صحيفة “المدينة” وموقع “موطني 48” في حوار خاص مع الباحثة د. عائشة حجّار حول حصولها على اللقب الثالث في “الإعلام الحديث”
–الأطروحة استهدفت مجموعة من النساء والفتيات المسلمات المتدينات في الداخل وكيفية استخدامهن للشبكات الاجتماعية كوسيلة لدعم تدينهن وتمثيل الإسلام بصورة مشرّفة
–كبرى المجلات الرائدة في العالم في مجال الاتصال نشرت ورقتين بحثيتين لحجار كانت ضمن أطروحتها لنيل اللقب الثالث
طه اغبارية
نجحت عائشة حجار (32 عاما) من مدينة أم الفحم، في التوفيق بين رعايتها لأبنائها (3 أولاد) وزوجها، وعملها محاضرة في الجامعة المفتوحة، ثمّ حصولها أخيرًا، على اللقب الثالث (دكتوراه) في “الإعلام الحديث” (مصطلح يشمل وسائل إعلام وتكنلوجيا ابتُكرت وطُورت في السنوات الأخيرة) من الجامعة العبرية في القدس.
وقبل اللقب الثالث، نالت حجار اللقب الأول (اتصال وعلم نفس) من جامعة حيفا، ثمّ اللقب الثاني في مجال الاتصال من جامعة حيفا كذلك.
فما الذي ناقشته د. حجّار في أطروحتها للقب الثالث؟ هذا ما سنحاول الوقوف عليه مع الباحثة الفحماوية، في هذا الحوار الخاص بصحيفة “المدينة”.
ما هي مادة الأطروحة؟
د. حجّار: جاءت الأطروحة على شكل بحث تناول الطريقة التي استخدمت من خلالها نساء وفتيات مسلمات من الداخل الفلسطيني، الشبكات الاجتماعية والتكنلوجيا. لأجل ذلك، استهدفتُ مجموعة من 15 امرأة وفتاة (متزوجات وعازبات) قررن التدين ولبس الحجاب في بيئة غير داعمة لهذا التغيير في حياتهن، وأردن من خلال الشبكات الاجتماعية تعميق التزامهن وتطويره، بمعنى آخر قررت هذه النساء بناء إطار اجتماعي بديل لهنّ من خارج بيئتهن الحقيقية، فانخرطن لهذا الهدف في مجموعات ضمن الشبكات الاجتماعية المختلفة، وسمة هذه المجموعات (الافتراضية) والمكوّنة بمعظمها من نساء، أنها داعمة لتدينهن والتزامهن، مثل: مجموعات على “واتس أب” لحفظ القرآن الكريم وختمته بشكل دوري أو غير ذلك من المجموعات في الفضاء الاجتماعي.
كيف أدرتِ منهجية البحث والأطروحة مع المجموعة المستهدفة؟
د. حجّار: قمت في البداية بإجراء مقابلات حول “قصة حياة” كل واحدة من المستهدفات في البحث، وفحصت محل “الإعلام الحديث” في قصة حياتهن. ثمَّ أجريت مقابلة ثانية مع كل واحدة، ركّزت فيها على “الإعلام الحديث”، ووجدت أمرًا مثيرًا للاهتمام إلى جانب مسألة بناء “بيئة بديلة”، يتعلق بالطريقة التي نفكر فيها، حيث بيّنت الأطروحة أنه عندما نبني هويتنا داخل الشبكات الاجتماعية يكون هذا انعكاسًا لبيئتنا الاجتماعية والسياسية الحقيقية، ما يؤثر على فهمنا وطرق استخدامنا للشبكات الاجتماعية. ونعني هنا: أن المرأة والفتاة المسلمة المتدينة في الداخل الفلسطيني عندما تتواجد في الشبكات الاجتماعية تشعر أنها تشكل أقلية لأنها تنظر إلى الفضاء الاجتماعي عمومًا كفضاء معاد للإسلام، لذلك تعتبر هذه المرأة أو الفتاة المسلمة نفسها سفيرة للدين وتتصرف من منطلق الشعور بضرورة تمثيل الإسلام بصورة مشرّفة للردّ على الصورة النمطية السلبية المزعومة عن المتدينات، فتجد مثلًا أن إحداهن تكتب عن هويتها الدينية في مواقع التواصل الاجتماعي باللغة الإنجليزية حتى لو لم يكن عندها أصدقاء وصديقات أجانب، ولكنها تريد بذلك إثبات ذاتها المتدينة لأنها تشعر أن الآخر في الطرف المقابل بالفضاء الاجتماعي يريد أن يمتحن هويتها.
لماذا تشعر أنها في امتحان؟
د. حجّار: برأيي هذا لم يأت من فراغ، فنحن كمسلمين في الداخل الفلسطيني، نشعر أننا بحاجة دائمًا لتوضيح ذاتنا وتقوية موقفنا وإحساسنا الهوياتي مقابل الآخر، المشكك، المعادي والمتربص، وجمهور النساء المتدينات يشعرن برقابة اجتماعية أكثر من غيرهن داخل الشبكات الاجتماعية، لأنهن يردن إثبات وإبراز هويتهن “القدوة” التي تمثل الإسلام والمرأة المسلمة.
