هكذا عاقبت أميركا منتقدي إسرائيل..
جددت حادثتان شهدتهما الساحة الأكاديمية والسياسة الأميركية مؤخرا الجدل حول تهمة العداء للسامية، وحدود المسموح به عند توجيه انتقاد سياسيات لإسرائيل.
ويتكرر في أروقة العاصمة الأميركية جدل من حين لآخر حول حدود الهجوم على سياسات إسرائيل العنصرية تجاه الفلسطينيين، وكيف يمكن أن تقضي هذه الآراء على المستقبل السياسي للبعض.
وكانت وزارة الخارجية قد سحبت ترشيح البرفيسور جيمس كافالارو عضوا مستقلا في “لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان” بسبب تغريدات قديمة له عن الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ومسؤولية الجيش الإسرائيلي عنها، وجاء قرار السحب بعد عدة أيام من إعلان الخارجية الأميركية ترشحه لهذا المنصب.
من جهة أخرى، تراجعت جامعة هارفارد -أعرق الجامعات الأميركية وأقدمها- عن قرار عدم منح كينيث روث الرئيس السابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” (Human Rights Watch) زمالة بحثية، والذي اتخذته بسبب مواقف روث من إسرائيل ووصفه لها بأنها دولة أبارتهايد (فصل عنصري).
معضلة التعريف
لا يوجد تعريف دقيق متفق عليه لوصف العداء للسامية كي لا يستخدم لترهيب منتقدي إسرائيل، إلا أنه بصفة عامة يقصد به “تصور معين لليهود، يمكن التعبير عنه بأنه كراهية لفظية أو مادية تجاه اليهود كونهم يهودا”.
وعلى الرغم من تبوء اليهود الأميركيين الكثير من المناصب الرفيعة في الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية بنسب ضخمة تفوق نسبتهم من إجمالي سكان أميركا، فإن منظمات يهودية تتحدث عن زيادة في تعرضهم إلى “حوادث كراهية” خلال العامين الأخيرين.
ويؤمن الكثير من الخبراء بأن نفوذ الرئيس السابق دونالد ترامب في أوساط اليمين الجمهوري من ناحية، وصعود التيار التقدمي من ناحية أخرى في الحزب الديمقراطي، وانفتاح وسائل التواصل الاجتماعي، هي عوامل أسهمت في انتشار الخطاب المعادي لليهود.
لكن الأمر لا يتوقف عند الخطاب المعادي لليهود، إذ أصبح توجيه انتقادات موضوعية وموثقة للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين كفيلا بتوجيه تهمة “العداء للسامية” لهذه الأصوات.
وتوسع الاستخدام السياسي للتعريف ليشمل الكثير من المنتقدين للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وأصبح يساء استخدام مفهوم العداء للسامية لقمع النقد المشروع والأنشطة الموجه ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية بما في ذلك دعوات حركة مقاطعة إسرائيل “بي دي إس” (BDS).
حالة جيمس كافالارو
وقال الأكاديمي جيمس كافالارو إن سحب إدارة بايدن ترشيحها له جاء بسبب تغريدات قديمة له عن الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ومسؤولية الجيش الإسرائيلي عنها.
وقال الأكاديمي الذي يُدرس في جامعة ويزليان، إضافة لكونه محاضرا في جامعات أخرى منها ييل وبيركلي، إن مهمته الأساسية هي “فضح جميع الانتهاكات في المناطق التي يزورها باعتباره ناشطا حقوقيا مستقلا”.
وأسس كافالارو الشبكة الجامعية لحقوق الإنسان، ويدخل توثيق الانتهاكات العالمية ضد حقوق الإنسان ضمن مهام الشبكة، ويقول كافالارو إن ما قام به من عمل في فلسطين كان “توثيقا موضوعيا لحالة حقيقية من سياسة الفصل والتمييز العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين”.
وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن إدارة بايدن سحبت ترشيحها كافالارو بسبب وصفه إسرائيل بأنها “دولة فصل عنصري”، وانتقاده زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب حكيم جيفريز، ووصفه بأنه “مرتش وتم شراؤه وخاضع لسيطرة منظمة “أيباك” (AIPAC)، كبرى مؤسسات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.
ورفض كافالارو قرار سحب ترشيحه، وقال إن “ترشحه لم يكن ليؤثر على سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل”، واصفا سحب ترشيحه بأنه جزء صغير من “الرقابة الأوسع على المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يدينون الفصل العنصري في إسرائيل”.
هارفارد تتراجع
وتراجعت كلية كينيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد عن قرار رفض تقديم زمالة سبق أن منحتها لكينيث روث، بعد أن أثار قرار السحب غضبا واسعا حول قضية الحرية الأكاديمية وحدود انتقاد إسرائيل.
وبعد منحه الزمالة من قبل مركز كار لسياسات حقوق الإنسان، استخدم دوغلاس إلمندورف عميد كلية كينيدي حق النقض ضد زمالة روث، وقال إلمندورف لزملائه إنه قلق بشأن التصورات بأن منظمة هيومن رايتس ووتش التي ترأسها روث لديها تحيز ضد إسرائيل.
وأثارت الأنباء التي تفيد بأن الجامعة منعت زمالة الرئيس السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش، جدلا حول الحرية الأكاديمية وتأثير المانحين، ووقع أكثر من ألف من طلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين في جامعة هارفارد عريضة ينتقدون فيها قرار العميد.
واضطر إلمندورف إلى التراجع، وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى طلاب وأساتذة كلية كينيدي إن قراره كان “خطأ”، وسيتم منح الزمالة إلى كينيث روث.
وأشارت تقارير إلى مخاوف إلمندورف من أن يدفع منح زمالة هارفارد إلى كينيث روث إلى إغضاب بعض الممولين والمناحين للجامعة من الأغنياء اليهود.
وقبل روث تغيير موقف جامعة هارفارد رأيه وعبّر عن سعادته به، وطالب بمزيد من الشفافية في تمويل المؤسسات الأكاديمية، ودعا جامعة هارفارد إلى تقديم التزام أقوى بالحرية الأكاديمية.
وكان تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر عام 2021 قد خلص إلى أن سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تفي بالتعريف القانوني لـ”جريمة الفصل العنصري”.
حدود حرية التعبير
ويعد المثالان السابقان الأحدث في سلسلة تصعيد الجدل الدائر حول متى يتحوّل انتقاد إسرائيل إلى معاداة للسامية، ومتى يتم استخدام اتهامات معاداة السامية، بدورها، لإسكات منتقدي إسرائيل.
وردا على سؤال حول حق الأميركيين في التعبير بحرية عن آرائهم كما نصّ الدستور على ذلك، لم يرد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية نيد برايس على حرية التعبير كمبدأ دستوري يقدسه الأميركيون.
وقال برايس إن إدارة بايدن “تحترم دائما حقوق المواطنين الأميركيين الراسخة في حرية الرأي كما جاء في التعديل الدستوري الأول، لكن هذا لا يعني أننا سنتردد بأي شكل من الأشكال في إدانة الآراء والتصريحات التي تستهدف إسرائيل بشكل غير عادل أو تسعى إلى نزع الشرعية عنها”.
وأضاف برايس أنه “بمجرد معرفتنا بطبيعة تعليقات البروفيسور كافالارو، وكونها كانت غير ملائمة وغير مناسبة على الإطلاق، وبمجرد ظهور هذه المعلومات، فقدنا الثقة في هذا الشخص وقدرته على العمل مرشحا ناجحا”.