متطرفون، وهؤلاء أشد خطرا من غيرهم، مضيفا “يعودون لبناء مدرسة دينية هنا على أراضي الجبل، وهذا يعني استمرار الاعتداء على الأهالي ومحاولة قتلهم وحرق أملاكهم، تاريخهم معروف، ونحن لا ننسى ماضيهم في هذه الأرض”.
وتابع “لا تكتفي إسرائيل بسرقة حيفا ويافا وغيرهما من المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948، بل تلاحقنا في قرانا وبلداتنا لمصادرتها وسرقتها لصالح المستوطنين”.
ويختتم حنتولي بذكر حادثة تعرض عمته المسنة للضرب من قبل المستوطنين الذين عادوا إلى حومش خلال الأشهر الماضية، حين هاجموها بمفردها في المنزل بعد ذهاب أبنائها للعمل، حيث ضُربت بالعصي قبل أن يتجمع أهالي البلدة على صراخها ويخلصوها من هؤلاء المتطرفين.
المصدر : الجزيرة