في حلقة جديدة من برنامج “مال وأعمال” مع الدكتور أنس سليمان أحمد اغبارية، تحدث عن “شكر النعمة”. ويبثّ البرنامج على قناة “موطني 48” عبر منصة “يوتيوب” وعلى صفحة “موطني 48” على “فيسبوك”.
في مستهل الحلقة يقول د. أنس: “في هذا البرنامج نقف على تأملات، قد تكون اقتصادية عامة، وقد تختص بجوانب وقيم وأخلاق اقتصادية في النظام الاقتصادي الإسلامي”.
وطرح سؤالا حول إن كنا احسنا شكر الله تعالى على نعمه الكثيرة، مجيبا بالقول: “إن نعم الله كثيرة، وخيراته متعددة، ونعمه متنوعة، وعطاءاته مستمرة، غير أن استمرار تلك النعم مرهونٌ بشكرها، وحسن استغلالها، ودقة صرفها في مساربها الحقيقية، فمن أراد أن تُلاحقه النّعم، وتحيطه المنح فليُقدّم شكرها، وقانون السماء قانونٌ لا يتخلف، وضابطها ضابط لا يتبّدل، يقول الباري جلّ في علاه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } إذنٌ إلهي، ووعد رباني بأن من شكر زادت في يديه النّعم، ومن حمد رب النّعم، أفاض عليه من أبواب العطاء، وألوان المنح التي تفيض، ولا تغيض، والمتأمل في قوله تعالى يرى أنَّ الفعل { تَأَذَّنَ} ورد بصيغة الماضي، والذي يعني أنَّ هذا الوعد وعد تفضّل الله به من قديم الأزل. ثمَّ يأتي قوله تعالى {لَئِنْ} والتي جاءت بمعنى القسم، أي: وعزتي وجلالي، وقدرتي وقُدسيتي، ثمَّ يأتي الشرط {إن شَكَرْتُمْ}: لئن شكرتم ربكم الممتنّ عليكم صاحب كل فضل، وحذف المفعول يسمّى إيجازًا بالحذف، لكنه يعني أن المشكور معلوم، وأن الشكر لا يتوقف عند عطاء معين، وإنما ينال كل عطاء، ويتوجب عند كل نعمة، مثل نعمة الخلق والإيجاد، الرزق والصحة، والمال والولد وغيرها من النعم، ثمَّ يأتي جواب القسم واضحًا صريحًا {لَأَزِيدَنَّكُم }، مما تفيد التأكيد، وترسيخ المعنى في دواخل النفوس، بحيث تتشرّبه الجوارح، ويُغمر به الإحساس، والفعل {أزيد} ورد بصيغة المضارع الذي يفيد الاستمرار والدوام، وبدأ الفعل بالهمزة التي تعني إسناد الزيادة إلى الله، أي: أزيد أنا، والله هو صاحب العطاء الأوفى {هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}”.
وأضاف: “إنّ هذه النعم حتى تستمر في النزول هي رهينة بتقديم الشكر، ولذلك أوضحت تلك النواميس آياتٌ متعددة في القرآن الكريم. إن تلك النعم استمرت مع أصحابها مع الشكر، وانطمست وضاعت مع الكفر والنسيان والعصيان، يقول تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} (النحل:). فالشكر جالب للنعم، مُنزل للعطايا، مديم للهبات، ونقيضه مزيل للنعّم، مدمّر للحضارات، ناسف للأمم، حتى إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، علّمنا أن نشكر في السراء والضراء، وذلك عندما كان يقوم الليل، حتى تورّمت قدماه، وسألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- سؤالًا مشروعًا: يا رسول الله أوليس الله قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فردّ الرسول قائلًا: “يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورا”، فاستدامة الشكر واستمرار الحمد هو سبب استمرار النعم، واستدامة الفضل”.
وختم د. أنس اغبارية بالقول “فلا بد من الحمد ولا بد من الشكر، واستعمال النعمة فيما خُلقت له، وإخراج زكاة كل أمر، لا يعني ذلك إخراج زكاة المال فقط، بل يعني أن في كل أمر من متعلقات حياتنا زكاة، فزكاة المرأة لجمالها هو حجابها وجلبابها، وزكاة الطبيب والمهندس والمحامي المسارعة في مساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة كل في تخصصه، وزكاة طالب العلم هو إخراج العلم وتعليمه للناس، وزكاة المنصب والجاه، وكرسي الرئاسة هو خدمة ابناء البلد الواحد بكل انصاف ومحبة تقدير”.