المسجد الأقصى بين الوصاية والتوصية
ساهر غزاوي
لا بدّ أن يتصدر مشهد شحن الأجواء والتنبيهات والتحذيرات والتهديدات قُبيل شهر رمضان الفضيل الأخبار والعناوين البارزة في معظم وسائل الإعلام، ولا بدّ أن يحظى هذا المشهد بزخم كبير، وأن يكون من القضايا المحورية المطروحة على طاولة مراكز الدراسات والأبحاث، حتى يتم تمرير قرار ما في المسجد الأقصى وتهيئة الرأي العام من أن تصعيدًا سيحدث، ليتم قبوله كأمر واقع، ويكون أثر الوقع عليه مستقبلًا أقل تأثيرًا.
لكن ليس فقط هذا القرار لا يحظى بالقبول، لما يمثله المسجد الأقصى من حالة حساسة لدى الفلسطينيين خاصّة ومعهم الشعوب العربية والإسلامية، إنما من شأنه أيضًا أن يُفجر الأوضاع ويُشعل المنطقة ويجرها إلى ما لا تحمد عقباه، بحيث أن الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يجد من يُلجمه، هو من يتحمل مسؤولية كل ذلك أولًا وآخرًا، وكيف وأنّ وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، تعهد العمل على تغيير “الوضع القائم” في المسجد الأقصى المبارك، خاصّة وأن موسم الأعياد اليهودية الذي يتزامن مع شهر رمضان لهو أفضل فرصة لتغيير “الوضع القائم”، بحسبهم.
في خضم هذا كله، يبرز الحديث عن تغيير “الوضع القائم” في المسجد الأقصى، ويقابله حديث عن ضرورة الحفاظ على “الوضع القائم” وعلى الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، لكن لكل طرف له تفسيره الخاص بمفهوم “الوضع القائم” والوصاية، فالنسبة للأردن فإن “الوضع القائم” هو ما أقرّه الاحتلال الإسرائيلي مع حلول عام 1967 واحتلال القدس والمسجد الأقصى، بحيث تكون الأردن لها الوصاية على المسجد، وتستطيع أن تديره مثلما كان يديره المجلس الإسلامي في عهد الاحتلال البريطاني.
أمّا الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، فيضربها الاحتلال الإسرائيلي بعرض الحائط ولا يكنّ لها أي احترام، والوضع القائم” بالنسبة للاحتلال نفسه، فهو متغير وغير قائم وغير ثابت، والاحتلال يتقدم خطوات بتمرير مشاريعه- من خلال مشهد شحن الأجواء أو من خلال مشهد التهدئة والهدوء- ليفرض واقعًا جديدًا على المسجد الأقصى ويصبح هذا الواقع بعد ذلك وضعًا قائمًا جديدًا متقدمًا بخطواته الاحتلالية عما سبقه.
فهل الوصاية الأردنية الهاشمية تستطيع أن تفرض أمرها على أرض الواقع؟ وهل هو هذا “الوضع القائم” الذي تُطالب الأردن الاحتلال الإسرائيلي احترامه على أساس أنّ المساس فيه يعتبر مخالفة لكل القوانين والمواثيق الدولية؟ وهل هو “الوضع القائم” الذي يُحذر العاهل الأردني من أن أي محاولة للمساس فيه ستكون لها انعكاسات سلبية على المنطقة بأكملها؟
فإذا كانت المملكة الأردنية الهاشمية التي “تكاد اليوم تنفرد بحمل راية الدفاع عن المسجد الأقصى سياسيًا وماليًا ورعاية” بحسب تصريح وزير الأوقاف الأردني، محمد أحمد الخلايلة، لا يكنّ الاحتلال الإسرائيلي لها، خاصة في ظل تركيبة الحكومة الحالية، أي احترام لإدارتها ولا لوصايتها التاريخية على المسجد الأقصى المبارك، وإذا كان الاحتلال الإسرائيلي لا يستجيب للقرارات والضغوطات الدولية ولا يحترم القوانين والمواثيق الدولية، فكيف ستستطيع الأردن الحفاظ على وصايتها وإداراتها التي تبدو في قلب الاستهداف الإسرائيلي؟.
أليس الأحرى بالأردن صاحبة الوصاية، في ظل هذا المشهد المُكرر الذي بات يُكرسه الاحتلال الإسرائيلي عشية كل شهر رمضان بشكل خاص، أن تأخذ بتوصية دعم المرابطين والمرابطات من أهل القدس والداخل الفلسطيني الذين باتوا خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى، وصمام الأمان للحفاظ على الأقل على “الوضع القائم” التاريخي للمسجد الأقصى والحفاظ على الوصاية الأردنية على المسجد وإدارته مثلما كان يُدار ما قبل عام 1967 واحتلال القدس والمسجد الأقصى، بدل أن تأخذ تجاه المرابطين والمرابطات موقف التجاهل والتعامي من حقيقة جهودهم ودورهم الكبير الذي أفشل وعرقل مشاريع تهويد المسجد الأقصى المبارك، ولولا هذا الجهد وهذا الدور المبارك لما سعى الاحتلال بكل ما أوتي من قوة لتفريغ المسجد الأقصى منهم ومن مشاريع الرباط ومصاطب العلم وإعمار الأقصى بالمدّ البشري خاصّة في ساعات الصباح الباكر، وهي ساعات الذروة للاقتحامات والانتهاكات.
ثمّ أليس الأحرى بالأردن أن يستجيب لتوصية النائب في مجلس النواب الأردني، ينال فريحات، الذي دعا حكومة بلاده، إلى دعم المرابطين في المسجد الأقصى، وطالب أيضًا الحكومة الأردنية ومؤسسات الدولة، بأن تكون على مستوى الحدث باتخاذ موقف ورد فعل قوي، بحيث سيساهم ذلك في تقليص الفجوة الكبيرة بين الشعب وهذه الحكومة، بحسب قوله.
وأليس الأحرى بالأردن أن تأخذ بوصية شيخ الأقصى، الشيخ رائد صلاح قبيل دخوله للسجن بلحظات يوم 16/8/2020 عندما حذر بأعلى صوته من أن الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى في امتحان كبير، وتأخذ بوصيته عندما نصح أهل الوصاية الأردنية بعضد دور فلسطيني كبير ودور عربي كبير ودور إسلامي كبير، ونصح بترحيب بكل دور شعوبنا المسلمة والعربية، وبكل رئيس صادق مخلص يساندكم يشد عضد الأردن في نصرة القدس والمسجد الأقصى المبارك، والترحيب بحاضنة الأهل المقدسيين وأهل الداخل وحاضنة كل شعبنا في الضفة وغزة والشتات، حتى لا تبقى الأردن وحيدة و”منفردة بحمل راية الدفاع عن الأقصى”، كما يقول وزير الأوقاف الأردني، ولا تبقى وصايتها وإدارتها تُضرب بعرض الحائط ولا يكنّ لها أي احترام، والأهم من ذلك حتى تحظى الأردن صاحبة الوصاية الهاشمية بشرف الحفاظ على قدسية وهوية المسجد الأقصى المبارك ومكانته الدينية والتاريخية والعقائدية.