تعول أطفاله التسعة وتدير المخبز وتجوب الشوارع للتعريف بقضيته.. ما هو سر صمود الأسير الفلسطيني خضر عدنان
بعد ليلة عصيبة من الاقتحام لمنزل العائلة وتفتيشه والعبث بمحتوياته وتخريبها، اعتقل القيادي بحركة الجهاد الإسلامي الشيخ خضر عدنان في 5 فبراير/شباط الماضي، واقتيد مكبلا أمام أعين زوجته وأطفاله في مشهد اعتادوه، بل ربما صار مألوفا لهم.
وبينما كان عدنان (44 عاما) يودع أهله ووسط الجنود المدججين بالسلاح في بلدة عرابة قرب مدينة جنين بشمال الضفة الغربية، صدح صوته مدويا “من هذه اللحظة أعلن إضرابي عن الطعام، رفضا للاعتقال”، ليشرع في الإضراب السادس الذي يخوضه منذ أن بدأ مسلسل اعتقاله لدى الاحتلال الذي انطلق عام 1997.
وللشيخ عدنان الذي اعتقله الاحتلال 12 مرة تجارب مريرة في الإضراب عن الطعام الذي خاضه 6 مرات، لعل أبرزها إضرابه الفردي الشهير عامي 2011 الذي استمر 67 يوما، ووصف حينئذ “بمفجر معركة الأمعاء الخاوية”، ومهَّد ذلك لإضرابات واسعة نفذها عشرات الأسرى رفضا للاعتقال ولنيل حقوقهم.
الحرية من الداخل
تقول رندة موسى زوجة خضر عدنان إن الاحتلال عمد منذ اللحظة الأولى إلى تلفيق التهم لزوجها وتحويل ملف اعتقاله إلى قضية وليس إلى حكم إداري يمكن كسره بالإضراب.
لكن الشيخ أعلن إضرابه رفضا للاعتقال بحد ذاته مهما كان شكله، وبعث برسالة للاحتلال “أننا خلقنا أحرارا، وسنبقى كذلك، وأن الإضراب هو مفتاح تحريرنا من السجون حتى لو كان الثمن حياتنا”.
وتضيف رندة موسى أن “الأمعاء الخاوية” هي السلاح الوحيد الذي يستخدمه الأسير لتحرير نفسه، “وإلا لم نكن لنتزوج أصلا، أو حتى ننجب طفلا واحدا لكثرة اعتقالات الشيخ خضر”، كما يبعث عدنان برسالة إلى رفاقه الأسرى يدعوهم لتحرير أنفسهم بأنفسهم عبر الإضراب وعدم انتظار صفقات أو مفاوضات.
وتقول رندة “كلنا يقين بانتصار خضر ولو باستشهاده، ومجرد أنه لم ينكسر أمام الاحتلال وحقق ما أراد واستمر بإضرابه فهذا انتصار بحد ذاته”.
عزل وتراكم للمرض
طوال 38 يوما ظل الشيخ خضر معزولا في مركز تحقيق الجلمة، قبل أن ينقل إلى عيادة سجن الرملة، وسط ظروف اعتقال سيئة للغاية، أهمها التحقيق المتواصل والعزل داخل زنزانة ضيقة سريرها إسمنتي يجعله بحالة جلوس دائم وأداء الصلاة قاعدا، وتفتقر إلى مرحاض وممتلئة بالحشرات، فضلا عن اقتحام السجانين للزنزانة 14 مرة يوميا بذريعة تفتيشه.
وتردف الزوجة أن الأسير عدنان “لم يستحم ولم يُبدل ملابس النوم منذ اعتقاله، وظهر بها وكانت متسخة جدا في المحكمة”.
وعند اعتقاله، كان عدنان يعاني من ارتفاع بضغط الدم ونزف بالمعدة، ورغم ذلك يرفض إجراء الفحوص الطبية، ليقول للاحتلال إن الموت والحياة لديه سيان، وكي لا يُمكِّنه من معرفة وضعه الصحي ويجعله في حالة تخبط، للضغط عليه لإطلاق سراحه.
