وهل يكفي إسلام العبادات؟
توفيق محمد
إنها تلبس على رأسها منديلا، ولكن ما دون ذلك تلبس ما يعرف بـ “التونيكا”- وهي تنورة تصل إلى الركبتين- وبنطلونا، ولكنها تصلي وتصوم وتتصدق.
انها تلبس على رأسها منديلا، ولكن ما دون ذلك وجه مزين بكل أنواع الزينة كأنك أمام لوحة رسام، وتحته “التونيكا” والبنطلون، ولكنها تصلي وتصوم وتتصدق.
انها تلبس على رأسها منديلا، ولكن ما تحت ذلك لباس مفصل لكل الجسم، ولكنها تصلي وتصوم وتتصدق، والظاهرة واسعة الانتشار.
إنها لا تلبس على رأسها منديلا ولباسها كما ذكرنا أعلاه لكنها تصلي وتصوم وتتصدق. إنه يصلي ويصوم ويتصدق ويشارك في أعمال الخير والبر، لكنه شاب له علاقة مع فتاة وربما فتيات ويكلمها عبر الهاتف وتكلمه، وربما يحين موعد الصلاة وهما يتحادثان فيقطعان ويصليان ثم يستأنفان.
إنه يصلي ويصوم ويتصدق ويشارك في الخير والبر لكنه متورط في عوالم، الله أعلم بالشر الكامن بها سواء في عالم الربا أو غير ذلك.
لا شك أن من تصلي وتصوم وتتصدق تفعل ذلك بدافع الإيمان بالله، والإيمان بفرضية الطاعة التي تؤديها من صلاة وصيام وبالأجر العظيم للصدقة، وهي نافلة وليست فريضة كالصلاة والصيام، فما داموا يؤدون الفريضة والنافلة بدافع إيماني لا أشك بذلك فلماذا اذا لا يتممون ما افترض الله عليهم من فرائض؟ لماذا لا تلتزم هذه الأخت باللباس الذي افترضه الله عليها؟ ولماذا لا يلتزم هذا الشاب بما افترضه الله عليه؟
أولا، أنا على قناعة مطلقة أن هؤلاء الإخوة والأخوات والبنيات والأبناء فيهم من الخير والإيمان ما دفعهم الى القيام بتلك الطاعات حبا وإقبالا فليس هناك من يجبرهم على القيام بها غير إيمانهم وحبهم لله لكن.
قبل أن نجيب على السؤال أعلاه تعالوا بنا نستعرض بعضا من الإسلام “الموديرن” أو الإسلام الذي صنعه لنا أعداء الإسلام ونحاول أن نفهم الصورة من خلال ذلك ونسعى سويا مع هؤلاء الأبناء والبنيات الى تحقيق مراد الله تعالى الحقيقي منا، وليس مراد أعداء الاسلام من حيث لا ندري.
إن من اسوأ ما صدره لنا أعداء الدين المقولة التالية:
“إن الصلاة والصوم وطهارة القلب وسلامة النية وحسن التربية تغني عن الحجاب، وإن الإيمان بالله وحب الله ورسوله هو قمة التدين، والدين يسر لا عسر فيه، وهذا أيضا من أسوأ ما صدَّره العلمانيون لبسطاء الناس فصدقوهم، وهو ليس أقل من فصل الألوهية عن الربوبية، يريدون الدين علاقة عبادة شخصية بين العبد وربه تقتصر على الصلاة والصيام والحج دون الامتثال إلى أحكام الله في الناس والمجتمع، تماما كما هو وضع الديانة المسيحية أي علاقة روحية بين الخالق والمخلوق فقط شعارهم فيها “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.
