لهيب الحرب يصل لعمليات الولادة.. الأزمة الصحية تهدد نساء السودان
حال نجح السودانيون ذات يوم في نسيان أهوال الحرب التي دمرت العاصمة الخرطوم، فلا يمكنهم بأي حال تناسي مشاهد تلك السيدة التي وصلت بصعوبة تحت الرصاص والقصف إلى مستشفى الولادة وهي تكابد آلام المخاض، وقبل أن يتمكن مرافقوها من إنزالها عاجلتها رصاصات أودت بحياتها هي ووالدها الذي كان بجانبها.
تحت أصوات الانفجارات والرصاص، لم يكن أمام الأطباء المذهولين من سبيل سوى إخراج الطفل الذي طل على الحياة، دون أن يحظى بحضن أمه، ودون أن يتمكن جده من إسماعه صوت الأذان.
تلك السيدة التي هزت فاجعتها السودانيين كانت واحدة من بين 220 ألف امرأة حامل في العاصمة الخرطوم، منهن 24 ألفا على وشك الولادة، لكن حياتهن وحياة مواليدهن معرضة للخطر.
ولادة مبكرة
أدى القتال العنيف الذي اندلع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان الجاري، إلى إغلاق 60% من المنشآت الصحية في الخرطوم، كما تعرضت 14 مستشفى للقصف، وتوقف عن العمل نحو 72% من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات، وفقا لنقابة أطباء السودان.
في هذا السياق، يقول طبيب في أحد مستشفيات الخرطوم إنهم استقبلوا عدة حالات ولادة مبكرة في الأيام الأولى للحرب، نتجت عن حالة الخوف الشديد التي انتابت السيدات جراء أصوات القصف والقذائف والرصاص المتطاير قرب المنازل وداخلها.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار الطبيب السوداني إلى أن المستشفى الذي يعمل فيه وسط الخرطوم تعرض لهجوم وقصف أثناء وجود بعض الحوامل، ما فاقم من أوضاعهن قبل التمكن من إخراجهن بعد تلقي الإسعافات اللازمة.
قصة منتصر
من القصص المؤثرة التي حصدت تفاعلات واسعة وتداولها رواد مواقع التواصل خلال الأيام الماضية، قصة مجموعة من الأطباء المتطوعين الذين ساعدوا سيدة وصلت المستشفى وسط تعقيدات أمنية بالغة، ولم تتمكن من مغادرة السيارة، ليُسرع الأطباء لمساعدتها بتركيب المحاليل عبر النافذة، إلى أن وضعت طفلا ترك والده للأطباء اختيار اسمه إكراما لهم فأطلقوا عليه “مُنتصر”.
تقول سارة مصطفى (35 عامًا)، وهي حامل في شهرها السابع بطفلها الأول للجزيرة نت، إنها استطاعت مغادرة الخرطوم إلى مدينة “الحصاحيصا” على بعد 136 كيلومترا تقريبا رغم احتمال تعرضها للإجهاض إن لم يكن القتل، في سبيل الحصول على وضع آمن.
ومع إعلان عشرات القابلات عبر وسائل التواصل استعدادهن لتقديم مساعدات للنساء الحوامل بوضع أرقام الهواتف وتحديد أماكن إقامتهن لتسهيل التواصل حال أي طارئ، تبدي سارة امتنانها لهذه الخطوة، وتصفها بالنبيلة وقد تسهم في إنقاذ حياة عديد من الحوامل.
لكنها تُشدد في الوقت ذاته على أن الولادة الآمنة ينبغي أن تتم في المستشفيات، خاصة أن الحمل يتطلب متابعة دورية لا تتوفر حاليًا في الخرطوم، كما أن الولادة قد يصحبها مضاعفات خطيرة تستوجب تدخلا طبيا لا توفره القابلات بإمكانياتهن البسيطة.
تأمل سارة في ولادة آمنة بمستشفى “الحصاحيصا”، لكن حظها لم يحالف أخريات، بينهن زوجة وليد الطاهر الذي يقول إنها حامل في شهرها التاسع، ولا تستطيع الحركة حيث يتوقع ولادتها خلال أيام.
ويُفكر الطاهر في الابتعاد عن حي المهندسين في أم درمان -يقع بمواجهة مقر للجيش- إلى منطقة الكدرو بالخرطوم بحري بوصفه أحد الأحياء الآمنة نسبيا، لكنه لا يملك المبلغ الكافي لسداد تكاليف الرحلة مع تضاعف أسعار النقل بسبب انعدام الوقود.
ويتحدث الطاهر للجزيرة نت قائلا إن كل ما يتوافر لديه من أموال وضعها في حسابه البنكي لمواجهة تزايد تكاليف الحياة حاليا، لكن المواجهات المسلحة أدت لإغلاق المصارف وتوقف المعاملات البنكية، كما تعطلت تبعا لذلك التطبيقات على الهواتف وتوقفت بطاقات الصرف الآلي وجميعها عوامل تفاقم المعاناة، ومع ذلك يثق الطاهر في لطف الله، وأنه سيأخذ بيده ويد زوجته وسيعبران هذه المحنة.
كارثة صحية
ومنذ اندلاع الاشتباكات العنيفة، لقي 11 طبيبًا مصرعهم من بين حوالي 459 مدنيًّا، وهو ما لا يشجع العديد من الأطباء على الدوام بالمستشفيات، بجانب مشكلات تتعلق بصعوبة التنقل الآمن وانتشار عمليات النهب جميعها تعيق وجود الأطباء في المراكز العلاجية.
ودفعت صعوبة الوصول إلى المستشفيات عددا من الأطباء إلى بث نصائح طبية في مواقع التواصل لتخفيف حدة آلام المرضى، فيما أبدت عشرات القابلات استعدادهن للمساعدة الميدانية في توليد النساء في المنازل، وهذا الاستعداد عادة ما يُرفق بأرقام الهواتف لتأكيد جديتهن.
تقول المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان ليلي بكر، إن هنالك 200 ألف امرأة حامل في ولاية الخرطوم بينهن 24 ألف امرأة على وشك الولادة.
وتشير ليلى بكر، في مقابلة نشرت على موقع الأمم المتحدة، إلى أن الوضع القائم والقتال في الخرطوم لا يسمح لوكالات الأمم المتحدة بالتدخل المباشر، وتردف “لكن لدينا خطا سريعا يمكن الاتصال عبره بخدمة طبية وتلقي التعليمات اللازمة للولادة الآمنة طالما لا يوجد أي نوع من التأثير السلبي على حياة الطفل أو الأم”.
وبعيدا عن الصراع المسلح الحالي، يصنف السودان كواحد من الدول التي ترتفع فيها معدلات الوفيات أثناء الولادة، خاصة في مناطقه الحدودية حيث تقل الرعاية الطبية ويصعب وصول السيدات للمستشفيات، كما تلعب قلة تدريب القابلات دورا في التعامل مع الحالات الطارئة بالمناطق النائية.
وتشكو كذلك عديد من العائلات إهمال الكوادر الطبية للحالات وقلة الخبرة في التعامل معهن وتعريضهن لأخطاء طبية، ما يؤدي في كثير من الأحيان لفقدانهن حياتهن حتى داخل مستشفيات كبيرة بالخرطوم.