أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

ما هي أبرز الحروب الأهلية التي ضربت السودان منذ الاستقلال؟

لم تهدأ الحروب الأهلية والصراعات في السودان على مدار أكثر من سبعة عقود مضت، مخلفة وراءها ملايين القتلى والمشردين، ومجاعة وفقرا في بلد غني بالثروات.

منذ إعلان استقلاله عام 1956؛ ظل البلد العربي يصطلي بنار الحروب حتى يومنا هذا، لأسباب مختلفة، منها بذريعة التهميش، وأخرى في إطار الصراع على السلطة، لكن أبرزها تلك التي اندلعت بين الشمال والجنوب سعيا للانفصال.

ويعيش السودان صراعا داميا مستمرا بين قوات الجيش التي يترأسها عبد الفتاح البرهان، وخصمه، محمد حمدان دقلو حميدتي، قائدق قوات الدعم السريع منذ الـ15 من نيسان/ أبريل الماضي.

وفي ما يأتي أبرز الحروب الأهلية التي شهدتها السودان منذ الاستقلال:

حرب السودان الأهلية الأولى (1955- 1972)

تعرف أيضا باسم أنانيا (أي سم الأفعى) أو تمرد أنانيا ودار الصراع بين عامي 1955 و1972 بين الجزء الشمالي من السودان والجزء الجنوبي، للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي الإقليمي.

‌يعتقد أن ضحايا هذه الحرب خلال 17 عاما من الحرب بلغ أكثر من نصف مليون، وانتهت بتوقيع اتفاق أنهى القتال، لكنه فشل تماما في تبديد التوتر الذي تسبب في نشوب الحرب الأهلية الثانية.

جذور النزاع

أدارت الحكومة البريطانية بالتعاون مع الحكومة المصرية جنوب وشمال السودان كمناطق منفصلة عن بعضها البعض، حتى عام 1946. في هذا الوقت، تم دمج المنطقتين في منطقة إدارية واحدة كجزء من الاستراتيجية البريطانية في الشرق الأوسط.

في كانون الثاني/ يناير 1956 أعلن السودان الاستقلال، إلا أن ذلك لم يعجب الجنوبيين الذي كانوا يطمعون في الحصول على قدر كبير من الحكم الذاتي.

بدأ متمردون تدريجيا منذ عام 1955 بإنشاء حركة انفصالية تتكون من المتمردين الجنوبيين. هذه المجموعات شكلت جيش عصابات الأنيانيا وعرفت أيضا باسم أنيانيا. وبدأوا بشن هجمات ضد الجيش.

وانتشرت حركة الأنيانيا في اثنتين من المحافظات الجنوبية، ولاية أعالي النيل وشمال بحر الغزال. ومع ذلك، أصيبت الحركة الانفصالية بشلل داخلي جراء الانقسامات العرقية. لكن لم تتمكن الحكومة من الاستفادة من نقاط ضعف المتمردين بسبب عدم الاستقرار والانقلابات العسكرية.

في غضون ذلك واصل جنوب السودان الحرب ضد الشمال بدعم من أوغندا وإسرائيل وإثيوبيا حتى تدخل المجلس العالمي للكنائس ومجلس كنائس أفريقيا لعقد المفاوضات التي توجت بالتوقيع على اتفاق أديس أبابا في 1972، في حين سجل مقتل حوالي نصف مليون شخص في الحرب، وأجبر مئات الآلاف على ترك منازلهم.

الحرب الأهلية الثانية (1983- 2005)

الحرب الأهلية السودانية الثانية بدأت في عام 1983، ودارت معظمها في الأجزاء الجنوبية من جمهورية السودان أو في المنطقة التي شهدت إقامة جمهورية جنوب السودان عقب الانفصال.

اتهمت بريطانيا أنها أسست لهذه الحرب، فلما استعمر البريطانيون السودان، أداروا الأقاليم الشمالية والجنوبية كلا على حدة، فعومل الجنوب ليكون مماثلا أكثر لمستمعرات شرق أفريقيا الأخرى، مثل كينيا وأوغندا، بينما السودان الشمالي كان مماثلا أكثر لمصر. ومنع الشماليون من شغل مناصب في السلطة في الجنوب وكان التبادل التجاري محبطا بين المنطقتين، الأمر الذي أسس للوجود غير العربي في الجنوب.

