استهلاك العالم للبيانات مذهل والكابلات حجر زاوية.. فهل هي مُؤمّنة؟
استهلاك العالم للبيانات مذهل، وهي -خلافا للاعتقاد السائد- لا تمر حصريا عبر الأقمار الصناعية بل يتم نقلها عن طريق البحر حيث يعبر ما يقرب من 500 كابل لنقل البيانات في أعماق البحار، وهي بنى تحتية ضرورية لعمل الاقتصاد المعولم، وفي حالة تعطلها لا يوجد إنترنت ولا شبكات اجتماعية، وكثير من الشركات تجد نفسها ناقصة المعلومات.
ولإلقاء الضوء، أجرت مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية مقابلة مع الباحث كاميل موريل، من معهد الدراسات الإستراتيجية والدفاع بجامعة جان مولين ليون 3، الذي نشر مؤخرا كتاب “الكابلات البحرية” أوضح فيه أن وضع أول كابل تلغراف كان عام 1858 للربط بين بورصتي لندن وباريس ثم نيوفاوندلاند بأيرلندا، وهو لا يستطيع إرسال أكثر من 100 كلمة في 67 دقيقة من طرف لآخر.
غير أن الكابلات البحرية تسمح اليوم بنقل حزم بيانات متعددة بسرعة الضوء بين قارتين، وبنقل الرسائل ونشر المعلومات في شكل بيانات فنية وقانونية ومالية، وتستخدمها القطاعات الإستراتيجية مثل الجيوش لاستعادة مقاطع الفيديو التي تصورها مسيراتها، ويعتمد عليها المتداولون في نقل الأموال من بورصة إلى أخرى، ناهيك عن الخدمات التي تمر عبر الإنترنت.
فعالة ورخيصة
وأوضح الخبير -في المقابلة التي أجرتها بياتريس بارينو- أن نقل البيانات الرئيسية كان يعتمد بالدرجة الأولى على الأقمار الصناعية قبل وصول الألياف البصرية، التي أصبحت بفضل التحسينات المستمرة، وسيلة لا مثيل لها للربط الدولي من وجهة نظر تكنولوجية واقتصادية، تنقل 500 تيرابايت في الثانية، بنسبة 98%، تاركة 2% فقط للأقمار الصناعية.
وعلى الجانب الاستثماري -كما يقول الخبير- سيكلف قمر أمازون الصناعي وحده 10 مليارات دولار، كما ستكلف كوكبة الأقمار الصناعية من نوع ستارلينك 30 مليارا، في حين لن تتطلب الكابلات خلال الفترة من 2021 إلى 2024 أكثر من 8 مليارات، وبالتالي تبقى الأقمار الصناعية مكملة للكابلات، وتتيح مراقبة الأنشطة أثناء الحركة أو تعويض نقص الاتصال عند تعطل أحد الكابلات.
وقد بلغ طول شبكة الكابلات 1.3 مليون كيلومتر مع نهاية عام 2021 -وفقا لشركة تليجيوغرافي “TeleGeography”- وهي خطوط بحجم معصم الشخص البالغ، تتجاوز الحدود الوطنية وتتيح تبادلا ماديا بين عدة دول، مما يسمح بتدفق المعلومات في كلا الاتجاهين، ويتدفق عبرها ما قيمته 10 تريليونات دولار يوميا حسب دراسة أجرتها وكالة أميركية مستقلة عام 2016، مما يعني أنها حجر الزاوية في الاقتصاد المعولم اليوم.
ويعمل بهذه السوق 3 أنواع من اللاعبين: المنتجون الذين يسيطرون على التصنيع وعددهم قليل، تليهم شركات تتخصص في التركيب والإصلاح، وبعدها المشغلون الذين يستثمرون في الكابلات. ويقتصر دور الدول -حسب الخبير- في الغالب على الجانب التنظيمي.
ما مدى أمان المعلومات؟
وتقوم بعض الدول بالتحكم في مد الكابلات وحماية الخطوط بالسفن والتقنيات خوفا من الأضرار المادية بفعل مراسي السفن وشباك الصيد التي تقطع ما معدله 100 من الكابلات البحرية سنويا، ومن الأفعال الإجرامية وإن كانت غير شائعة.
غير أن حرب روسيا مع أوكرانيا، تثير السؤال عن قدرة موسكو على الوصول إلى البرقيات الإستراتيجية. وقد أشار الباحث إلى أن روسيا ترتبط بعدد قليل جدا من الكابلات البحرية، بل إنها أصدرت قانونا عام 2019 ينص على اتخاذ تدابير لتحقيق شكل من أشكال السيادة الرقمية.
ولا يعرف المراقبون هل ذلك لحماية نفسها من الفصل عن الإنترنت العالمي أم للتأثير على الكابلات الغربية دون أن تتضرر؟ وبالفعل نبه حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2017 إلى تكرار وجود سفن روسية بالقرب من الكابلات، واعتبر ذلك تهديدا للدول الأعضاء.
أما بالنسبة لسلامة المحتوى المنقول بهذه الكابلات، فقد كشفت تسريبات إدوارد سنودن عام 2013 عن التقاط بيانات ضخمة من قبل أجهزة المخابرات الأميركية والبريطانية من محطات الكابلات البحرية، كما أن المكانة الصاعدة للصين في سوق الكابلات تثير مخاوف بشأن أمان البيانات التي تنقلها هذه الخطوط.