تقرير “حوارة” بعد العِشاء “بلدة أشباح” ولا ضجيج للحياة الرمضانية قبلها
“ما نعيشه حاليًا يشبه كل شيء إلا رمضان”.. بهذه العبارة وصف المواطن ربيع ضميدي من بلدة حوارة أجواء الشهر الفضيل الحالي حيث يُمعن الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه في حصارهم واعتداءاتهم على المواطنين في البلدة منذ نحو شهر، ما غيّب كل مظاهر البهجة عن يومياتهم الرمضانية..
يقول ضميدي: “حتى الزينة الرمضانية تردّدنا كثيرًا في تعليقها، عادةً يبدأ استعدادنا لرمضان بتزيين البيوت والشوارع قبل حلوله بأسبوع، لكن مع التوجس والخوف من الأوضاع القائمة فإننا اقتصرنا على تزيين بيوتنا بعد بدء رمضان بأيام”.
ويتابع: “كيف يمكن أن أصف الحال ونحن نعيش في حالة قلق على حياتنا وحياة ذوينا طوال الوقت؟ ففي السابع من رمضان مثلًا ونحن نصلي التراويح حدثت ضجة في مصلى النساء وقطعنا الصلاة فورًا، ففوجئنا بالاحتلال يلقي قنابل صوتية على الأطفال المرافقين لأمهاتهم ويلهون حول المسجد”.
فحتى صلاة التراويح لم يعد أهل حوارة يهنَأون بها، فما أنْ تغرب الشمس تزيد قوات الاحتلال من حصارها للبلدة من الداخل والخارج، وينطلق المستوطنون في اعتداءاتهم ضد المواطنين، يقول ضميدي: “حتى اللعب في الشارع بعد صلاة التراويح أصبح محرمًا على أطفالنا خشية تعرضهم لاعتداءات، فبمجرد انتهاء الصلاة، تصبح الشوارع خالية من الحركة على غير العادة”.
ويعود بذاكرته لشهر رمضان في الأعوام السابقة، عندما كان “ضجيج الحياة” في البلدة لا يتوقف قبيل الساعة الواحدة صباحًا، حيث تظل المحال التجارية مفتوحة “أما اليوم فنحن محرومون من أجمل ساعة في اليوم الرمضاني وهي التسوق ما قبل الإفطار، فليس غريباً أن نكون في وسط السوق فتهجم علينا قوات الاحتلال وتأمر بقفل المحال التجارية أبوابها”، يقول ضميدي.
حظر التجول
والحال أكثر سوءًا – وفق ضميدي- بعد صلاة التراويح حيث تفرض قوات الاحتلال نوعًا من “حظر التجول” على البلدة، فتُقفل المحال التجارية أبوابها وحتى من يحاول فتح محله يمنعونه من ذلك، “لذلك فإن أصحاب المحال التجارية ممن هم من خارج البلدة، أصبحوا يقفلون أبوابها مبكرًا جدًا، خشية ألا يتمكنوا من العودة لبيوتهم قبيل الإفطار أو أن يضطروا للمبيت في البلدة”.
وحتى “صلة الارحام” أصبحت مجتزأة، فأصبح أهالي البلدة يزورون بعضهم في النهار، ولا مكان للعزائم والسهرات من جدولهم الرمضاني، خشية استفراد المستوطنون ببيت أحدهم.
ويلفت إلى أن الزيارات النهارية تمنح سكان حوارة وقتًا للعودة حتى لو حدثت مشاكل على الحواجز، “أما بعد الإفطار فأين يمكن أن تذهب أمي – مثلًا- إذا ما احتجزت؟ وماذا يمكن أن يحدث لها؟ هذه المخاوف تجعلنا نفكر ألف مرة قبل أن نخرج لأي زيارة”.
لم يكن الحال بأفضل لدى المواطن رومل السويطي “60 عامًا” الذي حُرم من زيارة بناته وأبنائه له ولوالدتهم في ظل الحصار المفروض على بلدة حوارة، مشيرًا إلى أنه لم يذهب لمكتبه في مدينة نابلس سوى ثلاث مرات منذ فرض الاحتلال الحصار على البلدة في 26 فبراير الماضي.
وينظر رومل بألم لما آل إليه وضع البلدة ذات الموقع الإستراتيجي التي تضج بحياة آلاف المحال التجارية وعشرات آلاف السيارات تعبر طريقها الرئيس يوميًا، أما اليوم فقد أصبحت بعد اعتداءات المستوطنين الأخيرة عليها “بلدة أشباح”.
“أجواء كئيبة”
انسحب الوضع ذاته على شهر رمضان الذي تبدلت أجواءه المبهجة إلى أخرى كئيبة، “فلا أستطيع ترك منزلي حيث توجد زوجتي ووالدتي المسنة وحدهما، لأزور بناتي وأبنائي المتزوجين خارج البلدة، أخشى أن يعتدى على المنزل وأنا غير موجود فيه، أما إذا اعتدوا عليه وأنا موجودٌ فيه فأنا مستعد للموت دفاعًا عن منزلي”.
ورفض السويطي طلب ابنته المقيمة في الخليل بأن يأتي ليقيم معها خشية اعتداء المستوطنين عليه، “بيتي هو شرفي، ولن أتركه مهما حصل، بالرغم من كآبة الوضع في حوارة، التي أصبحت الحياة فيها صعبة”.
ويلفت إلى حالة كساد تجاري كبيرة تسود حوارة في رمضان خاصة إذ قرابة 70% من مالكي المحال التجارية هم من خارج البلدة، “أغلبهم أحجموا عن فتح محالهم خشية ألا يستطيعوا العودة لبيوتهم في اليوم ذاته”.
ويتابع السويطي: “حتى شراء المواطنين لصحن فول قبيل الإفطار أصبح مخاطرة، فإذا لم يتمكنوا من شرائه قُبيل الإفطار بساعة، سيُفاجؤون بالمستوطنين يهجمون عليهم قبيل نصف ساعة من وقت الإفطار ويُجبرون أصحاب المحال على إقفالها”.
ويبين أن اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه هذه الأيام تحدث ليلًا ونهارًا ولا تهدأ إلا بعد الساعة الثانية صباحًا وحتى وقت السحور فقط.
وتحول الحالة الأمنية في البلدة دون أن يمارس المواطنون طقوسهم الرمضانية بسلاسة، فشقيق السيوطي يسكن في قرية بيتا المجاورة، وقد ذهب للإفطار عنده ولم يتمكن من العودة حتى صباح اليوم الثاني.
والوضع ذاته بالنسبة لأنساب السيوطي فهم يعتذرون عن تلبية دعوته لتناول الإفطار، خشية ألا يتمكنوا من العودة لبيوتهم.