ولكن أخيرا ضغط البريطانيون على الشماليين لدمج المنطقتين، وجعلت العربية لغة الحكم في الجنوب وبدأ الشماليون باحتلال مناصب هناك، لكن النخبة الجنوبية المترباة على الإنجليزية استاءت من التغير وسبب ذلك اضطرابات في الجنوب ظلت حاضرة حتى الانفصال.

وتعتبر هذه الحرب إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن وراح ضحيتها ما يقارب الـ1.9 مليون من المدنيين، ونزح أكثر من 4 ملايين منذ بدء الحرب، ويعد عدد الضحايا المدنيين لهذه الحرب أحد أعلى النسب في أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية.

وانتهى الصراع رسميا مع توقيع اتفاق نيفاشا للسلام في يناير 2005 واقتسام السلطة والثروة بين حكومة رئيس السودان عمر البشير وبين قائد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق.

الحرب في دارفور هي نزاع مسلح جرى في منطقة دارفور في السودان، اندلع في شباط/ فبراير 2003 عندما بدأت مجموعتان متمردتان هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة بقتال الحكومة السودانية التي تُتهم باضطهاد سكان دارفور من غير العرب. وردت الحكومة بهجمات اعتبرها المتمردون هناك حملة تطهير عرقي ضد سكان دارفور غير العرب.

‌وأدت الحملة إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين واتهم بسببها الرئيس السوداني السابق، عمر حسن البشير بارتكاب إبادة جماعية، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة العدل الدولية.

شهدت هذه الحرب ظهور مليشيا الجنجويد التي يعتقد أن محمد حمدان دقلو “حميدتي” هو وعائلته من أشرفوا على تشكيلها، وسميت لاحقا بقوات الدعم السريع التي تقود صراعا حاليا مع الجيش.

تقديرات عدد الخسائر البشرية أنه يصل إلى عدة مئات الآلاف من القتلى، إما بسبب القتال أو الجوع والمرض، فيما أجبر النزوح الضخم والتهجير القسري الملايين على الذهاب إلى مخيمات اللاجئين أو عبور الحدود، ما أدى إلى أزمة إنسانية.

وأخيرا، وقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة اتفاقا لوقف إطلاق النار في شباط/ فبراير 2010، واتفقا مؤقتا على السعي نحو السلام. ونجحت حركة العدل والمساواة إلى حد كبير في المحادثات بعد أن تمكنت من نيل شبه حكم ذاتي للمنطقة مثل جنوب السودان. ومع ذلك، فقد تعطلت المفاوضات بسبب اتهامات للجيش السوداني بشنه غارات وضربات جوية ضد إحدى القرى، في انتهاك لـ”اتفاق تولو”.

اندلعت شرارة الاحتجاجات السودانية آنذاك في مدن عطبرة وبورتسودان والدمازين والقضارف ومدن أخرى، قبل أن تنتقل إلى الخرطوم في 25 كانون الأول/ ديسمبر، بتبني تجمع المهنيين السودانيين لها وتوجيهها سياسياً وميدانياً، قبل أن تضم لها أحزابا وتحالفات سياسية وقّعت على ميثاق الحرية والتغيير، وهو التكتل الذي قاد بعد ذلك الحراك الثوري عبر المواكب والتظاهرات، واعتصام محيط القيادة العامة للجيش.

انتهت الاحتجاجات بعزل قيادة الجيش للرئيس عمر البشير من الرئاسة في 11 نيسان/ أبريل 2019، وتلا ذلك مفاوضات بين الجيش وتحالف قوى الحرية والتغيير، لبناء سلطة انتقالية تدير البلاد، إلى حين قيام انتخابات عامة، فيما سجل سقوط 90 قتيلاً.

لكن مقاليد الحكم في البلاد آلت إلى المجلس العسكري حتى يومنا هذا، بعد فشل عقد شراكة حقيقية مع القوى المدنية، وصولا إلى حكم مدني ينهي المراحل الانتقالية.

منذ 15 نيسان/ أبريل الماضي، تشهد ولايات بالسودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، خلفت مئات القتلى وآلاف المصابين وأوضاعا إنسانية صعبة.

‌واندلعت الاشتباكات بين الطرفين بعد تصاعد توترات بشأن المخطط المقترح لانتقال البلاد إلى الحكم المدني، في صراع واضح على السلطة في البلاد.

وأُسست قوات “الدعم السريع” في 2013 لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المسلحة المتمردة في إقليم دارفور (غربا)، ثم تولت عدة مهام منها مكافحة الهجرة غير القانونية عبر الحدود وحفظ أمن البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى