من الطارق؟
ليلى غليون
إلهي، لا تجعلني ممن هان عليك فصرفت قلبه وروحه عن لذة مناجاتك. ولا تجعلني ممن حرموا فضل القرب والأنس بذكرك فحرمتهم لذة الوقوف بين يديك. إلهي، اجعلني ممن بكى بالليل والناس نيام، يرفع يديه في دياجير الظلام داعيًا باكيًا متبتلًا خاشعًا ذليلًا لرب غشيت لطائف رحمته قلبًا غمرته الخطايا وسودته الذنوب، تهطل غمائم رحماتك مدرارة على صفحاته فأحالته واحة خضراء غناء.
إنّه كتاب الله
هل يشكو كتاب الله هجرك؟ هل بينك وبينه قطيعة رحم؟ هل تعلم أن أعداء الله يقرأونه ويتدبرونه ويتعرفون عليه أكثر منك؟ ما الذي صدك عنه؟ مشاغلك؟ أولادك؟ زوجتك؟ لهوك؟
إنّه يفتقدك إنه يبحث عنك ليمطر عليك من بركاته لأنه يحبك. صوّب نظرك إليه، احمله بكلتا يديك، احضنه في صدرك جهة قلبك واذرف دمعة حرى واحدة على تقصيرك، وجدد العهد معه، وافتح صفحاته بأنامل قلبك واغرف من الخيرات والعطايا ما تشاء. فأنت في شهر القرآن.
إنّه كلام الله
حصاد وفير من الحسنات، ونسائم من الرحمات تهبُّ على روحك وقلبك فيستحمان بفيض النور المتدفق من كل مكان فيذوب الران وتسحق الأدران وتتناثر الأحزان: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). إنّه كلام الله، الحرف بعشر حسنات وعملية حسابية بسيطة تؤكد أنَّ بانتظارك أكثر من ثلاثة ملايين حسنة عندما يصل بك المقام إلى ختم القرآن الكريم.
اقرأ القرآن لأنه كلام رب الأنام.
اقرأ القرآن إذا أردت أن يكلمك من لا تأخذه سنة ولا نوم.
اقرأ القرآن إذا أردت الاستشفاء.
اقرأ القرآن إذا أردت المغفرة.
اقرأ القرآن إذا أردت الأمن والأمان .
اقرأ القرآن إذا أردت صلاح حالك وصلاح أولادك.
اقرأ القرآن.. فأنت في شهر القرآن.
من يطفئ غضب الرب؟
في شهر الصيام يتزاحم الطعام على مائدة الإفطار ما لذ منه وما طاب، فكلوا هنيئًا مريئًا ولا تسرفوا، ولكن هناك متعة تفوق متعة التلذذ بالشهي من الطعام والشراب، متعة إذا دغدغت القلوب طارت فرحًا وشوقًا تسبح في ملكوت الرحمات واللطائف الإلهية. إنها متعة لا تعادلها متعة، إنها متعة العطاء. فأعط محرومًا وتمتع بعدها بذاك الشعور الذي عليه تحسدك ملوك الأرض. ازرع البسمة على شفتي حزين وانعم بعدها بلذة نوم هادئ، قرير العين منشرح الصدر.
لقمة هنا، شربة هناك، بسمة هنا، مسحة على رأس محروم هناك. وادع الكريم بشربة من الكوثر من يد شريفة لا تظمأ بعدها أبدًا. يقول يحيى البرمكي: “أعط من الدنيا وهي مقبلة فإنَّ ذلك لن ينقصك منها شيئًا، وأعط منها وهي مدبرة فإن منعك لا يبقي عليك منها شيئًا”.
ويقول علي رضي الله عنه: “لا تستح من عطاء القليل فالحرمان أقل منه”. أعط ولا تخش من ذي العرش إقلالًا، فأنت في شهر رمضان.
أهلكتك الذنوب؟
هل أهلكتك الذنوب وضاقت عليك الأرض بما رحبت؟ اعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، وها هي خيوط الفجر الندي تشق الأفاق، وها هي تباشير الخيرات وبشريات الأمل تطل عليك مع إطلال هلال رمضان، ربي وربك الله يا ممحاة الذنوب: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”. ما أعظم المعطي وما أكرم المانح. وما أسعدك يا صاحب الخلوف وأنت تتلقف البشرى من رب غفور: “عبدي إني قد غفرت لك”. فأنت في محطة التعبئة الإيمانية فتزود منها ما استطعت واشحن روحك بإشراقاتها، وأنت في محطة غسل الذنوب فلا تضيع هذه الفرصة فلعلها تكون المحطة الأخيرة وفرصتك الأخيرة. فجدد العهد، فأنت في شهر رمضان.
هل تريد أن تصوم رمضان مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا أو أكثر؟ لعلك تتساءل حائرًا: وكيف أصوم رمضان كل هذا العدد دفعة واحدة؟ لن ندعك تقف حائرًا طويلًا لأننا سنأتيك بالجواب في قبس من أنوار النبوة. يقول صلى الله عليه وسلم: “من فطّر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”. ما رأيك بهذا العرض أليس مغريًا؟ هيا اقبل وامض العقد ولا تتردد فأنت في شهر رمضان.
هل تطلق للسانك العنان؟
اللسان وما أدراك ما اللسان. احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان. والله إن الموت زلة لفظة فيها الهلاك وكلها خسران
اسمع إن شئت لابن عباس رضي الله عنهما ما قاله للسانه: “يا لسان قل خيرًا تغنم أو اسكت عن الشر تسلم، رحم الله مسلمًا حبس لسانه عن الخنا وقيده عن الغيبة ومنعه عن اللغو وحبسه عن الحرام، رحم الله من حاسب ألفاظه ورعى احفاظه وأدب منطقه ووزن كلامه”. فالجم هذا اللسان، فأنت في شهر رمضان.
سمعك.. بصرك.. قلبك
لصوص السمع والبصر والفؤاد ليس لهم تعداد ولا إحصاء، ويزداد نشاطهم ويتضاعف في رمضان فلا يملكون من وسيلة إفساد إلا وقارفوها ولا معول هدم للفضيلة إلا وبارزوا الشيطان في إغوائه، والغاية أن يصبح حصاد الصيام هشيمًا تذروه الرياح فلا ينال الصائم من صيامه سوى الجوع والعطش وذلك هو الخسران المبين، فيكون ممن قال الله تعالى فيهم: “… كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا”. فاحفظ سمعك وبصرك وفؤادك، فأنت في شهر رمضان.
صل رحمك
هل تريد أن يزيد الله في عمرك ويبارك فيه ويزكيه؟ هل تريد أن يضاعف الله لك المثوبة ويعظم لك الأجر؟ صل ما أمر الله به أن يوصل، صل رحمك. إنها صلة الرحم تقي مصارع السوء.
إنّها صلة الرحم تقي خزي الدنيا.
إنّها صلة الرحم تقي سوء المنقلب. وانت في رمضان ترق روحك وتصفو نفسك وتجيش مشاعرك ويجلو قلبك. صل فالرحم بانتظارك.
إنهم أرحامنا لنسعى إليهم ونسعهم بأرواحنا وقلوبنا ونمطر عليهم من غمائم محبتنا ونهب عليهم من نسائم عطائنا ونتحفهم بزياراتنا وأنسنا ودعائنا. كيف لا؟! ونحن في شهر الصيام.
تقبل الله منا ومنكم الطاعات.