تحويل نهر تيستا.. أزمة مياه صامتة بين الهند وبنغلاديش
يخيم القلق على الآلاف من سكان مناطق شمال بنغلاديش بشأن فقدان مصادر رزقهم وتحمل المزيد من المعاناة بعد إعلان الهند عن خطط لزيادة نسبة تحويل مياه نهر تيستا المشترك بين البلدين.
واضطر محمد إرشاد الحق (36 عاما)، العامل في صناعة الأزياء، إلى الهجرة نحو العاصمة داكا بحثا عن العمل بعد فقدانه أرضة الزراعية في قرية بابوبارا بمنطقة رانجبور الشمالية بسبب تآكل التربة على ضفتي نهر تيستا.
ويعمل إرشاد الحق حاليا في حي حمايتبور بمنطقة ساوار الواقعة على مشارف داكا، على بعد أكثر من 300 كيلومتر من قريته الأصلية.
وقال: “انتقلت مع بعض زملائي القرويين إلى داكا بحثا عن عمل منذ حوالي عقد من الزمن، حيث أعمل بالأجرة اليومية في جر العربات بعد فقداننا العمل في بلدتنا الأصلية”.
وبالمثل، يعيش محمد حسين وإمداد الحق، في الخمسينيات والستينيات من عمرهما، قصصا مشابهة لقصة إرشاد الحق، حيث قالا للأناضول عبر الهاتف، إنهما “فقدا أراضيهم الزراعية إثر انجراف التربة بسبب الفيضانات المستمرة منذ التسعينيات”.
وقال حسين، وهو صياد عاطل عن العمل بسبب ندرة الأسماك: “هاجر ابن أخي الأربعيني والذي عاش في صيد الأسماك بنهر تيستا لعدة أجيال، إلى منطقة كوميلا جنوب شرقي داكا للعمل بالأجر اليومي”.
اتفاقية معلقة
يبلغ طول نهر تيستا 414 كيلومترا، وينبع من شرق جبال الهيمالايا مرورا بشمال بنغلاديش.
ويوجد في بنغلاديش 57 نهرا عابرا للحدود، 54 منها مشتركة مع الهند.
ومؤخرا، أقرت إدارة الري في إقليم غرب البنغال خطة لحفر قناتين إضافيتين في إطار “مشروع حاجز تيستا” لتحويل المياه للأغراض الزراعية، وفقا لتقارير إعلامية محلية.
ورغم التأكيدات المتكررة من حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لم تتمكن بنغلاديش من إجبار الهند على توقيع اتفاقية طويلة الأمد لتقاسم مياه تيستا، والتي ظلت معلقة على مدى السنوات الـ 12 الماضية.
وتواجه 11 نهراً صغيراً في المقاطعات الشمالية من بنغلاديش، والتي تعتمد على تدفقات مياه نهر تيستا، خطر الجفاف بسبب سحب المياه من أعلى مجرى النهر في الهند، في ظل غياب اتفاق عادل لتقاسم المياه بين البلدين.
تآكل وتصحر على ضفتي النهر
الناشط محمد فريد الإسلام، 55 عاما، العضو بحركة “الحفاظ على تيستا” في مقاطعة رانجبور الشمالية الغربية، وعضو في “حركة البيئة في بنغلاديش”، قال إن “نهر تيستا فقد قدرته على الاحتفاظ بالمياه وتسببت في تآكل التربة والتصحر على ضفتيه”.
وتجدر الإشارة أن النهر لم يكن يتدفق بقوة قبل التسعينيات التي بدأ معها إنشاء السدود في النهر.
وقال فريد الإسلام إن “تآكل النهر تسبب أيضا في فقر طويل الأمد” بالمنطقة الشمالية من البلاد، والذي يعرف شعبياً بمصطلح “مونغا” الذي يعني الفقر والجوع.
وأضاف أن الوضع أدى أيضا إلى الهجرة الداخلية، حيث بدأ السكان يفقدون سنويا منازلهم وأراضيهم الزراعية المتاخمة لضفتي النهر.
وأوضح فريد الإسلام أنه منذ إنشاء سد “غاجولدوبا” عند منبع النهر في الهند، بدأ شكل النهر يتغير بشكل كبير مسببا تأثيرات بيئية ضخمة.
وأضاف: “انخفض الإنتاج الزراعي بالفعل بنسبة من 30 إلى 50 بالمئة في المناطق الشمالية بسبب التصحر الناجم عن التحكم في المياه بأعلى النهر”.
