أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

مراكز احتجاز وتسفير قسري.. كيف تخطط ألمانيا لإغلاق حدود الاتحاد الأوروبي أمام اللاجئين؟

استقل “أحمد. غ” قاربا مكتظا بعشرات اللاجئين في ظلام مدينة إزمير التركية يضم عائلات وأطفالا وشبابا مثله بادروا بتناول الأطفال من أيدي أهاليهم وتأمينهم على متن القارب.

تناول أحمد آخر طفلة ووقف في منتصف القارب ينتظر إشارة من أحد يبحث عن طفلته، ولكن ذلك لم يحدث، بدأ يسأل بأعلى صوته، لم يجب أحد، استغرب ولكن شعورا غريبا بالأمان انتابه، فأمسك بالجسم الصغير بقوة وواصل القارب الإبحار إلى إحدى الجزر اليونانية.

بعد أقل من نصف ساعة، بزغ الفجر وما زال الجسم الصغير بين يديه، فبدأ ينظر حوله ليلمح رجلا مذعورا يحدق فيه ويعترف بأبوة الطفلة “رضيّة”، في الثالثة من عمرها. سأله عن سبب سكوته؟ فأجاب الرجل: لا أتقن السباحة ولا أريد أن تغرق البنت.

رضيّة في رقبتك يا ابني، فقبل أحمد الأمانة، ورضيّة لم تغرق ووصلت إلى الجزيرة اليونانية بسلام، بعدها، لم يسمع أحمد أي شيء، لا عن رضيّة التي من المفترض أن تكون الآن في سن الـ11، ولا عن والدها.

واصل أحمد رحلته من جزيرة يونانية إلى أخرى قبل الوصول إلى أثينا، ومنها مشيا على الأقدام إلى مقدونيا، ثم صربيا، فهنغاريا، فالنمسا حتى ولاية بافاريا بجنوب ألمانيا، ثم هامبورغ في أقصى الشمال، حيث يعيش منذ 8 أعوام.

هذه الرحلة الطويلة -التي رواها أحمد وتشبه قصص عشرات آلاف اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى اليابسة الأوروبية، تريد وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر لها أن تنتهي في محطتها الأولى، أي في إزمير، وفي أسوأ الأحوال على أول جزيرة يونانية.

مراكز احتجاز أشبه بالسجون

ووفقا لخطة الوزيرة الألمانية -التي تسعى إلى عرضها في 8 و9 من يونيو/حزيران المقبل على اجتماع وزراء الداخلية والعدل بدول الاتحاد الأوروبي- فإنها ستقترح على السلطات الأوروبية “إصلاح” نظام اللجوء الأوروبي بشكل يسمح لها بالبتّ في طلبات اللجوء في مراكز احتجاز على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويعطي لهذه السلطات صلاحيات منع اللاجئين من دخول الأراضي الأوروبية في حال رفضت طلبات لجوئهم وترحيلهم إلى بلدان “ثالثة آمنة”.

وترمي هذه الخطة إلى إقامة مراكز ترانزيت “أشبه بالسجون”، يُعتبر اللاجئ فيها من الناحية القانونية خارج الأراضي الأوروبية وهذا يعني عدم قدرته على الطعن في قرار رفض طلب لجوئه إلا مرة واحدة وفي عجالة، بحسب منظمة “برو أزول” المتخصصة في الدفاع عن حقوق اللاجئين، وهي كبرى المنظمات المختصة بشؤون اللاجئين في ألمانيا.

أما رئيس قسم أوروبا في المنظمة وممثلها في مجلس أوروبا للاجئين كارل كوب، فاعتبر -في حديث للجزيرة نت- أن هذه الخطة تؤسس فعليا لـ”مراكز اعتقال” على الحدود الأوروبية، قائلا إن اللاجئ “سيصل إلى الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ويطلب اللجوء، ولكن فور وصوله سيتم اعتقاله، ولن يرى في أوروبا سوى الأسلاك الشائكة والجدران وعناصر الأمن”.

