- سُنَّة العقيقة وانتشار ظاهرة إطلاق أسماء شخصيات من التاريخ الإسلامي على المواليد الجدد
- مبادرات أبناء الصحوة للتفاعل مع حجاج بيت الله الحرام
- توافد ضيوف الرحمن من الداخل لأول مرة إلى الديار الحجازية، حدث مفصلي في تاريخ مسلمي الداخل بعد النكبة
- مشاعر الشوق لأداء العمرة في ظل المنع الإسرائيلي من السفر
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المرئية ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب”، وعلى صفحة “موطني 48” على “فيسبوك”.
في الحلقة (13) أكمل رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، شهادته، مستدعيا المزيد من المحطات والمشاهد التي عاشها وكان فاعلا فيها ضمن مسيرة الصحوة الإسلامية.
مسيرة تكبيرات العيد
في مستهل الحلقة، نوّه الشيخ رائد صلاح إلى أمر فات ذكره في الحلقات الأولى من البرنامج، وهو أن الأستاذ محمد عبد أبو شقرة من أم الفحم كان ضمن المجموعة الأولى من الطلاب العرب في الداخل الفلسطيني الذين التحقوا بالدراسة في كلية الشريعة بمدينة الخليل. ثمّ استأنف حديثه، عن مشاهد وذكريات من بدايات انطلاق الصحوة الإسلامية، مركّزا على محطات وتحوّلات في مسيرة العمل الإسلامي بأم الفحم.
يقول عن البدايات الأولى لفعالية مسيرة تكبيرات العيد، في الفطر والأضحى، إنَّ “التكبيرات في عيدي الفطر والأضحى، شكّلت مشهدًا انتظره الجميع في العديد من البلدات، وفي أم الفحم كنّا نصلي العشاء ونبدأ بالتجمع في ساحة مسجد “أبو عبيدة” لانطلاق المسيرة التي كان يُعدّ لها جيدًا من خلال تجهيز سيارة محمّلة بمكبّرات الصوت وفرقة مكوّنة من: الشيخ نهاد جبارين- رحمه الله-، والشيخ علي الصالح، والشيخ صالح أشقر، والشيخ غالب محاجنة وغيرهم، حيث تناوبوا على إطلاق تكبيرات العيد وكنّا نردّد خلفهم. كان المشهد مهيبًا تتشابك فيه الأيادي وهي مرفوعة إلى الأعلى”.
ولفت إلى أنَّ مسيرات التكبير، أخذت زخمًا كبيرًا مع السنوات، من حيث أعداد المشاركين واستيعابها لكل مكوّنات المجتمع الفحماوي، مصلين وغير مصلين ومن كافة الاتجاهات السياسية، كما لفت إلى أنَّ النساء والفتيات كنّ يتابعن المسيرة من على شرفات البيوت وعلى جانبي الطريق ويحتفين بها عبر رش الأرز والحلويات (الطوفة) على المشاركين، كما برز- بحسب الشيخ رائد- إطلاق مفرقعات نارية احتفاء بالمسيرة، ذاكرًا أن أول بيت استقبل مسيرة التكبيرات بالمفرقعات كان بيت الأستاذ محمد سعد اغبارية- رحمه الله-، وأشار الشيخ رائد إلى أن المسيرة حظيت كذلك بتغطية إعلامية من وسائل الإعلام.
سُنّة العقيقة
إلى ذلك، انتشرت في بدايات الصحوة الإسلامية ظاهرة الالتزام بسُنّة العقيقة (الذبيحة التي تذبح عن المولود، وهي سنة مؤكدة في الإسلام، وتكون شكرًا لله على المولود، ذكَرًا كان أو أنثى، ويوزع لحمها على ذوي الرحم والمحتاجين أو يولم صاحب العقيقة ويدعو من يشاء إلى مأدبته).
