من نظام مارق إلى دولة في حاجة للمساعدة.. 4 أسباب لاهتمام أميركا الكبير بما يجري في السودان
فور اندلاع القتال صباح يوم السبت الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بدأت إدارة الرئيس جو بايدن تحركات أميركية سريعة تهدف لوقف القتال.
ويشير الموقف الأميركي إلى تغير في توجّه واشنطن نحو السودان بعد سنوات طويلة لم يمثل السودان فيها دولة ذات أهمية جيوإستراتيجية كبيرة لمصالح أميركا في المنطقة، بل كان مصدرا للقلق الأميركي.
وزاد الاهتمام الأميركي بالشأن السوداني بعد انهيار نظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019، حيث تفاءلت واشنطن بما حققته عملية الانتقال الديمقراطي من نجاح مقبول، حتى إعلان قائد مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني إجراءات أكتوبر/تشرين الأول 2021.
واهتزت بعض آمال واشنطن في نجاح السودان في التحول من نظام حكم عسكري له علاقات وثيقة بروسيا والصين، ويعادي الدول الغربية وأميركا اللتين اعتبرتاه نظاما مارقا، إلى نظام ديمقراطي جديد يلعب فيه المدنيون والليبراليون دورا مركزيا، وتتمتع فيه واشنطن بالكثير من النفوذ. وفي أغسطس/آب 2022، وصل إلى الخرطوم السفير جون غودفري ليكون أول سفير لأميركا في السودان منذ أكثر من ربع قرن.
وعلى الرغم من عدم تطرق الرئيس جو بايدن شخصيا إلى الشأن السوداني بعد، فإن وزير الخارجية توني بلينكن يقوم بدور دبلوماسي كبير في السعي نحو وقف إطلاق النار، وتحدث بلينكن مع نظرائه في السعودية والإمارات، وعدد من الدول الأوروبية، لتنسيق الجهود الإقليمية والدولية لوقف القتال بين الأطراف السودانية.
وتحدث بلينكن بشكل منفصل مع كل من رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وشدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن “الشعب السوداني يريد أن يعود الجيش إلى الثكنات وأن ينعم بالديمقراطية وبحكومة ذات قيادة مدنية”.
كما عبّر قادة مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين في بيانات مستقلة عن ضرورة وقف القتال، وعودة المسار التفاوضي بين الفرقاء السودانيين.
توتر لعقود
كان التوتر عنوان العلاقات التي جمعت الخرطوم بواشنطن على مدى العقود الأخيرة، وخاصة أثناء سنوات حكم الرئيس السابق عمر البشير، وتفاءلت واشنطن بسقوط نظام البشير، واعتبرته تطورا هاما وفرصة لتوسيع نفوذها في منطقة هامة بشرقي أفريقيا، حيث استطاعت روسيا والصين التقدم على الولايات المتحدة سواء في النواحي التجارية والاقتصادية، أو في الجوانب الإستراتيجية والعسكرية.
وتاريخيا لم تكترث واشنطن كثيرا رسميا أو إعلاميا بالتطورات السودانية، ثم تغيّر الأمر بعدما انتقل الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن إلى الخرطوم في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، وبقي الاهتمام الأميركي محصورا في ملف مكافحة الإرهاب.
وفرضت الكثير من العقوبات الأميركية على السودان ونظام البشير والذي صنفته واشنطن دولة راعية للإرهاب عام 1993، من جانب آخر كان هناك اهتمام بين بعض دوائر واشنطن اليمينية المحافظة بسعي جنوب السودان للانفصال، وهو ما تم دعمه إلى أن تحقق عام 2011.
ومنذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير قبل 4 أعوام، حاولت الولايات المتحدة مساعدة السودان للعودة للمجتمع الدولي بعدما رفعت العقوبات الاقتصادية عنه، وشجعت صندوق النقد والبنك الدوليان على استئناف دعمه، كما أزاحته من قائمتها للدول المؤيدة للإرهاب عام 2020.
ويعود اهتمام واشنطن بالشأن السوداني إلى عوامل مختلفة من أهمها 4 يمكن سردها على النحو التالي:
أولا: مخاوف من فوضى تؤدي لمهادنة الجماعات الإرهابية
أعادت مشاهد القتال في شوارع الخرطوم والعديد من النقاط الإستراتيجية في عموم السودان، مثل المطارات والقواعد العسكرية، شبح الفوضى والحروب الأهلية، وأحيت هذه المشاهد عند الكثير من الخبراء الأميركيين مخاطر انزلاق السودان للفوضى، خاصة مع اعتقاد الكثير من الخبراء أن السودان لا يتمتع بوجود قطاع أمن كفء ومهني.
وتخشى واشنطن انزلاق السودان ليصبح دولة منهارة، مما يسمح بخلق فرص للجماعات الإرهابية لاتخاذ السودان مركزا لأنشطتها كما كان الحال أثناء فترة وجود الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، “والإرهابي الفنزويلي كارلوس” في تسعينيات القرن الماضي.
ثانيا: الرغبة في تحول السودان لدولة ديمقراطية
انخرطت إدارة بايدن بعمق في الجهود الرامية إلى نقل السودان نحو حكومة مدنية بعد سقوط حكم البشير، وعينت عددا من المبعوثين الخاصين للقرن الأفريقي، وفي العام الماضي عيّنت جون غودفري سفيرا في الخرطوم لأول مرة منذ ربع قرن.
وعندما تشكلت حكومة عسكرية مدنية بعد الإطاحة بالرئيس البشير في أبريل/نيسان 2019، أزالت واشنطن السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وبدأت في رفع العقوبات، لكن بعد إجراءات قائد الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ألغت الولايات المتحدة نهج “الجزرة” وهددت بالعودة إلى “العصا”، كما يشير السفير ديفيد شين مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن.
وبدأت واشنطن من خلال عضويتها في اللجنة الرباعية مع المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في تشجيع الأطراف السودانية على قبول اتفاقية الإطار، وتعتقد واشنطن أن اندلاع القتال بين الفصيلين العسكرييْن الرئيسيين في السودان يُفشل جهودها لإعادة السودان إلى حكومة مدنية.
ثالثا: صراع الدول الكبرى على النفوذ
يقع السودان على حدود 7 دول أفريقية إضافة لساحل ممتد على البحر الأحمر بطول يبلغ نحو 720 كيلومترا، ويعد البحر الأحمر شريانا حيويا للتجارة العالمية المارة من قناة السويس، خاصة النفط والغاز، ومؤخرا تضاعف الاهتمام الأميركي بقضية أمن البحر الأحمر، وبدا ذلك ظاهرا في قيادتها قوة بحرية مشتركة مع الكثير من حلفائها لتأمين الملاحة في البحر الأحمر ضد أي تهديدات من جانب دول أو جماعات مارقة.
في الوقت ذاته، أدركت كل من بكين وموسكو منذ مدة طويلة الأهمية السياسية والعسكرية والاقتصادية للسودان ضمن إطار أوسع لاغتنام الفرص لتوسيع نفوذهما عبر القارة الأفريقية، وأصبح توغل النفوذ الصيني الاقتصادي، والنفوذ الروسي الأمني، في السودان مصدر قلق متزايد لصانعي السياسة الأميركيين.
ووسعت روسيا نفوذها داخل السودان، وركزت بشكل عام على مبيعات الأسلحة والتدريب العسكري عن طريق شركات شبه عسكرية روسية على شاكلة شركة “فاغنر”، إضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية والوصول إلى المعادن، ولا سيما اليورانيوم والبلاتين، كما ظهرت تقارير تشير لعرض السودان استضافة قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر.
يذكر أن النفوذ الروسي ظهر في نمط تصويت السودان في الأمم المتحدة في القرارات المتعلقة بالحرب الروسية في أوكرانيا، حيث لم يؤيد القرارات المناهضة لروسيا.
رابعا: إطار إقليمي أوسع
تقليديا لم تمثل منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا أهمية كبيرة للولايات المتحدة قبل تفجير سفارتيها في كينيا وتنزانيا، وتخشى واشنطن أن يؤدي انتشار عدم الاستقرار في تلك المنطقة، وتأثير ذلك على أمن المدخل الجنوبي للبحر الأحمر إضافة لانتشار الإرهاب بسبب عدم الاستقرار في الصومال واليمن، إلى تهديد المصالح الأميركية الأكبر.
ودفع كل ما سبق واشنطن للتركيز على هذه المنطقة الحيوية خلال السنوات الأخيرة، إذ ترى أن استقرار منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا يخدم مصالحها الأمنية، ولهذا سعت واشنطن إلى دعم الجهود المشتركة الهادفة إلى تخفيف حدة الأزمات الإنسانية والفقر المتوطن ومكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي، وظهر ذلك في اهتمامها الكبير بالحرب الأهلية في إثيوبيا وفي نزاع سد النهضة على مياه نهر النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأخيرا في قضية التحول الديمقراطي في السودان.