ويرى قاسم أمين، وهو من نقل عنه قوله: بتأثير كبير من أعمال داروين، إنه “إذا لم يتم تحديث المصريين وفقًا للخطوط الأوروبية، وإذا لم يتمكنوا من التنافس بنجاح في النضال من أجل البقاء، فسيتم القضاء عليهم” ويرى في كتابه “تحرير المرأة” ص 80 أن الحجاب عادة عرضت على المسلمين من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها، وبالغوا فيها، وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين، والدين منها براء ولا شك ان هذا الكلام مخالف لصريح القرآن الكريم وصحيح السنة قال الله تعالى: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا”. سورة الاحزاب الاية 59.
ومن نتائج هذا الانحراف انحسار مفهوم الإسلام لدى المسلمين في معانٍ ضيقةٍ ومدلولات محدودة، وكان أشده في العقيدة والتصور، وأصبح مفهوم لا إله إلا الله مفهوما تعبديا فقط لا تعبديا وتشريعيا، ونسي المسلمون أن لا إله إلا الله تعني مطلق العبودية والحاكمية، أي الالتزام بالشريعة التي هي منظومة القوانين التي تحكم المجتمع، هي لله، وغفلوا عن قوله تعالى: “اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء”.
لقد نجح أعداء الاسلام بإدخال العبادات لحياة الأفراد وانتزاع الإسلام من حياتهم، أي أنهم أقنعوهم بأن العلاقة بين الفرد وربه هي علاقة فردية يمكن من خلالها للفرد عبادة هذا الإله كما يشاء ولن ينتهره أحد ولن يضايقه أحد، بل إن بعض هؤلاء من أبناء المسلمين الذين يروجون لهذه الأفكار يؤدون شعائر تعبدية، ولكن في نفس الوقت انتزعوا من حياتهم مفهوم الربوبية (الحاكمية).
إنَّ الله الإله هو المعبود والله الرب هو المشرع وهو صاحب الحاكمية، ويجب علينا أن نعبد الله وفق مفهوم لا إله إلا الله الذي يؤكد على معنيي الألوهية والربوبية، العبودية والحاكمية، وإلا ستبقى حياتنا يشوبها ما يشوبها من منغصات وأخطاء وهزائم ورجعية.
أيتها البنيات، ما قصدناه من هذه الكلمات هو استثارة الخير الكامن في داخل كل واحدة منكن حتى نراه واقعا يسربل حياتنا جميعا، والله يشهد اننا ما قصدنا الانتقاد لذاته انما اردنا ان نستثير في النفوس هذا الحب لله الذي جعل الجميع يؤدي بعض الطاعات ويغفل عن بعضها، ونحن نعلم مخططات اعداء الامة تلك التي سعت منذ عقود وربما قرون الى انتزاع الاسلام من حياتنا وجعله دين عبادات فقط وعلاقة فردية مع الله وهو لم يكن هكذا ابدا. إنَّ عشرات، بل مئات الجمعيات القابضة عبر البحار عملت وما تزال على ترسيخ هذه المفاهيم المغلوطة في حياة الامة من اجل انتزاع روح الاسلام منه وجعله طقوسا محصورة في حياة الافراد وزوايا المسجد.
أيتها الداعيات الى الله، إن حلقات تحفيظ القرآن للناشئة أمر جيد وممتاز والأجود منه أن تختلي لدقائق مع والدة هذا الطفل التي تحضره إليك صباحا لدرس التحفيظ حتى تقنعيها بما أوجب الله عليها من لباس ومن ثم حتى نقتنع جميعا أن عبادة الله لا تقتصر على الصلاة والصوم والزكاة والحج والصدقات بصورها الفردية إنما بمعناها الأعم والأشمل الذي يعيد الاحتكام إلى أوامر الله بكل ما أمكن لنا ذلك.
أيها الدعاة الى الله، ان ما قيل اعلاه ينطبق على شبابنا ايضا فليست الصلاة- وإن كانت عمود الدين- غاية الغايات فقط، انما وهي كذلك فإن ما تستحضره الصلاة معها من تقوى وبر واحسان وطاعات في كل شأن هي المراد وهي والمطلوب. إنه باختصار ان نعيش الإسلام الذي اراده الله لنا وليس الإسلام الذي بناه اعداؤنا لنا.