صيحات جيلانية (4) حول علاج الانحطاط
الشيخ رائد صلاح
اجتهدت خلال المقالات الثلاثة السابقة التي اخترت لها هذا العنوان: (صيحات جيلانية) أن أستعرض الأسباب العشرة التي ذكرها الإمام عبد القادر الجيلاني في كتاب (الفتح الرباني) والتي وقفت من وراء انحطاط المسلمين في زمانه، وقلت مؤكدا إن هذه الأسباب العشرة تنطبق على حالنا اليوم، وقد تسببت بانحطاطنا اليوم، ولذلك فإن العلاج الذي دعا إليه الإمام الجيلاني للشفاء من تلك الأسباب مما يعني الخروج من مسبة الانحطاط الذي خيّم على مسلمي زمانه إن هذا العلاج يصلح أن يكون علاجا لانحطاطنا اليوم، فما هو ذلك العلاج؟
1- معرفة الله تعالى: لأن معرفة الله تقود إلى التمسك بعقيدة التوحيد، وإفراد الله تعالى بالعبادة، والاحتكام إلى شريعة الله تعالى، وحول ذلك يقول الإمام الجيلاني:
* (ويحك! تدّعي أنّك عبده وتطيع سواه، لو أنك عبده على الحقيقة لعاديت فيه وواليت فيه).
* (يا طالب الأشياء من غير الله ما أنت عاقل، هل شيء ليس في خزائن الله تعالى، قال الله تعالى: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه)-الحجر.
* (اجعل التقوى سلاحك والتوحيد لله تعالى والمراقبة له، والورع في الخلوات، والصدق والاستعانة بالله عزّ وجل جندك).
* (همّك ما أهمّك، فليكن همّك ربك عز وجل وما عنده).
* (وتيقن أن لا ضار ولا نافع ولا معطي ولا مانع إلا هو، فحينئذ يزل عمى عين قلبك، ويحرك البصر والبصيرة).
* (يا غلام: أين عبودية الحق عز وجل؟ هات حقيقة العبودية وخذ الكفاية في جميع أمورك: أنت عبد آبق من مولاك، ارجع إليه، وذلّ له، وتواضع لأمره بالامتثال، ولنهيه بالانتهاء، ولقضائه بالصبر والموافقة. إذا تمّ لك هذا تمّت عبوديتك لسيدك، وجاءتك منه الكفاية (أليس الله بكاف عبده)- الزمر.
* (يا قوم اعرفوا هذا الخالق وتأدبوا بين يديه، ما دامت قلوبكم بعيدة عنه فأنتم مسيئون الأدب عليه، وإذا قربت حسن أدبها).
* (واعرفوا الحق تعالى بصفاته، هو الخالق الرازق، الأول الآخر، الظاهر الباطن، هو القديم الأول، الدائم الأبدي، الفعّال لما يريد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هو المغني، هو المفقر، هو النافع المحيي المميت المعاقب المخوّف المرجو، خافوه ولا تخافوا غيره، وارجوه ولا ترجوا غيره، دوروا مع حكمته وقدرته).
* (هو الله عز وجل، هو القديم الأزلي الأبدي، هو موجود قبل الخلق، قبل آبائكم وأمهاتكم وأغنيائكم، هو خالق السموات والأرض وما فيهن وما بينهما، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. واأسفا عليكم يا خلق الله، ما تعرفون خالقكم حق معرفته).
* (إنما يصح الخاطر إذا تنوّر القلب بمعرفة الله، لا تسكن إلى خاطرك حتى تصح المعرفة).
* (من عرف ربه عرف كل الأشياء، به تصح له العبودية، والعتق من عبودية غيره).
* (عليك بتقوى الله وطاعته، ولا تخف أحدا ولا ترجه، وكل الحوائج كلها إلى الله، واطلبها منه، ولا تثق بأحد سوى الله تعالى، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه، التوحيد التوحيد التوحيد، وجماع الكل التوحيد).
