مع تصاعد المقاومة المسلحة.. هل يشن الاحتلال عدوانا موسعا على الضفة الغربية؟
ما بين أهداف سياسية للهروب من أزمات تصدعات الائتلاف الحاكم، وأهداف عسكرية على وقع تنامي المقاومة المسلحة وتقديرات الأجهزة الأمنية بتصاعد العلميات، أجرت الأجهزة الأمنية مناقشات بشأن احتمال شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية المحتلة.
لم تحسم هذه المناقشات قضية منح قوات الاحتلال الضوء الأخضر لبدء العلمية العسكرية، بيد أن هناك توافقا بين المؤسستين الأمنية والعسكرية على ضرورة النظر في تغيير السياسة العسكرية في الضفة، وهو ما تبناه جهاز الأمن العام “الشاباك”.
ورغم الإجماع الإسرائيلي على تغيير السياسة الأمنية العسكرية في الضفة، فإن وزير الأمن يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي لم يحسما قرارهما بشأن سيناريو شن عملية عسكرية واسعة هناك، على غرار عملية “السور الواقي” السابقة في الضفة، التي جرت بين 29 مارس/آذار و10 مايو/أيار 2022.
ومنذ مطلع عام 2023 حتى مايو/أيار الجاري، قُتل 19 إسرائيليا وأصيب نحو 100 بجروح متفاوتة في عمليات للمقاومة الفلسطينية نفذت غالبيتها في الضفة الغربية، في حين كشف رئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” رونين بار عن إحباط أكثر من 200 عملية في الفترة نفسها.
فقدان السيطرة
في ظل تنامي المقاومة المسلحة والحديث عن إمكانية شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية شاملة بالضفة، أصدر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب تقدير موقف تحت عنوان “الساحة الفلسطينية.. التوجه نحو الدولة الواحدة والفوقية اليهودية”.
وحذر تقدير الموقف من إمكانية أن تسود الفوضى بالضفة، وفقدان السيطرة من قبل السلطة الفلسطينية، والقضاء على تطلعات الفلسطينيين إلى الحرية والاستقلال عن طريق ضم الضفة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
ووفقا لتقدير الموقف، فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة والدينية والحريدية التي تشكل الائتلاف الحكومي -وخصوصا “عظمة يهودية” برئاسة إيتمار بن غفير وتحالف “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش- تشرع وتقوم بإجراءات وتفرض وقائع بالضفة والقدس تحول دون إمكانية التوصل لأي تسوية سياسية مع الفلسطينيين.
وحسب مركز أبحاث الحكومة، فإن ممارسات ونهج أحزاب الائتلاف في حكومة بنيامين نتنياهو بالمضي في إجراءات ضم المناطق (ج) وفرض السيادة عليها، والتسامح مع اعتداءات المستوطنين وعنفهم، وتعزيز الحوكمة الإسرائيلية بالقدس الشرقية، تتسبب في استفزاز الفلسطينيين وسلبهم حتى تطلعاتهم الوطنية والقومية وإجبارهم للعيش داخل كانتونات تحت حكم إسرائيل.
استحالة الحسم
من ناحيته، يرى مراسل الشؤون العسكرية والأمنية للقناة 13 الإسرائيلية أور هيلر أن “المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تقف عاجزة عن توفير الإجابة لهذه التساؤلات، خصوصا في ظل التنامي غير المسبوق للعلميات المسلحة والإنذارات”.
وعزا مراسل الشؤون العسكرية عدم توفر الأجوبة الحاسمة من الأجهزة الأمنية بشأن دور الحملات العسكرية في القضاء على المقاومة بالضفة إلى ورود عشرات الإنذارات يوميا عن مخططات لتنفيذ عمليات مسلحة.
ولفت إلى أن معالم وملامح العلميات التي نفذت تضع الأجهزة الأمنية قبالة معضلة بشأن كيفية مواجهة المقاومة التي تتسع في الضفة، خصوصا أن الحديث يدور عن نشاط حركي وتنام لمجموعات مسلحة محلية في كل بلدة فلسطينية، وهو ما يخلق حالة لانتفاضة مسلحة تتخطى العلميات الفردية المعتادة.
وأشار إلى أن المجموعات المحلية تعمل بأسلوب يختلف عن الفصائل التقليدية، إذ يواصل الأصدقاء تجنيد بعضهم بعضا والحصول على السلاح، ومن ثم الخروج وتنفيذ عمليات إطلاق نار والانسحاب وكأن شيئا لم يحدث.
وفي مؤشر لعجز الاحتلال عن مواجهة المجموعات المسلحة واستحالة الحسم ومنع العلميات المسلحة، يأتي الحديث عن سيناريو إقدام الجيش والأجهزة الأمنية على عملية واسعة في الضفة.
ومع عودة المناقشات الأمنية لسيناريو شن عملية عسكرية واسعة بالضفة، أوضح هلير أن قائد منطقة المركز في جيش الاحتلال اللواء يهودا فوكس أمر بإقامة فرقة عسكرية جديدة بالضفة تنشط إلى جانب فرقة الضفة التي يقودها العميد أفي بلوت.
يأس وإحباط
وحسب المحلل العسكري يؤاف ليمور، فإن الواقع في الضفة الغربية “أكثر عنفا وخطورة مما كان عليه في أي وقت خلال الـ20 عاما التي انقضت عقب عملية الجدار الواقي، فكمية الأسلحة في الضفة لا يمكن تصورها، نتيجة للتهريب بالجملة، وكذلك العلميات المسلحة، مقابل تقويض السلطة الفلسطينية وتراجع قوتها”.
وأوضح ليمور أن واقع تنامي العلميات في الضفة وتعزيز دور الفصائل المسلحة ونشاطها يُترجم إلى قدر مخيف من العلميات والإنذارات التي تقدر بالعشرات، وعليه يمكن تفهم أحيانا حالة اليأس والإحباط بالجانب الإسرائيلي عقب الإخفاق في منع العلميات المسلحة.
وإذا كان الجيش والأجهزة الأمنية في حالة استعداد لعملية عسكرية واسعة في الضفة، فإن المحلل العسكري يعتقد أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تنشط بالضفة وحاضرة على مدار الساعة هناك، وتنفذ العلميات كما حدث في عمليات الاغتيال في نابلس التي “تعكس مزيجا من الذكاء البشري والتكنولوجي مع جرأة عملياتية”، على حد وصفه.
مخاوف جمة
حتى العام الماضي، يقول ليمور إن “إسرائيل كانت قادرة على الحفاظ على مستوى مقبول من العلميات المسلحة، مما حال دون الاضطرار إلى شن عملية واسعة النطاق في الضفة الغربية”.
لكن موجة العلميات المسلحة، التي بدأت أوائل عام 2022 وتصاعدت في الأشهر الأخيرة، أدت إلى عودة فكرة شن عملية عسكرية واسعة وشاملة بالضفة لطاولة النقاش لدى الأجهزة الأمنية، إذ يفكر الجيش الإسرائيلي في شن عملية عسكرية في الضفة.
وأوضح المحلل العسكري أنه تم اختبار هذه الفكرة وفحصها بالفعل العام الماضي، ولكن تم رفضها، واليوم “أصبحت الظروف أقل ملاءمة من وجهة نظر إسرائيل، وذلك بسبب المخاوف والهواجس من توحيد الساحات، مما يعني أن عملية واسعة ودموية في الضفة ستؤدي حتما إلى تصعيد في غزة أيضا، وربما على الحدود الشمالية”.