تعدادهم أكثر من مليونين.. هل يُرحل لبنان السوريين قسرا رغم المخاطر التي تنتظرهم؟
بين إصرار الجهات الرسمية اللبنانية على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ورفض قطاع واسع من الشعب للعودة غير الطوعية، يتصاعد السجال في لبنان، ففي الوقت الذي يصر مسؤولون وأحزاب وقوى محلية على مطلب إعادتهم في ظل الأزمات الاقتصادية المتصاعدة، تحذر جمعيات ومنظمات محلية ودولية من هذه “العودة غير الطوعية”.
فمنذ أيام، تصاعدت الحملات الإعلامية والبلدية والسياسية والحزبية الداعية لترحيل السوريين، وبلغت مستوى الدعوات للتظاهر، فأصدر وزير الداخلية بسام المولوي كتابا منع بموجبه مظاهرتين، الأولى لدعم اللاجئين السوريين والثانية مضادة لها، خوفا من إشكالات أمنية.
وتفاعلت القضية مع ترحيل السلطات الأمنية نحو 50 سوريا دخلوا لبنان خلسة عبر المعابر البرية غير النظامية، وجرى وضعهم خارج الحدود، ودعت بعض البلديات السوريين المقيمين لتسجيل أسمائهم لديها، وطالبتهم بإحضار جميع الأوراق الثبوتية للتأكد من مطابقتها لشروط الإقامة، وكل من يتخلف “يعتبر مقيما غير شرعي وسيتم ترحيله”.
عمليا، ترتبط إجراءات السلطات اللبنانية بقرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر في 15 أبريل/نيسان 2019، والقاضي بترحيل السوريين الداخلين خلسة، بينما ترى منظمات حقوقية القرار لا يراعي شروط العودة الآمنة، ويعرض السوريين لخطر التعذيب والاضطهاد.
إجراءات الحكومة
وعلى إثر التطورات، عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعا حكوميا الأربعاء الماضي، ضم مسؤولين أمنيين، واتخذ إجراءات ليست الأولى من نوعها، كان أبرزها:
- الطلب من المفوضية تزويد وزارة الداخلية بالمعلومات الخاصة بالنازحين السوريين.
- إسقاط صفة النازح عن مغادري الأراضي اللبنانية.
- الطلب من الأجهزة الأمنية ملاحقة المخالفين ومنع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية.
- الطلب من الدول الأجنبية تحمل أعباء النزوح السوري.
- الطلب من وزارة العمل والأمن العام التشدد بمراقبة العمالة السورية.
- الطلب من وزير العدل البحث بإمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية، مع مراعاة الاتفاقيات المتصلة.
والصيف الماضي، أعلنت الحكومة عن خطة لإعادة السوريين إلى بلادهم، تسلمها الأمن العام، ونفذ القليل من رحلات قوافل العائدين، لكنها فشلت لعدم إقبال السوريين عليها.
وتستند الحكومة بخططها إلى عدم توقيع لبنان اتفاقية اللجوء الدولية سنة 1951. لذا، يمنح لبنان، السوريين صفة “نازحين” وليس “لاجئين” مما يحرمهم من حقوقهم كالحماية من الترحيل.
ويدخل آلاف السوريين لبنان عبر عشرات المعابر البرية غير النظامية الممتدة على طول الحدود بقرى متداخلة جغرافيا، وينشط عليها سماسرة وشبكات للمهربين بين البلدين.
مسيرة في #طرابلس، رفضا لترحيل السوريين 👇 pic.twitter.com/k5GOiRuSmo
— Newsalist (@newsalist) April 28, 2023
موقف المفوضية
كان لبنان من أوائل الدول العربية التي لجأ السوريون إليها، بعد اندلاع الثورة ضد نظام الأسد عام 2011، وأصبحت تضم أعلى نسبة لجوء سوري عالميا مقارنة بمساحته وعدد سكانه (نحو 6 ملايين نسمة) وقدر الأمن العام اللبناني مؤخرا عدد السوريين بمليونين و80 ألف لاجئ، معظمهم لا يملك أوراقا نظامية، ويوجد نحو 3100 مخيم عشوائي، ومعظمها بالبقاع والشمال.
وفي حديث خاص مع الجزيرة نت، تقول ليزا أبو خالد المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “يو إن إتش سي آر” (UNHCR) إن مناقشات جرت مع الجانب اللبناني الخميس الماضي حول آليات تبادل المعلومات عن اللاجئين السوريين، معبرة عن قلقها البالغ من تقارير ترحيلهم قسرا.
ومطلع أبريل/ نيسان الجاري، برز خلاف بين وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية والمفوضية السامية حول القيمة المالية للمساعدات التي تنوي زيادتها للاجئين السوريين، واعتبر كثيرون أن قيمتها تتجاوز راتب موظف لبناني عام، بعدما لامس سعر صرف الدولار 100 ألف ليرة، علما بأن المفوضية شطبت آلاف الأسر من مساعداتها مؤخرا بفعل نقص التمويل.
وهنا، توضح المتحدثة الأممية أن المبلغ المقدم من المفوضية للاجئين الأكثر ضعفا هو مليونان و500 ألف ليرة للعائلة (نحو 26 دولارا) ويقدم برنامج الأغذية العالمي مليونا و100 ألف ليرة (11.5 دولارا) للفرد (وبحد أقصى 5 أفراد للعائلة) أي “الحد الأقصى للمساعدات للأسرة السورية شهريا 8 ملايين ليرة (نحو 83 دولارا)”.
وقالت ليزا إن المساعدات تقدم بالليرة، وليس بالدولار كما يتناقله الإعلام، “وتجري المناقشات حول دولرة المساعدات مستقبلا” مشيرة إلى أن المفوضية تلحظ زيادة عدد المداهمات الأمنية، وحتى الشهر الحالي “علمت بنحو 14 مداهمة بجبل لبنان و”تتلقى تقارير عن سوريين محتجزين بهدف ترحيلهم، ومنهم مسجل لدى المفوضية”.
ومن مطلع 2023 حتى نهاية مارس/آذار الماضي “تحققت المفوضية من عودة 3261 لاجئا إلى سوريا و”منذ 2016، تحققت من نحو 83 ألفا و500 حالة عودة، وهي لا تعكس العدد الكامل للعائدين، وربما أعلى بكثير”.
وبحسب المتحدثة، يقول غالبية اللاجئين السوريين للمفوضية إنهم يريدون العودة، ولكن النوايا مرتبطة بوضعها، وهم قلقون بشأن السلامة والأمن والسكن وتأمين الخدمات الأساسية وسُبل العيش، موضحة أن “الأمم المتحدة تعمل مع كافة المعنيين، من الحكومة السورية والدول المضيفة، لمعالجة العقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة”.
تداعيات اقتصادية وحقوقية
يقرّ الخبير الاقتصادي منير يونس أن ثمة ضغوطا اقتصادية وعلى البنى التحتية نتيجة اللجوء السوري في لبنان، ويقول للجزيرة نت إن السوريين لا يدفعون الضرائب والرسوم رغم ضخامة أعدادهم، محملا الحكومات وأرباب العمل اللبنانيين المسؤولية “لأن التهرب الضريبي ساهم بالواقع في استغلالية للعمالة السورية كيد عمل رخيصة، وتعززت الحساسيات بين اللبنانيين والسوريين”.
ويعتبر يونس أن العمالة السورية أضحت حاجة للسوق اللبناني، وثمة مهن يشغلها السوريون غالبا مثل ورش البناء والزراعة والصيانة وأسواق البالة والخضار، لافتا إلى أن الحكومة تركت المخيمات عشوائية بلا إدارة وتنظيم، رغم مليارات الدولارات التي وصلت لدعمه في ظل اللجوء بمشاريع لم تبصر معظمها النور.
ومع تصاعد الحملات التي أعطت القضية منحى طائفيا وديموغرافيا، يحذر مدير المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر من خطورة ما يحدث بتضليل الرأي العام، وإيهام اللبنانيين أن أزماتهم السياسية والاقتصادية والمعيشية سببها اللاجئون السوريون.
ويقول الأسمر في تصريح للجزيرة إن التعاطي السائد يضع ضحايا الحرب والأزمات بوجه بعضهم من لبنانيين وسوريين، عبر “الخطاب التخويفي والتحريضي”.
اهل طرابلس في شمال #لبنان يتظاهرون للمطالبة بعدم ترحيل اللاجئين السوريين ورفض قرار حكومتهم .
أليس ذلك دليل على نخوتهم وعزتهم؟
دائما الشعوب تناصر قضيتنا وتتمنى لثورتنا العظيمة ان تحقق كامل أهدافها بينما زعماء العروبة هم من خذل قضيتنا .#شكرا_طرابلس pic.twitter.com/3mS9SHKFFs— المركز السوري لإستقصاء الجرائم (@avocat_ali) April 29, 2023
أين النظام؟
عمليا، لا يتجاوب نظام الأسد مع ملف اللجوء، ولم تحمله السلطات اللبنانية رسميا مسؤولية مباشرة لهذا الواقع، ويعتبر الأسمر أن النظام السوري هو المستفيد الأول “إذ لا رغبة لديه بعودة السوريين مع العمليات العسكرية وسعيه في مناطق لإحداث تغييرات ديموغرافية”.
توازيا، تعتبر المحللة السياسية روزانا بو منصف أن إثارة ملف اللجوء بهذا الزخم من أسبابه الخوف من الانفتاح العربي على بشار الأسد مما يدفعه لاستثمار الملف سياسيا وبالتفاوض مع العرب والمجتمع الدولي “وقد يأخذ مدى زمنيا طويلا”.
وتعتقد بو منصف -في تصريح للجزيرة نت- أن القوى اللبنانية تدرك أن الأسد لا يرغب بإعادة السوريين بلا تسوية شاملة، ناهيك أن حزب الله (اللبناني) الذي انخرط بالحرب معه، وما زال، لا يبذل جهودا بالمساعي بين البلدين.
وأشارت إلى أن للمجتمع الدولي “حسابات سياسية بالتعامل مع الأسد الذي سيبتزهم لأقصى أحد” معبرة عن خشيتها من تفاقم الصراع حول قضية اللاجئين مقابل غياب العمل على خطة وطنية شاملة لحلها.