ولكن قد يكون الانخراط بهذا الشّكل في الشبكات الاجتماعية “فخًا” لاستدراج المرأة والفتاة إلى ما لا تحمد عقباه؟
د. حجار: في الحقيقة لم تُناقش الأطروحة هذه المسألة، غير أنّ المعنيات بالبحث أكملن تعليمهن الأكاديمي وهن واعيات جدًا لهذا الأمر ولا يسهل بالتالي إيقاعهن بما اسميته بـ “الفخ”، فهنّ يعرفن ما الذي يردنه من الشبكات الاجتماعية، لأنهنّ انخرطن أصلا، في هذا الأمر من منطلقات دينية بهدف تقوية الدين والالتزام وتمثيل الإسلام من خلال محاولة عرض أنفسهن كقدوة حسنة إلى جانب صناعة التغيير في حياتهن وإيجاد بيئة داعمة لمسارهن من غير بيئتهن الحقيقية، في العائلة أو في العمل أو الشارع.
استنتاجات وتقييم الأطروحة عند أهل الاختصاص؟
د. حجّار: مهم الإشارة هنا إلى أن الأطروحة صدرت عنها خمس أوراق بحثية نشرت في مجلات رائدة على مستوى العالم في مجال الاتصال، وإحدى هذه المجلات هي
new media & society”” وهي من كبريات المجلات في العالم بمجال الاتصالات، وقد نشرت الأسبوع الماضي، ورقتين بحثيتين من ضمن أطروحتي للدكتوراه. كذلك شاركتُ في العديد من المؤتمرات ضمن مجال بحثي، في الداخل وخارج البلاد مثل مؤتمرات في فرنسا، وايرلندا وكندا وغيرها، هذا إلى جانب إلقائي لمحاضرات في مؤتمرات عالمية عبر “الزوم” لا سيما أيام جائحة كورونا. أمّا بخصوص الاستنتاجات التي وصلت إليها من خلال الأطروحة فهي: أن هويتنا مدموجة بين عالمنا وبيئتنا الحقيقية ووضعنا الاجتماعي والسياسي، وبين البيئة التي نصنعها من خلال الإعلام الحديث. والبحث يبين أن التكنلوجيا والإعلام الحديث يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في طريقة التغيير بخصوص هويتنا. وقد لاحظت أن المجموعة المستهدفة في البحث أثّرت وتأثرت، إيجابًا، ونجحت في صناعة ذاتها من خلال القدرة على التغيير وإحداث تحولات مهمة في هويتها الدينية والاجتماعية والسياسية.
في ختام الحوار مع الدكتورة عائشة حجار، نصحت الأهل والطلاب في ظل ارتفاع مستوى التعليم الأكاديمي عند العرب في السنوات الأخيرة، بضرورة الاهتمام أكثر في مجال دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية، وقالت: “لا ضير في أن نوجه أبناءنا لدراسة “الهايتك” أو الطب وغيرها من المجالات، ولكن يجب أن نهتم كذلك في توجيههم للعلوم الاجتماعية والإنسانية، لأن مجتمعنا يعاني نقصًا شديدًا في العلوم. ويجب ألا تكون مسألة الرزق مقلقه فمجال العمل موجود دائمًا “فكل ميسر لما خلق له”. مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني يعاني من مشكلات عديدة، وحلولها، اجتماعية، وسياسية، وإنسانية. المطلوب من كل طالب يرى في نفسه القدرة على الإبداع في هذه المجالات أن يبادر إلى ذلك دون خوف وقلق من “سوق العمل”.
كم من الوقت استغرقت الأطروحة؟
د. حجّار: استغرقت نحو ست سنوات، بسبب كوني أمًا، وقد رزقت في بداية مشواري للدكتوراه بابني البكر، وأنهيت الأطروحة وعندي ثلاثة أولاد. والحديث عن إمكانية التوفيق بين العمل والتعليم والبيت، هو حلم مستحيل وأنا لن أكون مثالية واتحدث عن قدرات خارقة للتوفيق بين هذه الأمور، لذلك استغرقت الأطروحة 6 سنوات، رغم شبكة الدعم التي وفّرها زوجي وأهلي، الوالد والوالدة. كان الأولاد من حيث ترتيب الأولويات في مسار حياتي في المقدمة لذلك في كل إجازة ولادة كنت أمدّها أكثر من مدتها الرسمية لعدة أشهر أخرى، من أجل العناية بالمولود.
الزوج والأهل والدعم الذي أشرتِ إليه من طرفهم؟
د. حجّار: أنا من عائلة بسيطة، وأهلي، الوالد والوالدة، وإخواني وأخواتي غرسوا بي حب التعليم من الصغر، فكان التعليم في عائلتنا على رأس الأولويات. أمّا زوجي (محمود جبارين) يعمل ممرضًا وكان من جنود الخفاء في إنقاذ حياة الكثيرين أيام جائحة كورونا، فوجدت منه كذلك كل الدعم والإسناد في مسيرتي المهنية والتعليمية.