2- تجديد الإيمان: قد تتطاول ولسنوات الغفلة على المسلمين، فينسون مفهوم الإيمان الحق، وينعكس ذلك سلبا على سلوكهم وواقع حياتهم، وهذا يحتاج إلى ضرورة تجديد الإيمان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (جدّدوا إيمانكم! قالوا: كيف نجدد إيماننا يا رسول الله! قال: قولوا لا إله إلا الله). وعندها يلزم المسلمين فهم إيمانهم فهما شرعيا سليما، والتحقق بهذا الفهم، وحول ذلك قال الإمام الجيلاني:
* (الإيمان قول وعمل، لا يقبل منك ولا ينفعك إذا أتيت بالمعاصي والزّلات، ومخالفة الحق عز وجل، وأصررت على ذلك، وتركت الصلاة والصوم والزكاة والحج والصدقة وأفعال الخير، فأي شيء ينفعك؟ الشهادتان؟! إذا قلت لا إله إلا الله فقد ادّعيت، يقال: أيها القائل ألك بينة؟ ما البينة؟ امتثال الأمر، والانتهاء عن النهي والصبر على الآفات، والتسليم إلى القدر، هذه بيّنة هذه الدعوى).
* (لا يكمل إيمان المؤمن وفي قلبه حرص ولا شره ولا طلب، ولا من يخافه ويرجوه من الخلق، هذا يصح له بالفكر الدائم، والنظر إلى الأصول والفروع، بالتفكر في أحوال النبيين والمرسلين والصالحين، وكيف استنقذهم الحق من أيدي الأعداء ونصرهم عليهم، وجعل لهم من أمورهم فرجا ومخرجا).
3- إحياء القرآن والسنة: مما يساعد على إعادة هيبة الدين إلى قلوب الناس ومعاملاتهم وعباداتهم هو إحياء القرآن والسّنّة فهمًا وحفظًا والتزامًا، وحول ذلك قال الإمام الجيلاني:
* (يا قوم انصحوا القرآن بالعمل به لا بالمجادلة فيه، الاعتقاد كلمات يسيرة والأعمال كثيرة، عليكم بالإيمان به، صدّقوا بقلوبكم، واعملوا بجوارحكم، اشتغلوا بما ينفعكم، لا تلتفتوا إلى عقول ناقصة دنيّة).
* (كونوا في جميع أموركم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، مشدودي الأوساط، تحت أمره ونهيه واتباعه).
* (يا غلام: العمل بالقرآن يوقفك على منزله، والعمل بالسنة يوقفك على الرسول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم).
* (يا قوم: آمنوا بهذا القرآن واعملوا به، وأخلصوا في أعمالكم، لا تراؤوا ولا تنافقوا في أعمالكم).
* (نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كان يعطي السائل بيده، ويعلف ناقته، ويحلب شاته، ويخيط قميصه، كيف تدعون متابعته وأنتم مخالفون له في أقواله وأفعاله، وأنتم في دعوى عريضة بلا بيّنة).
* (صححوا أنسابكم من نبيكم صلى الله عليه وسلم، من صحّت تبعيته له فقد صح نسبه، وأمّا بقولك أنا من أُمّته من غير متابعة لا ينفعك، إذا اتبعتموه في أقواله وأفعاله كنتم معه في صحبته في دار الآخرة، أما سمعتم قوله عز وجل: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا)- الحشر.
* (كل من لم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ شريعته في يده، والكتاب المنزل عليه في اليد الأخرى، لا يصل في طريقه إلى الله تعالى، يَهلك ويُهلك، ويَضل ويُضل، هما دليلان إلى الحق عز وجل، القرآن دليلك الى الحق تعالى، والسّنّة دليلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم).
* (لا فلاح حتى تتبع الكتاب والسنة …. اتّبع الشيوخ العلماء بالكتاب والسنة، العاملين بهما، وأحسن الظنّ فيهم، وتعلم منهم، وأحسن الأدب بين أيديهم، والعشرة معهم، وقد أفلحت. إذا لم تتبع الكتاب والسنة ولا الشيوخ العارفين بهما فما تفلح أبدا، أما سمعت: (من استغنى برأيه ضل).
* (لا تبتدع وتُحدث في دين الله عز وجل شيئا لم يكن، اتّبع الشاهدين العادلين الكتاب والسنة، فإنهما يوصلانك إلى ربك، وأمّا إن كنت مبتدعا فشاهداك عقلك وهواك، فلا جرم يوصلانك إلى النار ويُلحقانك بفرعون وهامان وجنودهما).
* (إلزم ما جاء به الرسول وهو الكتاب والسّنّة، فإنّ من تركهما تزندق ومن ربقة الإسلام مرق).
* (أساس الخير متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله).
* (طهّر جوارحك بالسّنّة وقلبك بالعمل بالقرآن). يتبع.