وأشار الناشط البنغالي أن “المزيد من تحويل مياه النهر سيدمر المنطقة”.
وخلال موسم الرياح الموسمية تتسع مساحة عرض نهر تيستا حتى 8-10 كم كحد أقصى، بينما تتقلص إلى أقل من كيلومتر واحد وتتحول إلى صحراء في موسم الجفاف.
تصرفات “غير عادلة”
وعلى الجانب البنغالي من تيستا، لا يوجد حد أدنى لتدفق المياه في النهر، لكن يوجد فقط شواطئ رملية غير محدودة في موسم الجفاف، وفيضانات غير منضبطة في موسم الأمطار.
وقال محمد عزاز، رئيس مركز أبحاث النهر والدلتا في بنغلاديش، إن “تصرف الهند حيال تقاسم مياه الأنهار المشتركة مع دول أخرى في المنطقة مثل الصين ونيبال وبوتان وباكستان تعتبر جيدة”.
وأضاف، أن “الهند تتصرف بشكل مختلف مع بنغلاديش، وتمارس تصرفات غير عادلة”.
وأرجع عزاز تلك الممارسات غير العادلة إلى “الدبلوماسية السيئة” للهند من بنغلاديش.
لجنة مشتركة “لا تعمل”
ألقت الحكومة الهندية مرارا وتكرارا باللوم على ولاية غرب البنغال بشأن تأخر التوقيع على صفقة تيستا، لكن عزاز قال إنه يعتقد أن “الهند يمكنها تحقيق الصفقة بإرادة سياسية قوية”.
وألقى باللوم على لجنة الأنهار المشتركة (JRC) لعدم عملها في معالجة نزاع تقاسم المياه بين البلدين.
وبالمثل، تعتقد سمروتي باتانيك، الباحثة في معهد “مانوهار باريكار” للدراسات والتحليلات الدفاعية، ومقره الهند، أن اللجنة المشتركة “لا تعمل”.
وأضافت: “اللجنة المشتركة وبنغلاديش والهند لا يجتمعون بانتظام. أعتقد أن المناقشة المناسبة يمكنها أن تجلب الحل الصحيح لمعالجة تقاسم مياه تيستا”.
وأوضحت باتانيك أن الهند وبنغلاديش حلتا العديد من النزاعات الأخرى عن طريق النقاشات الثنائية، بما في ذلك سنوات من النزاعات بشأن الأراضي في بعض المواقع الحدودية.
وترى أنه رغم العلاقات الدبلوماسية الجامدة نسبيا مع باكستان، إلا أن الهند تعقد اجتماعات منتظمة للجنة الأنهار المشتركة مع باكستان، مشيرة أن نيوديلهي تقوم بممارسات “عادلة” مع إسلام أباد.
وأضافت: “لا أفهم سبب عدم وجود مثل تلك الممارسات بين الهند وبنغلاديش، على الرغم من علاقات جوار جيدة” بين البلدين.
وأشارت باتانيك إلى أن “المشكلة الرئيسية تكمن في عدم وجود إرادة سياسية قوية لحل الخلاف” من قبل الطرفين.
وقالت: “بما أن الهند وبنغلاديش تتمتعان بعلاقة ودبلوماسية جيدة منذ عام 2014، فقد حان الوقت للتركيز على تخفيف تلك المشاكل من خلال الاستفادة من الصداقة المعززة” بين البلدين.
اللجنة ترفض الادعاءات
محمد أبو الحسين، العضو البنغالي في الجنة المشتركة، قال، إن بنغلاديش طلبت من الهند في أبريل/ نيسان الماضي توضيحا بشأن خطط مشروع تحويل مياه النهر، لكن نظيره الهندي في اللجنة “لم يقدم بعد ردا رسميا”.
وأوضح أنهم “سيطرحون القضية في اجتماع اللجنة القادم في داكا في أوائل مايو/ أيار الجاري”.
وقال حسين إنه اللجنة المشتركة تحدد فقط “حصة عادلة دون ضرر” على الآخرين في توزيع مياه النهر، لكن لا يوجد تحديد أو تعريف لمصطلح “الحصة العادلة” فيما يتعلق بكمية المياه المشتركة في النهر.
وخالف أعزاز رأي حسين، قائلاً إن “القانون الدولي يضمن بشكل جيد جدا حصة عادلة من المياه في أي نهر مشترك أو دولي”.