تقرير: تعليق نتنياهو “إصلاح القضاء”.. وصفة للحل أم خداع؟
أكاديميون ومحللون إسرائيليون ذهبوا إلى أن إعلان تعليق المصادقة على خطة “إصلاح القضاء” خداع للشارع قد يؤثر على الاحتجاجات والحكومة..
– نائب رئيس جامعة تل أبيب إيال زيسر: قرار نتنياهو يهدف فقط لتهدئة الأوضاع ولا أحد يثق به
– المحلل بصحيفة “هآرتس” يوسي فيرتر: وعود نتنياهو تنتهي صلاحيتها في اللحظة التي تقال فيها
– المحلل رفيف دروكر: على نتنياهو أن يعي أن الاحتجاجات قد تتحول من تمزيق القوانين لإسقاط الحكومة
– المحلل السياسي ناحوم بارنياع: بدون الاحتجاجات كانت التشريعات ستمر “كالسكين في الزبدة”
رغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليق خطته المعروفة باسم “إصلاح القضاء”، فإن كثيرا من الأحزاب والمنظمات والأفراد من المعارضة يرون أنه “غير جاد” في إعلانه.
ووصف أكاديميون ومحللون إسرائيليون، إعلان نتنياهو تعليق المصادقة على “إصلاح القضاء” المثيرة للجدل، بأنه “خداع للشارع”، وأنه يريد في أفضل الأحوال تهدئة مؤقتة، ما قد يكون له تأثيرات على الاحتجاجات والحكومة.
وتشير توقعات المحللين إلى أن الاحتجاجات التي اندلعت قبل 12 أسبوعا، ويشارك فيها عشرات آلاف الإسرائيليين، ستستمر ضد التعديلات التشريعية المتضمنة في خطة “إصلاح القضاء” التي تدعمها حكومة نتنياهو.
وتتضمن التعديلات بنودا، تحد من المراجعة القضائية لتشريعات الكنيست، وسيطرة الحكومة على تعيينات القضاة، وإلغاء تدخل المحكمة العليا في الأوامر التنفيذية، وتحويل المستشارين القانونيين بالوزارات إلى معينين سياسيين.
تعليق مشروط
ومساء الاثنين، أعلن نتنياهو على وقع التظاهرات الحاشدة والإضرابات الواسعة، عن تعليق مصادقة الكنيست على قوانين “إصلاح القضاء”، لإفساح المجال أمام حوار مع المعارضة، لكنه قال إنه “لن يتنازل عنها”.
ومد نتنياهو يده للحوار لكن مع التهديد، بقوله: “من هنا أود أن أناشد أنصار المعسكر الوطني: لدينا أغلبية في الكنيست للقيام بذلك بمفردنا، مع دعم هائل بين الناس” في إشارة إلى قدرة الحكومة على تمرير التشريعات بالكنيست.
وأضاف: “اليوم، تعترف الغالبية العظمى من الجمهور بضرورة الإصلاح الديمقراطي للنظام القضائي، لن نسمح لأحد بسلب الشعب حرية اختياره، ولن نتخلى عن المسار الذي انتخبنا لأجله، سنبذل قصارى جهدنا للتوصل إلى اتفاق”.
وردا على تكهنات بإمكانية اندلاع حرب أهلية، تابع: “لا يمكن أن تكون هناك حرب أهلية، يسير المجتمع الإسرائيلي في مسار تصادمي خطير، نحن في خضم أزمة تهدد الوحدة الأساسية بيننا، هذه الأزمة تتطلب منا جميعا التصرف بمسؤولية”.
ومساء الثلاثاء، أطلق الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، مشاورات مع الأحزاب الممثلة في الكنيست (المشاركة بالحكومة والمعارضة)، بما فيها الأحزاب العربية، للتوصل إلى صيغة متفق عليها تنهي الخلاف.
وقالت القناة “12” العبرية (خاصة)، إن الاجتماع شارك فيه ممثلون عن أحزاب (الليكود) قائد ائتلاف الحكومة بزعامة نتنياهو، و”هناك مستقل” بقيادة رئيس المعارضة يائير لابيد، و”المعسكر الرسمي” برئاسة الوزير السابق بيني غانتس.
ولم يكشف الطرفان، الحكومي والمعارض، عما خلص إليه الاجتماع الذي عقد بمنزل هرتسوغ، فيما أشارت وسائل إعلام إلى أنه من المقرر أن يجتمع، الأسبوع الجاري، مع ممثلي أحزاب أخرى، من الائتلاف الحاكم والمعارضة.
وهذه المرة الثانية التي يتدخل فيها الرئيس الإسرائيلي في الأزمة الحالية، إذ قدم في وقت سابق خلال مارس/آذار الجاري، صيغة لحل وسط بين الحكومة والمعارضة، ورغم قبول المعارضة، فقد رفضتها الحكومة.
تشكيك بالتعليق
نائب رئيس جامعة تل أبيب البروفيسور إيال زيسر، يرى أن “القرار كان هدفه فقط تهدئة الأوضاع، فلا أحد يثق بنتنياهو، وقرار تعليق التشريعات مؤقتا ليس نهاية الحكاية، إنما من الممكن أن تكون نهاية البداية ليس أكثر من ذلك”.
ويشير زيسر، إلى وجود رأيين بإسرائيل، “الأول يقول إن نتنياهو، ما بعد الهبة في الشارع، يريد أن يقول للناس لقد فهمت رسالتكم وستكون هناك مفاوضات، لكن بالنهاية لن يحصل شيء، أو أنه سيقدم بعض الخطوات القليلة”.
أما الرأي الأخر، وفق البروفيسور الإسرائيلي، فهو “تهدئة الأوضاع (بتراجع الاحتجاجات)، وأن يهدئ النفوس، ومن ثم سيعود إلى نفس الموقف الحالي في الصيف، نحن نعرف نتنياهو”.
