في هذه شهادتي: الرّد على “افتراءات البعض” حول غياب الصحوة في بداياتها عن المناسبات الوطنية
الشيخ رائد صلاح في “هذه شهادتي”:
- محطات برز فيها انخراط أبناء الصحوة الإسلامية في المناسبات الوطنية.. التصدي لاقتحام كهانا لأم الفحم
- نصرة القدس والأقصى وحمل هم ملف المقدسات الإسلامية والمسيحية في الداخل
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المرئية ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب”، وصفحة “موطني 48” على “فيسبوك”.
في الحلقة (14) تطرق رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، إلى انخراط أبناء الصحوة الإسلامية- ومنذ البدايات- في إصلاح ذات البين جنبًا إلى جنب مع لجان ورجالات الإصلاح في الداخل، كما تحدّث عن دور الصحوة في المناسبات والأحداث الوطنية ومنها نصرة المسجد الأقصى المبارك.
إصلاح ذات البين
حول إسهامات الصحوة الإسلامية في البدايات بالإصلاح بين الناس وفضّ الخصومات، يبيّن الشيخ رائد صلاح: “على طريق تعريف الناس بالمشروع الإسلامي، اجتهدنا أن ندخل من كل باب، وكان منها بالطبع- إلى جانب ما تحدثنا عنه في حلقات سابقة- القيام بإصلاح ذات البين، لما للإصلاح من فضيلة عظيمة في الإسلام. هذا دفعنا أن نجتهد بالإصلاح في قضايا كثيرة في العديد من البلدات ومنها بطبيعة الحال أم الفحم، وذلك عبر لجان إصلاح شعبية. كانت جهود الإصلاح فرصة لجمع أكبر عدد ممكن من وجهاء ورجال الإصلاح في كل بلدة، فكنّا نشارك سويًا في إصلاح ذات البين. ومن الأسماء التي تدور في ذهني وكان لها بصمات مباركة في الإصلاح: الحاج وجيه فياض، والحاج أبو عمر محاميد، والحاج يوسف أبو رعد وغيرهم الكثير، أسأل الله تعالى أن يرحم من مات منهم وأن يرزق من لا يزال حيًا حسن الخاتمة، جزاهم الله جميعًا، خير الجزاء على جهودهم. هذه القامات الكبيرة احتضنتن حين كنّا صغار السنّ. بالتالي كنّا نشارك في جاهات الصلح مع باقي الوجهاء الذين ذكرت أسماء عدد منهم، حتى أننا كنا نجمع الأموال للمشاركة في التكاليف المادية للإصلاح، كما أقمنا احتفالات كبيرة لعقد رايات الصلح بين المتخاصمين. طبعًا لم أكن وحدي من أبناء الصحوة في هذه الدائرة، حيث انخرط فيها العديد من الإخوة من بينهم الشيخ هاشم عبد الرحمن، وكانت له ولا تزال بصمات بارزة ومباركة وأجرى الله على يديه مئات المصالحات بين قلوب متخاصمة على صعيد المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية، كذلك أذكر الدور المبارك في الإصلاح للمرحوم الشيخ فريد أبو مخ (أبو عزام) من باقة الغربية، ولا أنسى طبعًا دور الشيخ كمال خطيب في هذا الجانب”.
يتابع: “لو قارنا جهودنا في الإصلاح مع جهود لجان الإصلاح القطرية التي وقف ويقف على رأسها شخصيات بارزة مثل العم أبو رياض من مدينة الناصرة، لوجدناها متواضعة مقابل ما قاموا به، فقد عملوا في إصلاح ذات البين بعيدًا عن الإعلام والأضواء ومظاهر البريق، وأدّوا دورًا عظيمًا، وهم بحق من أبطال تاريخنا”.
ساحات العمل الوطني
حول مزاعم البعض عن غياب الصحوة الإسلامية في مراحلها الأولى عن ساحات العمل الوطني، أكّد الشيخ رائد أن هذه مزاعم فارغة المعنى، مفصّلًا: “لأن الوطنية ليست شعارات أو قصيدة أو خطبة فقط، علمًا أنها أدوات مهمة، ولكن أن تعيد الناس إلى جذورهم وقيمهم وتاريخهم ومقدساتهم وأماكن عبادتهم وتواصلهم مع حاضرهم الإسلامي العروبي والفلسطيني، فهذه هي حقيقة الوطنية، وهذا ما قامت عليه الصحوة الإسلامية منذ أول يوم في تاريخها”.
ودلّل بأمثلة على ذلك: “في أم الفحم، حاول المأفون كهانا اقتحام البلدة مرتين، الأولى كانت في زمن فترة رئيس المجلس المرحوم أبو ماجد، والمرة الثانية أيام كان المرحوم الأستاذ هاشم محاميد رئيسًا لبلدية أم الفحم. ففي المرة الأولى احتشد أهالي أم الفحم بما في ذلك أبناء الصحوة الإسلامية في منطقة الميدان، وإذ بسيارة أمنية إسرائيلية تصعد “طلعة الميدان” وأرادت أن تدخل بين الناس لاستفزازهم وتهديدهم، ولكن ما أن استوت السيارة ودخلت ساحة الميدان، حتى أحاط بها أبناء الصحوة الإسلامية وحاولوا أن يقلبوها، فلاذ سائق السيارة ومن معه بالفرار. كان هذا المشهد فريدًا من نوعه تبعه هتاف “هبّي يا رياح الجنّة هبّي علينا” وتحوَّل الهتاف إلى مظاهرة انضم إليها الكثير من الشباب البعيدين عن الصحوة الإسلامية، حتى أنّ بعض الشباب بعد نهاية الحدث، صرّحوا بأنهم يريدون الانضمام إلى الصحوة لمّا رأوا ما فعله أبناؤها. صحيح أنه في بعض الحالات نعاني من ظاهرة محاولة البعض أخذ موقف على الآخرين، ففي المرة الأولى لمحاولة كهانا اقتحام أم الفحم، لم يعجب البعض بتلك المظاهرة الفطرية التي قادها أبناء الصحوة، ووقعت مشادات لكنها انتهت على خير”.
وتابع: “عندما هدّد كهانا باقتحام أم الفحم للمرة الثانية، أيام رئيس البلدية المرحوم هاشم محاميد، منتصف الثمانينيات، أذكر أنَّ أبناء الصحوة احتشدوا حينها في مسجد “أبو عبيد” وفي تلك الفترة بدأ يتردد اسم “الحركة الإسلامية”. اجتمعنا في “أبو عبيدة” لتلبية توجيه رئيس البلدية بضرورة التصدي لاقتحام كهانا، وانطلقنا من المسجد في مسيرة منتظمة على الأقدام باتجاه منطقة “البير” حيث موقع اعتصام الأهالي، وبقينا في الاعتصام لساعات نهتف ضد محاولة كهانا اقتحام أم الفحم، ثمَّ وقعت مناوشات مع الشرطة واعتقل العديد من أبناء أم الفحم كان منهم أبناء الحركة الإسلامية. لا يمكن أن أنسى هذا المشهد حين أسقطت النساء من على شرفات المنازل، البصل للرجال لمقاومة المسيل للدموع”.
نصرة المقدسات ويوم الأرض
مكملًا حديثه عن البعد الوطني في نشاطات الصحوة الإسلامية، يقول الشيخ رائد: “قبل محنة ملف “أسرة الجهاد” وكنت لا أزال طالبًا في كلية الشريعة بالخليل، تردد في وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه سيكون اقتحام للمسجد الأقصى، وكان ذلك يوم جمعة، بدأنا في الصحوة الإسلامية التواصل فيما بيننا في البلدات العربية، واتفقنا أن نصلي الجمعة في المسجد الأقصى تحت شعار نصرة الأقصى، وانطلقت حافلة من أم الفحم باتجاه باقة الغربية حيث كانت هناك حافلة أخرى تنتظرنا وكذلك انضمت إلينا حافلات ووفود من كفر قاسم وسائر البلدات، وسرنا في قافلة واحدة إلى الأقصى. بعد أن قطعنا كل المسافة ودخلنا إلى الشارع المؤدي إلى القدس، علمنا بوجود حواجز للشرطة لمنع دخولنا إلى القدس، فنزلنا من الحافلات وتشاورنا ماذا نفعل؟ وتقرر أن نعود إلى كفر قاسم حيث أدّينا صلاة الجمعة هناك في المسجد القديم”.
وفي مثال آخر على انخراط أبناء الصحوة في المناسبات الوطنية، زاد الشيخ رائد: “في إحياء يوم الأرض كانت لنا فعالياتنا ونشاطاتنا، وأذكر أننا نظّمنا بالمناسبة مهرجانًا كبيرًا في باقة الغربية، وكان الحضور حاشدًا من كل الأطياف. إلى جانب ذلك، بدأنا نحمل رويدًا رويدًا همّ مأساة المقدسات، فمثلًا عندما وردنا أن أحد الإسرائيليين يريد وضع يده على مسجد حسن بيك في يافا وتحويله إلى مصلحة تجارية، دعونا في الصحوة الإسلامية إلى صلاة جمعة حاشدة في “حسن بيك”. وأذكر أنني ألقيت درسًا قبل الصلاة في حين وقف المرحوم الشيخ بسام أبو زيد خطيبًا للجمعة. كذلك وبحمد الله كان لنا دور في نصرة مقبرة طاسو في مدينة يافا، عندما تهددها خطر المصادرة، فبدأنا بجمع التبرعات من الأهالي لإقامة سور واق للمقبرة بتوجيهات من المرحوم الشيخ بسام، وأذكر أننا نظمنا مهرجانًا كبيرًا في ساحة النادي الإسلامي في يافا، نصرة للمقبرة، ولا زلت أتذكر كلمة بارزة مؤثرة خلال المهرجان للشيخ إبراهيم مفيد من قرية مصمص. بعد تداعيات الأحداث في مقبرة طاسو، بدأنا في الصحوة الإسلامية الاهتمام أكثر بملف المقدسات الإسلامية والمسيحية، وانبثق عن ذلك الكثير الكثير من المشاريع التي سنتحدث عنها لاحقا”.
التوفيق بين الدعوة والدراسة
في ردّه على سؤال حول كيفية التوفيق بين العمل الدعوي في بدايات الصحوة- حيث كان نائبًا للمرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش- وبين دراسته في كلية الشريعة بالخليل، قال الشيخ رائد: “هذا توفيق من الله تعالى وفضله عليّ وعلى كل الطلاب من أبناء الصحوة الذين درسوا معي، وبهذا الخصوص حصلت أمور كأنها من أيام السلف الصالح، فمثلًا أحد الطلاب معنا تساءل عن كيفية التوفيق بين العمل الدعوي ودراسته، وقبيل أحد الامتحانات أبلغنا أنه رأى رؤية فيها أسئلة من الامتحان، وهذا ما وقع معه في الامتحان. وأحد الإخوة وهو الشيخ محمود عمري من قرية صندلة، تخرج من ثانوية يهودية وكان يعاني بسبب ذلك من اللغة العربية، وقبيل أحد امتحانات اللغة العربية، رأى- كما أفاد- رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكى له معاناته مع اللغة العربية فبشّره النبي عليه الصلاة والسلام خيرًا. إذًا كانت هذه لطائف ربانية ورعاية الله أحاطت بنا، فتوكلنا على الله لأننا كنّا على يقين أنَّ ما بذلناه في أمور الدعوة الإسلامية لن يفوتنا عند الله الذي لا يضيع عنده أجر من أحسن عملًا. أذكر مرة وقد كنت في الخليل خلال الدراسة، جاء بعض الإخوة من أم الفحم لبحث قضية معينة، وكان الشيخ عبد الله ينتظرنا في كفر قاسم، فركبنا السيارة من الخليل إلى كفر قاسم وبحثنا الموضوع الملح مع الشيخ عبد الله، ولمّا أنهينا عدت إلى الخليل. بالتالي فإن صفاء النوايا وحسن الظن بالله، جعلنا نجمع بين الطاقات الروحانية والعطاء المادي، وهذه المعادلة إن وجدت ستترتب عليها النتائج الربانية في المفهوم المادي”.