واستدعى الشيخ رائد صلاح، مشاهد من مشاركاته في “عقائق”: “دعانا الأخ محمد فضل جبارين (أبو الفضل) إلى مأدبة عقيقة، ودخل علينا حاملًا طفله، فجلس بيننا وبدأ- التزامًا بالسنة- بحلق شعر رأس الطفل الرضيع، وقد أعجبنا استعداده لذلك، وأذكر أن المناسبة كانت أكثر من مجرد تناول الطعام، فاشتملت على فقرات نشيد وموعظة. بالتالي وإلى جانب حرص الناس على الالتزام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت “العقائق” مناسبة لأبناء الصحوة الإسلامية للتواصل مع أوسع دائرة من أهلنا في أم الفحم وتبليغ الدعوة لهم. كذلك أذكر مشاركتي في عقيقة ببيت الحاج محمود النمر واشتملت كذلك على العديد من الفقرات الروحانية بحضور عدد كبير من الناس. وتزامن إحياء سنّة العقيقة مع انتشار ظاهرة إطلاق أسماء قامات عظيمة من تاريخنا الإسلامي على المواليد الجدد مثل: عكرمة، ودجانة، وأنس وحنظلة وغيرها من أسماء الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، وفي بعض العقائق كان يشرح المتحدث خلفية اسم المولود إن كان منتسبًا لأحد الصحابة أو القادة في تاريخنا الإسلامي، ففي عقيقة نظَّمها أحد الإخوة من باقة الغربية، تحدث المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش عن الصحابي عكرمة، لأن اسم المولود- الذي أقيمت لأجله العقيقة- كان عكرمة، وبعد العقيقة انتشر اسم عكرمة في العديد من البلدات. وهكذا، كان إحياء هذه السُنّة سببًا في انتشار هذه المشاهد المباركة في بلداتنا وما رافقها من توجيهات دعوية ساهمت في تعزيز الصحوة الإسلامية”.
الاحتفاء بحجاج بيت الله
ثمّ توقف الشيخ رائد صلاح، عند نشاط آخر بادر إليه أبناء الصحوة الإسلامية في أم الفحم، وهو توديع حجاج بيت الله الحرام واستقبالهم بعد عودتهم من الديار الحجازية، مفصّلا: “لا شك أنَّ تلك الأيام تحمل ذكريات ذات نكهة وعاطفة قوية لا تزال حية حتى اللحظة. في تلك الأيام لمّا بدأت قوافل الحجاج تغادرنا إلى بيت الله الحرام، كنّا نجتمع بعدد كبير في منطقة الميدان، مكان انطلاق الحافلات وقتها، وكان الأخ علي الصالح ينشد بصوته العذب النشيد المعروف “يا راحلينَ إلى منىً بقيادي.. هيجتُمو يومَ الرحيل فؤادي” وغيره من الأناشيد، ونحن نردد خلفه بالتزامن مع تعليقات وتوجيهات دعوية كنت أعطيها أنا أو الشيخ هاشم عبد الرحمن أو الشيخ خالد مهنا، كنّا نفعل ذلك حتى يكتمل عدد ركاب الحافلة من الحجاج، ثم يعلو أحدنا مقدمة الحافلة ويرفع الأذان وسط بكاء بعض الناس والحجاج بسبب هيبة الموقف حيث كانت الأجواء شاعرية- وللأسف لم يتم توثيقها. إلى ذلك، بدأنا نطوّر أساليب التفاعل مع الحجاج ومواسم الحج، فبدأنا في زيارة الحجاج لوداعهم في بيوتهم، وأذكر موقفًا طريفًا للشيخ مصطفى العال حين كنّا في وداع الحاج محمود النمر، فلمّا هممنا بالمغادرة سلّمنا على الحاج محمود وعانقناه، وفعل الشيخ مصطفى العال مثلنا وزاد عليه بأن عانق أحد إخوة الحاج محمود- ولم يكن يريد السفر للحج- وقال له ممازحًا: حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا. عشنا هذه المشاهد الجميلة في ليالي توديع الحجاج. ثمّ بادرنا إلى استقبال الحجاج بعد عودتهم من الديار الحجازية، وأذكر أنَّ أحد الإخوة الحجاج أهدى لكل واحد منّا طاقية بيضاء، فلمّا غادرنا بيته لبس كل واحد طاقيته وسرنا في الشوارع بمشهد طريف- كنّا فرجة- ينظر الناس إلينا بتعجب لا سيما وكنّا صغارًا في السن. وفي مرة من المرات خلال تجوالنا وقد رافقنا الشيخ سليمان أبو شقرة (أبو سيف)، فكان يقول- على شكل طرفة- عن الحجاج بعد عودتهم “لو كنت مكانهم ما خرجت من بيتي فقد عادوا من الحج وغفر الله لهم، ممنوع أن يخرجوا من البيت حتى يبقوا على ذات الصفاء الذي اكتسبوه بأداء فريضة الحج”. ثمّ تطورت هذه المسألة لاحقًا، فأقمنا احتفالات توديع الحجاج في أحد المساجد، وكان يتحدث فيها العديد من الدعاة من بينهم مشايخ ودعاة من الضفة الغربية. وعندما كنت في رئاسة البلدية تبنت بلدية أم الفحم ممثلة بقسم الخدمات الدينية بإدارة الشيخ زياد خيري، احتفالات توديع الحجاج، وهو ما خفف على الناس في مسألة التجوال على البيوت لوداع الحجاج”.
حدث مصيري وحلم تحقق
ويرى الشيخ رائد أن فتح الباب أمام فلسطينيي الداخل لأداء فريضة الحج، أواخر السبعينيات، كان حدثًا مفصليًا في مسيرة المسلمين في أراضي عام 1948، مثنيًا على جهود المرحوم كامل الشريف (شخصية إسلامية أردنية بارزة) بهذا الخصوص، وقال: “اعتبرها مرحلة هامة جدًا في تاريخ مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، حيث عدنا إلى الجذور إلى نور النور إلى مكة المكرمة، عدنا إلى كل الأحداث العظيمة التي شهدتها تلك الديار المباركة، بدءا من مولد الرسول عليه الصلاة والسلام ثمَّ كل سيرورة تاريخنا الإسلامي، كنّا نقرأ عن تلك البلاد وتاريخها في الكتب أو نتحدث عنها على المنابر، أمّا أن نشاهد تلك البلاد والمواقع التي شهدت على أحداث غيّرت وجه التاريخ، فقد كان الأمر حلمًا: أن نطوف حول الكعبة، وأن نقبل الحجر الأسود، أو نقف قرب الروضة الشريفة وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوقوف على جبل عرفات وغير ذلك من المناسك. هذا الحلم بفتح السبل أمامنا لأداء الحج أصبح حقيقة”.
وأضاف: “الله العظيم أكرمنا، ولعل هذا كان تعويضًا لنا بعد سنوات انقطاع منذ النكبة الفلسطينية. اعتبرنا الإعلام العربي في عداد المفقودين وكأننا جزء من المجتمع الإسرائيلي، وهذا كان في غاية الخطورة”.
حول رحلته الأولى إلى الحج، يقول: “أكرمني الله تعالى بالحج لأول مرة عام 1989 عندما كنت رئيسًا لبلدية أم الفحم، وسفر فوجنا إلى الديار الحجازية كان سهلًا، توجهنا بالحافلات إلى عمّان ومن هناك توجهنا في الطائرة إلى جدة، وأذكر لما كنّا نحلق فوق جدة، وقف الحجاج ينظرون إلى الأسفل وهم في حالة من الذهول لدرجة أنهم لم يستمعوا إلى نداءات المضيفين والمضيفات بالجلوس لأننا على وشك الهبوط. لا يمكن أن أنسى تلك اللحظات وذلك المشهد، وشعرت وغيري من ضيوف الرحمن بفرحة غامرة”.
الاشتياق
بسبب منعه من السفر خارج البلاد من قبل السلطات الإسرائيلية وبالتالي تعذر سفره لأداء العمرة أو الحج، توجه الشيخ رائد إلى بلاد الحرمين بمشاعر اشتياق قال فيها: “سلامنا إليك يا مكة، ويا أيتها المدينة المنورة، والمسجد الحرام ومسجد رسول الله، سلامنا إليكم، يا وفود الحجاج والمعتمرين، ليتنا كنّا معكم نطوف حول الكعبة، ونسعى بين الصفا والمروة، ونرفع أكف الدعاء على جبل عرفات، ونرى الفرحة تشرق في روضة النبي صلى الله عليه وسلم وحول قبره، ليتنا كنّا معكم حتى نلتقي معكم في هذه الوحدة العالمية الإسلامية التي تجمع كل أجناس أهل الأرض على اختلاف لغاتهم وألوانهم ومسقط رؤوسهم، كنت تواقًا أن أكون مع زوجي الصبور “أم عمر”- أعانها الله على ما تحملت- لأداء العمرة ولكن الخيرة فيما اختاره الله، لعل عفوه محمود، لعل ما وراء المنع الظالم القاهر لسفري بعد سجني الأخير، والذي يحمل بُعد الاضطهاد الديني، لعل في ذلك خيرًا. وإن الصبر مع النصر وإن مع العسر يسرًا”.