نظرات في المشروع الإسلامي (1)
الشيخ رائد صلاح
(.. إذا كان نظام الحكم الديمقراطي يشبه نظام الحكم الإسلامي فيما يوجبه من اختيار الحكام بمعرفة ممثلي الأمة وفيما يوجبه من قيام الحكم على العدل والمساواة، وفيما يطبقه من حرية العقول والأفكار، فإن نظام الحكم الإسلامي يختلف عن الديمقراطية في أنه يضبط الحاكمين والمحكومين بضوابط تمنعهم من الانطلاق وراء الأهواء وتحول بينهم وبين الخضوع للشهوات. كذلك يختلف الإسلام عن الديمقراطية في أنه لا يترك مقاييس العدالة والمساواة وغير ذلك من الفضائل الإنسانية في يد البشر يرسمون حدودها فيوسعونها تارة ويضيقون منها نزولا على أهوائهم وخضوعا لشهواتهم، وإنما يرسم الإسلام حدود الفضائل والمبادئ الانسانية ويضع مقاييسها ويضبط البشر بهذه المقاييس العلوية، وبذلك حمى الإسلام الحياة العامة من الفساد، وكبح الأهواء، وأقام الحكم على أسس من الفضيلة يسلم بها الجميع ويحترمونها ولا يأنفون من الانضباط بها).
الإسلام كعقيدة ونظام
(الإسلام كعقيدة، هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ولكنه كنظام يرسم للإنسان منهاجه في الحياة وهدفه منه، كما يرسم له طرائق العمل التي تؤدي الى السعادة في الدنيا والآخرة. ويوجه الإنسان في كل حركاته وسكناته وفي تفكيره ونيته، وفي قوله وعمله. ويوجهه في سره وجهره، وفي قيامه وقعوده، وفي نومه ويقظته، وفي طعامه وشرابه وملبسه، وفي بيعه وشرائه، وفي تصرفاته ومعاملاته، وفي جدّه ولهوه وفرحه وحزنه ورضاه وغضبه، وفي بأسائه ونعمته، وفي مرضه وصحته وضعفه وقوته، وفي غناه وفقره وصغره وكبره، ويوجهه في بنيه وأهله، وفي صداقته وعداوته وفي سلمه وحربه، ويوجهه فردا وفي جماعة وحاكما ومحكوما وراعيا ورعية، وليس ثمّة تصرف يتصوره العقل أو حال يكون عليها الإنسان إلا والإسلام يوجه الانسان الوجهة التي رسمها”.
لأنَّ الإسلام عقيدة ونظام
لأنَّه عقيدة ونظام، فلا يمكن لإنسان أن يؤمن به عقيدة، ولا يؤمن به نظاما، وإلا لعاش في فصام يظنّ فيه أنه يمكن له أن يؤمن بعقيدة من عند الله وبنظام من عند غير الله وهو فصام مرفوض في الإسلام، يقول الله تعالى فيه: (… أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ..). البقرة:85. وحتى يزول هذا الفصام المرفوض فلا بد من الاستجابة لقول الله تعالى: (.. قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا..). النساء: 78.
الإسلام شريعة عالمية
(الأصل في الإسلام أنه شريعة عالمية لا مكانية، جاءت للعالم كله، لا لجزء منه، وللناس جميعا لا لبعضهم، وهو شريعة الكافّة، لا يختص بها قوم دون قوم، ولا جنس دون جنس، ولا قارة دون قارة، وهو شريعة العالم كله، يخاطب بها المسلم وغير المسلم، وغايته أن يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا).
حقوق الأفراد في الإسلام
(قرَّر الإسلام من يوم نزوله حقوقا للأفراد على الجماعة لم تعرفها القوانين الوضعية إلا بعد أن أتى بها الإسلام بثلاثة عشر قرنا تقريبا، وهذه الحقوق يقصد منها رفع مستوى الأفراد، وتمكينهم من المشاركة في العمل لخير الجماعة وإسعادها والاحتفاظ للفرد بكرامته الإنسانية، وتنمية مواهب الأفراد، ومساعدتهم على استغلال قواهم العقلية والجسمانية. وأهم الحقوق التي قرَّرها الإسلام للأفراد هي المساواة والحرية).