وأضاف أن خطورة الخطة تكمن في نصها على “بتّ سريع” دون التحقق من محتوى طلبات لجوء أشخاص يعتبرون من الناحية القانونية خارج حدود الاتحاد الأوروبي، رغم أنهم موجودون على الأراضي الأوروبية، مضيفا أن الهدف من ذلك هو “اتخاذ قرار سريع يعتبر طلب اللجوء غير مقبول ويتم بموجبه ترحيل صاحبه إلى ما يوصف بالدولة الثالثة الآمنة”.

وأكد كوب أن إقامة هذه المراكز “ستؤدي إلى عمليات بتّ في طلبات اللجوء غير منصفة ولا تستند لمعايير دولة القانون”.

وتذكر هذه الخطة باقتراحات حاول وزير الداخلية الألماني السابق هورست زيهوفر تمريرها في عام 2018، ولكنها قوبلت بمعارضة شديدة من حزب وزيرة الداخلية الحالية؛ الاشتراكي الديمقراطي، ومن حزب الخضر أيضا، عندما كان الحزبان في المعارضة، علما بأن الخطة لاقت أيضا رفضا من المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل.

حل إشكالية اللجوء

ويشكك المختصون في قدرة هذه الخطة على تمكين السلطات الأوروبية من إيجاد حل لإشكالية اللجوء غير الشرعي، وعلى مساعدة السلطات على خفض أعداد اللاجئين في وقت سجلت فيه السلطات الألمانية في الأشهر الأولى من العام الجاري ارتفاعا في أعداد اللاجئين يذكر بما يعرف بـ”أزمة اللجوء” في عام 2015.

ويرى مهندس اتفاق اللجوء بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في مارس/آذار 2016 ورئيس المبادرة الأوروبية للاستقرار (ESI) غيرالد كناوس أن الحكومة الألمانية تريد من خلال هذه الخطة فقط القول إنها “مستعدة لمناقشة اقتراحات المفوضية الأوروبية، وإذا اتفقت دول الاتحاد على مقترحات المفوضية فإنها لن تقف في طريق الاتفاق”.

واستبعد اتفاقا على المستوى الأوروبي، لأن دولا مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا ستعارضه، ووصف كناوس هذه الخطة بأنها “محاولة تحت الضغط” من أجل تقديم بدائل عن الوضع الراهن الذي يشهد استخدام العنف غير القانوني في التصدي للمهاجرين غير الشرعيين.

وأوضح أن هذه الخطة ستؤدي على الأرجح إلى ظهور “معسكرات لجوء مكتظة وغير إنسانية لا يريدها أحد”.

 

اتفاق الائتلاف الحكومي

وبهذه الخطة، تكون الحكومة الألمانية قد أحدثت تغييرا جذريا على سياستها للجوء وخرقت اتفاق الائتلاف الحكومي الألماني الذي أسس لتشكيل الحكومة الألمانية الحالية برئاسة الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز، وقاربت رؤيتها من سياسة حكومات أوروبية تُوصف بأنها “يمينية متطرفة” في شرق وجنوب أوروبا.

وينص اتفاق الائتلاف الحكومي الذي وقعته الأحزاب الثلاثة؛ الاشتراكي الديمقراطي، والخضر، والليبرالي، في ديسمبر/كانون الأول 2021 على “وضع حد لعمليات الصد غير القانونية، وللمعاناة على الحدود الخارجية، والتحقق من محتوى طلب اللجوء للاجئين الموجودين على أراضي الاتحاد الأوروبي أو القادمين إليها”.

 

هل تشمل الخطة العائلات والأطفال؟

وبينما تنص الخطة الألمانية على ضرورة استثناء العائلات التي لديها أطفال تحت سن الـ18 من هذه الإجراءات المشددة، تقترح المفوضية الأوروبية أن تستثنى فقط العائلات التي لديها أطفال تحت سن الـ12.

كما ترمي خطة وزيرة الداخلية الألمانية إلى رفع المدة اللازمة للسلطات الألمانية من أجل إعادة لاجئين وصلوا الأراضي الأوروبية عبر دولة لها حدود أوروبية خارجية (إيطاليا مثلا) إلى هذه الدولة من 6 أشهر إلى 12 شهرا، ما يعني منح سلطات ألمانيا فترة أطول من أجل أن تكون سلطاتها قادرة على ترحيل هؤلاء الأشخاص وإعادتهم في نهاية المطاف إلى هذه الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى