الحلقة 21 من “هذه شهادتي” مع فضيلة الشيخ رائد صلاح مع الإعلامي عبد الإله معلواني
في حلقة جديدة من “هذه شهادتي”:
الشيخ رائد صلاح يواصل الحديث عن ذكريات “لا تنسى” خلال تجربته الأولى في السجون الإسرائيلية على خلفية اعتقاله في ملف “أسرة الجهاد
- أؤكد أنَّ الخطوة التي عرُفت في حينه باسم “أسرة الجهاد”.. ما كنت أعلم عنها نهائيًا
- محنة “أسرة الجهاد” دفعتنا- لاحقا- للتركيز على بناء حاضنة شعبية للحركة الإسلامية
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المتلفزة ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني. وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب”، وصفحة “موطني 48” على “فيسبوك”.
في الحلقة (21) استأنف رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، حديثه عن تجربته الأولى مع الاعتقال في السجون الإسرائيلية على خلفية ملف “أسرة الجهاد”، كما فصّل عن ذكرياته مع سجناء التقاهم في السجون التي تنقل بينها.
“لم أعلم نهائيًا بخطوة أسرة الجهاد”
أكد الشيخ رائد صلاح- في استئناف شهادته- أنه رغم اعتقاله على خلفية ملف “أسرة الجهاد”، إلا أنه لم يكن يحيط علمًا بها على الإطلاق، وقال في السياق: “في الأساس نحن أُمَّة نؤمن بمبدأ ثابت حتى قيام الساعة، وهو: أنّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وهذا يجعل الإنسان منّا يتلقى ما يقع عليه من أحداث بتوكل على الله تعالى، بصبر وتفاؤل وبانتظار الفرج مهما ضاقت هذه الأحداث التي قد تقع عليه. وعليه، أؤكد أنَّ الخطوة التي عرُفت في حينه باسم “أسرة الجهاد”، أنا شخصيًا ما كنت أعلم عنها نهائيًا، وما عرفته عنها كان بالذات ما بعد الاعتقال”.
وأشار إلى أنّ “هذه الخطوة (أسرة الجهاد) فرضت نفسها في مسيرتنا، ومن علم بها هم من كانوا في دائرتها. أيضًا أؤكد من خلال القرائن ومعايشتي لتلك الأيام، أنَّ المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش، قد تقبل هذه الخطوة وانسجم معها”.
وأضاف: “مع أنَّ آثار هذه الخطوة وقعت علينا، والبعض منّا دخل السجن ولم يكن طرفًا فيها، إلا أنّ هذه الخطوة بعد عملية تجاوزها كمحنة وتقييمها، دفعتنا لشيء أساس في مسيرة الحركة الإسلامية، في أنه لا بد من التركيز على بناء حاضنة للحركة الإسلامية، بمعنى أنَّ الحركة الإسلامية قد يكون لها أعضاء ينتمون إليها تنظيميًا، وهذا لا يكفي، حيث لا بد من حاضنة مع امتداد شعبي مؤيد للحركة وداعم لمسيرتها ونشاطاتها ولكل ما تحتاج إليه. هذا الأمر تطور مع الأيام وما كان يمكن أن ينجح لولا هذه الحاضنة التي عملنا ما بعد “أسرة الجهاد” على إقامتها لتكون عبارة عن المدد الاجتماعي والشعبي، وإعطاء كل ما تحتاجه الحركة الإسلامية من إمكانيات النجاح في مسيرة تدرجها ونموها يوما بعد يوم”.
في السجن.. مع المرحوم “أبو عزام” وغيره من الأسرى
ثمّ توقف الشيخ رائد صلاح مرة أخرى عند ذكرياته خلال تجربة اعتقاله الأولى على خلفية ملف “أسرة الجهاد”: “كما ذكرت سابقًا فقد تنقلتُ بين ثلاثة سجون هي: الجلمة، والدامون وكفار يونا، وفي القسم العام في سجن “الجلمة” دخلت إلى غرفة كنا فيها أكثر من 20 شخصًا، ما بين أسرى سياسيين وجنائيين، وأول ما دخلت الغرفة وجدت المرحوم الشيخ فريد أبو مخ “أبو عزام” يقف من خلف الباب ومن خلفه أعضاء آخرون من معتقلي “أسرة الجهاد”، ولكن قبل دخولي وإذ بضابط سجّان- من بني معروف- يقول لي: من رئيسك؟ حينها نظر إليّ أبو عزام وقال: قلها برأس شامخ، فرددت على الضابط بالقول: “رئيسي هو “أبو عزام”. بقيت في القسم العام في “الجلمة” عدة أسابيع برفقة عدد ممن اعتقلوا على خلفية “أسرة الجهاد””.
وحول إن وقعت خلال وجوده في “الجلمة” مراجعات بخصوص ما حدث، أكمل الشيخ رائد: “في الجلمة لم تكن مراجعات أو عتاب أو تلاوم، هذا حدث عندما انتقلت إلى سجن “كفار يونا”. في الجلمة كان الجو ممتازًا من حيث الانسجام فيما بيننا، اجتهدنا أن نحياها بتوافق. كان يؤمنا بالصلاة الشيخ سعيد سليمان جبارين، إلا صلوات الجمعة حيث كنت أصلي بالإخوة الذين كانوا في الجلمة. كما تعرفنا في السجن (الجلمة) على آخرين في نفس الغرفة، من جنائيين وسياسيين. وفي أحد الأيام دخل علينا طلاب من جامعة حيفا من الحزب الشيوعي والجبهة، تم اعتقالهم على خلفية عراك بينهم وبين نشطاء أحزاب إسرائيلية، عشنا معهم عدة أيام ثم أُطلق سراحهم. لما كنّا معهم سهرنا سويًا وتناقشنا في مواضيع عدة، من بينها نقاش حاد حول “وجود الله سبحانه وتعالى”، تحدثوا من منطلق الإنكار، وأنا ناقشتهم بطبيعة الحال من منطلق الإقناع بالحجة حيث كنت قد قرأت العديد من الكتب ذات الصلة بهذا الموضوع. بعد أن انتهى النقاش اقترح أحد الطلاب- ترطيبًا للجو- أن نقرأ “المولد”. مرة خطبتُ الجمعة في العدد الذي كان بالغرفة ومن ضمنهم “أبو عزام” كان موضوع الخطبة، أن الله هو الحافظ وسيحفظ الأولاد والبيوت، وبعد الخطبة ظننت أن المرحوم الشيخ فريد أبو مخ سيستقبل الخطبة بفرح، لكنه قال لي “الله يسامحك ما في حاجة اتجيب سيرة الأولاد”- وكأنه تأثر ولم يرد العودة إلى ذكرياته مع عائلته حينها”. وفي موقف طريف، أحضروا لنا العشاء وكان من ضمننا الحاج حسن علي المحمود من أم الفحم، فلما اجتمعنا حول الطعام أخرج الحاج حسين من جيبه “رأس بصل”، فعلق “أبو عزام” بالقول “والله أنت يا حاج حسين بتتغرب”. مرة وقع خلاف بين الأسرى العرب والأسرى اليهود في ساحة السجن فوقف شاب عربي من حيفا، متحديًا الأسرى اليهود. أذكر كذلك أننا أقمنا حلقات علم للأسرى في الجلمة، وكنت في واحدة من الحلقات أقرأ على الحضور سورة “البروج” وطلبت من الأسرى أن يرددوها خلفي، وإذ بأحد الشباب، وكان أسيرًا جنائيًا يقول “… قتل أصحاب الخدود” بدل “أصحاب الأخدود” وبقيت أقرأ على مسامعه حتى أتقنها. في الغرفة الكبيرة في الجلمة لم تكن دورة مياه، وكان الأسرى يقضون حاجتهم في دلو كبير وضع في الزاوية، ولعدم وجود المياه كنا نتيمم من أجل الصلاة، فكان الأسرى يضربون بأيديهم على حيطان الغرفة من أجل التيمم، فكان المشهد طريفًا وأصوات “الخبط” على الحيطان تتعالى”.
في سجن الدامون
أمّا عن ذكرياته في سجن “الدامون” الذي انتقل إليه بعد قضاء أسابيع في سجن “الجلمة”، يردف الشيخ رائد صلاح: “في الدامون كانت لي ذكريات لا تُنسى. وعندما تدخل السجن تدخله على مرحلتين، المرحلة الأولى هي قسم “التصنيف” (מיון) ثمَّ بعدها بفترة تخرج لقسم خارجي أو قسم “الساحة” أو إلى قسم “الشباب”. حين كنت في قسم التصنيف لعدة أيام، تعرفت على العديد من الأسرى، منهم كان أسيرًا جنائيًا، غرق في المخدرات، جاءني يومًا وطلب مني أن أكتب له رسالة إلى عائلته، وحين بدأت أكتب رسالته لزوجته- بلسانه-، وقد كتبتها بأسلوب عاطفي، في روحها يقول: “يا أبنائي سامحوني أنا انجرفت وسأتوب” بعدما أنهيت الرسالة قرأتها له فأجهش بالبكاء. وفي قسم التصنيف دخل علينا في أحد الأيام شابان- مسلم ومسيحي- وكانا صديقين، تعرفت عليهما، وطلبا أن اكتب لهما آية الكرسي على ورقة”- لكل واحد منهما- أخذت القلم وكتبت الآية لكل واحد منها، وإذا بهما يطويان الورقة بشكل مربع، ويعلقها كل واحد منهما على صدره. كذلك اجتمع في الغرفة بعض من تعاطوا المخدرات داخل الغرفة، فكنت أخرج من الغرفة إلى الزقاق بين غرف القسم، وفيما يبدو أن إدارة السجن عرفت بما يقومون به فأرادت اقتحام الغرفة، فلما أحسوا بذلك أخذ كل واحد منهم “منشفة” وبدأوا يلوحون بها وكأنهم في حلقة دبكة، وذلك بهدف طرد دخان المخدرات الذي ملأ الغرفة. كذلك دخل علينا مرة شاب من الفريديس اعتقل على خلفية تهرب ضريبي، وفرح كثيرًا حين عرف أنني أصلي فبتنا نصلي معًا. كذلك تعرفت في قسم “التصنيف” على شابين من أم الفحم وقضينا معًا أوقاتًا طيبة”.
وأضاف: “بعد قضاء عدة أيام في قسم “التصنيف”، نقلوني إلى “القسم الخارجي” في سجن “الدامون”، وفي الغرفة التي تواجدت فيها بدأت أتعرف على الأسرى، والتقيت بثلاثة أسرى جنائيين، اثنين من أم الفحم والآخر من معاوية. في الدامون الذكريات كثيرة جدًا، منها أن الوالدة حفظها الله تعالى “هرّبت” في إحدى زياراتها لي “حبة جرنك”. بالنسبة لي كانت “حبة الجرنك” حمولة من الجرنك. وفي الدامون تعرفت على الأخ أيوب الحريري من الناصرة، لم يكن يصلي بعد لكنه كان يحب سماع القرآن. ثم فتح الله عليه وبدأ يصلي وقد زرته وزارني بعد التحرر من السجن”.