وكان مقررا تمرير خطة “إصلاح القضاء” خلال دورة الكنيست الشتوية التي تنتهي 2 أبريل/نيسان المقبل، لكن بعد قرار نتنياهو تأجلت مناقشتها للدورة الصيفية، التي تبدأ 30 من الشهر نفسه وتستمر 3 أشهر، وفق موقع الكنيست.
رأي زيسر، أيده المحلل بصحيفة “هآرتس” العبرية، يوسي فيرتر، بقوله: “يعرف كل من عاش هنا (بإسرائيل) في العقود الأخيرة، أنه لا يمكن الوثوق بتصريح لنتنياهو، فوعوده تنتهي صلاحيتها في اللحظة التي تقال فيها”.
وأضاف فيرتر: “في الأسابيع القريبة القادمة المليئة بالأعياد، سيكون بالإمكان فحص نوايا رئيس الحكومة، هذا لن يكون معقدا جدا، ربما سيتلاشى الاحتجاج قليلا، ويستريح ويستجمع قوته قبل دورة الكنيست الصيفية”.
وعلى أثر إعلان نتنياهو تعليق خطته، أعلنت 34 منظمة احتجاجية في إسرائيل، مساء الثلاثاء، الاستمرار في التظاهرات ضد خطة “إصلاح القضاء”، مؤكدين أنهم لن يسقطوا فيما سموه “خداع” رئيس الوزراء.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، عن 34 من بين حوالي 130 منظمة احتجاجية، قولها، إن “المفاوضات التي يجريها لابيد وغانتس (مع الائتلاف الحكومي) لا تمثلنا”.
إسقاط الحكومة
وعن تأثير الاحتجاجات الحالية على تماسك الحكومة الإسرائيلية، يرى زيسر أن “ما يجمع الحكومة الحالية هو التطرف، وفي داخل (الليكود) يعرفون تماما أن عليهم أن يتبعوا نتنياهو، إذ لم يعد للحزب زعيم بديل”.
كما أن “الشركاء في الحكومة الإسرائيلية (الأحزاب المشاركة في الائتلاف)، ليس لديهم أي رأي بديل، لذلك فإن هذه الحكومة ستبقى لمدة”، وفق البروفيسور الإسرائيلي.
أما الإشكالية التي قد تواجهها حكومة نتنياهو، وفق زيسر، فهي “حال بروز خلافات بينه وبين أحد الأحزاب الشريكة بحكومته، إذ أنه تحت ضغط داخلي وخارجي قد يقبل نتنياهو ببعض الخطوات، لكن المتطرفين بحكومته لن يقبلوا”.
في المقابل، يرى المحلل السياسي الإسرائيلي البارز رفيف دروكر: “على افتراض أن نتنياهو لا يزال الذكي الذي عرفناه، فعليه أن يعي أن الاحتجاجات يمكنها أن تتحول في لحظة من تمزيق القوانين لإسقاط الحكومة”.
وأضاف دروكر، في مقال لصحيفة “هآرتس” العبرية، الثلاثاء، أن “هذا لم يحدث حتى الآن، لا ترى قيادات الاحتجاجات أن طلب إسقاط الحكومة مريح الآن”.
وخلص إلى أنه “لن تسقط الحكومة، فنتنياهو، قال مؤخرا، خلال جلسة الليكود، إن الائتلاف قوي كجدار حديدي. هو على حق. سيتقاتلون، يقاطعون الواحد الآخر، يصرخون، لكنهم لن يصوتوا على عقد انتخابات جديدة”.
ولدى ائتلاف نتنياهو 64 من مقاعد الكنيست الـ120، ما يجعل حكومته قوية في وقت يسعى فيه جاهدا للحفاظ على بقائها، بعد أن ابتعد عن مقعد رئاستها لما يزيد عن عام ونصف العام.
حرب أهلية
ولم يملك البروفيسور زيسر إجابة محددة على إمكانية اندلاع حرب أهلية في إسرائيل، في حال عادت الخلافات والاحتجاجات المطالبة بإلغاء خطة “إصلاح القضاء”.
ففي بداية تعليقه، استبعد زيسر وقوع حرب أهلية في إسرائيل على خلفية الاحتجاجات وعدم اتفاق الحكومة والمعارضة، لكنه عاد بالنهاية ليؤكد وجود “تخوفات، وما زالت أسباب هذه التخوفات قائمة”.
ويؤيد قطاع واسع من الإسرائيليين استمرار الاحتجاجات التي باتت الوسيلة لفرض إرادة الشارع، إذ قال المحلل السياسي ناحوم بارنياع: “ماذا يعمل الناس في الحوار؟ يتحدثون. دوائر خطاب. وماذا بعد ذلك؟ لا شيء”.
وأضاف بارنياع، في مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، الثلاثاء: “بدون الاحتجاجات في الشارع، كانت التشريعات ستمر بهدوء، مثل السكين في الزبدة”.
وتابع: “لقد ولّد احتجاج الضباط (الاحتياط)، تحذير (وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف) غالانت، وولدت إقالته الخروج الجماهيري الفوري إلى الميادين في كل البلاد”.
وشدد المحلل الإسرائيلي قائلا: “وحدها التظاهرات، والمواجهات مع الشرطة، والتمرد في الجيش، ما جعلت نتنياهو ينصت، ويحترم، ويجمد التشريع”.
ويعتزم قادة الاحتجاجات في إسرائيل، تنظيم تظاهرات حاشدة في تل أبيب والقدس والعديد من المدن الأخرى، السبت المقبل، للمطالبة بإلغاء خطة “إصلاح القضاء” وليس فقط تجميدها، وفق القناة “12” العبرية.