المساواة في الإسلام
(إذا كان البشر أبناء رجل واحد وامرأة واحدة، فإن وحدة أصلهم ترشحهم إلى المساواة في حقوقهم وواجباتهم ومسؤولياتهم، فلا فضل لرجل على رجل كما فضَّلت ذات يوم إنجلترا وفرنسا أبناءها على أبناء المستعمرات التي كانت تابعة لها، ولا فضل لأبيض على أسود كما كان يُفضّل الأمريكي الأبيض على الأمريكي الأسود، ولا فضل لجنس على جنس كما كانت ألمانيا وإيطاليا تدَّعيان أفضليتهما على سائر الأجناس، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الناس سواسية كأسنان المشط الواحد لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى…).
التفكير في الإسلام
(جاء الإسلام معلنًا حرية التفكير، محررًا العقول من الأوهام والخرافات والتقاليد، داعيًا الى نبذ كل ما لا يقبله العقل، ولقد قامت الدعوة الإسلامية نفسها على أساس العقل، فالقرآن يعتمد في إثبات وجود الله ويعتمد في إقناع الناس بالإسلام على استشارة تفكيرهم، وإيقاظ عقولهم، فيدعوهم إلى التفكير في خلق السموات والأرض، وفي خلق أنفسهم، ويدعوهم الى التفكير فيما تقع عليه أبصارهم، وما تسمعه آذانهم ليصلوا من وراء ذلك الى معرفة الخالق، وليستطيعوا التمييز بين الحق والباطل. ويعيب القرآن على الناس أن يلغوا عقولهم، ويعطّلوا تفكيرهم، ويقلدوا غيرهم، ويؤمنوا بالخرافات والأوهام، ويتمسكوا بالعادات والتقاليد دون تفكير فيما يأتون وما يدّعون، ويصف من كانوا كذلك بأنهم كالأنعام، بل أضلّ سبيلا من الأنعام. وفي ذلك يقول الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). الحج:46.
حرية الاعتقاد
(… وشريعة الإسلام هي أول شريعة أباحت حرية الاعتقاد، وعملت على صيانة هذه الحرية وحمايتها الى آخر الحدود، فلكل إنسان طبقا للشريعة الإسلامية أن يعتنق من العقائد ما شاء، وليس لأحد أن يحمله على ترك عقيدته أو اعتناق غيرها. واقرأ هذا المعنى صريحا في قوله تعالى: (.. لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..). البقرة: 256.
حرية القول
جعلت الشريعة الإسلامية حرية القول لكل إنسان، بل جعلت القول واجبا على المسلم في كل ما يمسُّ الأخلاق والمصالح العامّة والنّظام العام، وفي كل ما أوجبت فيه الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). آلـ عمران: 104. ولقد قررت الشريعة حرية القول من يوم نزولها، وضبطت في الوقت نفسه هذه الحرية بما يمنع من العدوان وإساءة الاستعمال. وكان أول من ضبطت حريته في القول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فرسم الله تعالى له طريق الدعوة، وبيّن له منهاج القول والحجاج، وأوجب عليه أن يعتمد في دعوته على الحكمة والموعظة، (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…). النحل: 125. وحرية القول مع هذه الضوابط تعود على الأفراد والأمم بالنفع، وتؤدي الى نمو الإخاء والاحترام بين الأفراد والهيئات وتجمع الكلمة على الحق، وتجعل الجماعة في حالة تعاون دائم، وتقضي على النعرات الشخصية والطائفية. وهذا كله ينقص العالم اليوم، أو يبحث عنه العالم فلا يهتدي إليه.