وداخل سجن الرملة يستمر الاحتلال في عزل عدنان في زنزانة أكثر ضيقا من سابقتها ومراقبة بالكاميرات والأضواء الشديدة وفي ظروف صحية “بالغة الخطورة”، كما نقل نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي).
وأكد النادي أن عدنان يعاني من تقيؤ الدم المتكرر، وضعف وهزال شديدين وفقدان متكرر للوعي، وصعوبة في التركيز والحديث والحركة والنوم، وآلام شديدة في جسده، وأخيرًا بدأ يعاني من صعوبة كبيرة في شرب الماء. وإمعانا في العقاب، منعته سلطات الاحتلال من دكان السجن وزيارة ذويه.
العماد الأول والأخير
كل ذلك لم يفتّ في عضد الأسير عدنان أو عائلته التي ساندته منذ اللحظة الأولى، كما تؤكد زوجته رندة موسى إذ تقول “قلَّ الناصر والمعين إلا الله، وزادت تحذيرات طبيب السجن من مخاطر تعرضه لجلطة بأي وقت”.
وتحوّلت العائلة إلى خلية نحل لمساندة الشيخ عدنان، ونظمت زوجته وأبناؤه أكثر من 20 فعالية واعتصاما، بدأت في منزله وانطلقت لتعمّ مختلف مدن الضفة الغربية والداخل المحتل ومدينة القدس.
وأمام مساجد بلدة عرابة وساحاتها نظمت وقفات ومسيرات راجلة وأخرى عبر المركبات جابت شوارعها، وأقيمت صلاة التراويح وأحييت الليالي الرمضانية داخل منزله.
ورغم المنع الأمني المفروض عليها، استطاعت زوجة الشيخ عدنان دخول مدينة القدس 3 مرات منذ بداية رمضان، وإحياء أكثر من وقفة داخل باحات المسجد الأقصى والهتاف نصرة له ورفع صورته.
ومن القدس انطلقت الزوجة إلى مدينة الرملة، واعتصمت أمام سجنها وصرخت برفقة عشرات المتظاهرين “ثورتنا ثورة إنسان.. قائدها خضر عدنان”، وهو ما لم يعجب جنود الاحتلال وقادته الذين حرَّضوا عليها.
ولم تسقط الزوجة من أجندتها المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية والمحلية، وكذلك السفارات والقنصليات الأجنبية، وأبرقت إليها رسائل بلغات عدة، وطرقت أبوابها مشكلة حالة من الضغط، ولا سيما اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتقول “رغم عدم تعويلي كثيرا على تلك المؤسسات، فإنها محاولة لقرع الجرس ودق ناقوس الخطر المحدق بزوجي”.
وكل ما تفعله رندة موسى بعلم زوجها وبالتشاور معه، وكذلك يضعها هو بتفاصيل إضرابه وخطواته القادمة، فهي تتواصل معه عبر محاميه، وخلال جلسات المحاكم التي عقدت له 6 مرات حتى الآن.
الجانب الآخر في حياة الأم المناضلة
أمام هذه الصلف الإسرائيلي والصمود الأسطوري لزوجها في إضرابه، لم تغفل رندة موسى عن رعاية شؤون بيتها وأطفالها التسعة الذين يبلغ أكبرهم 14 عاما وأصغرهم سنة ونصف، والذين تقاسموا الدور معها في التضامن مع أبيهم وفي تدبير شؤون البيت والدراسة، وحتى بالعمل داخل مخبزهم الذي يشكل مصدر دخلهم والذي هدد الاحتلال بتدميره.
عند الثانية فجرا تستيقظ رندة موسى وأطفالها الذكور ويباشرون عملهم في المخبز حتى السابعة صباحا موعد مدراسهم، وعندئذ تبدأ هي في التخطيط لمساندة زوجها، حتى إنها قد تنظم عدة وقفات في أكثر من مدينة خلال اليوم الواحد.
وتقول “من الصعب أن تقوم المرأة بدور الأب والأم معا، ولذا أتعامل بصلابة مع أبنائي وكأني داخل معسكر، فأوزع عليهم المهام وأُجيِّشهم كلٌ لمسؤوليته، ولا أظهر ضعفا أو انكسارا”.