ليلة مضنية عاشها السوريون بعد الزلزال الجديد
لم تندمل جراح الزلزال بعد في الشمال السوري، وقبور ضحاياه لازالت حديثة، ما جعل الزلزال الجديد بمثابة انتكاسة لمحاولات التعافي من الصدمة الأولى.
نزل عثمان السيد إلى الشارع حافيًا، فعل ذلك من دون أن يعي أين أولاده الثلاثة وزوجته، فالخوف جعله غير قادر على تمالك أعصابه، وفق تصريحاته لوسائل إعلام.
يضيف: “كانت لحظات مرعبة شعرت فيها بخوف مضاعف مقارنة بما شعرت به عند حدوث الزلزال الأول، أصبحت كل شوارع مدينة الدانا مزدحمة، فكل الناس كانت في الشوارع”.
يوضح السيد: “الخوف لا يغلبه شيء، والهلع أفقدني القدرة على التفكير، فلم أدرك ما الذي يتوجب عليه فعله، ولازالت يداي ترتجفان، وأمضيت ليلتي مع أولادي في الشارع، كما فعل بقية الناس، وأقاربي لديهم خيمة نامت فيها النساء مع الأطفال الصغار، ونحن تدبرنا أمورنا مع الشباب، وبقيت مستيقظاً حتى الصباح”.
بعد الزلزال الجديد، أعد سيد إبراهيم حمادي خيمة لينام أطفاله وأطفال بعض أقاربه. يقيم حمادي في ريف إدلب الشمالي، وقال في تصريحات للإعلام: “أعاني منذ وقوع الزلزال السابق من اضطراب في النوم، وفي العادة أنام ساعتين من شدة التعب، كما أعاني من تشنج في المعدة. فقدت أقاربي في الزلزال الأول، وأخشى من فقدان أحد أفراد عائلتي. الخيمة شيدتها من بعض الأغطية والشوادر البلاستيكية قرب البيت، وهي ملاذ بديل عن المنزل”.
في المقعد الخلفي للسيارة، نام أطفال حازم الموسى الذي غادر بسيارته مدينة الدانا ليبتعد عن انهيار محتمل للمباني، ويوضح في حديث معه: “اللحظات الأولى كانت مخيفة. أولادي الثلاثة كانوا يتحضرون للنوم متنعمين بالدفء في البيت، وفور وقوع الزلزال غادرنا البيت، وفقدت الأولاد بسبب الزحام والتدافع في الشارع، وبعد أن عثرت عليهم، جلسوا في المقعد الخلفي للسيارة، ومع شعورهم بالدفء خلدوا إلى النوم، أما أنا فسهرت إلى جوار السيارة حتى نال مني التعب، لكنني لم أتمكن من النوم، بل ظللت مستيقظاً حتى حلّ الصباح”.
وتروي مريم الصالح في حديث صحفي: “عند حدوث الزلزال سارعت إلى مغادرة البيت الذي تقيم فيه ضمن مخيم قريب من بلدة دير حسان شمالي إدلب. كان الأطفال يشاهدون التلفاز، ولأن بيتنا صغير للغاية، كانت مغادرته سريعة. حدثت هزة ثانية لكنها ليست قوية كالأولى، وبقينا حتى الساعة الواحدة صباحاً خارج البيت، لكن البرد لا يحتمل، فعدنا مع الأطفال، ظللت أنا وزوجي مستيقظين حتى الصباح، وعلى أهبة الاستعداد للمغادرة حال حدوث هزة جديدة. كنت أرتجف طوال الليل من الخوف وليس من البرد، ولم أستطع أن أغفو رغم التعب. أين سنذهب إن انهار البيت، فلا نملك خيمة نأوي إليها، والصدمة أشد من أن نتحملها مجدداً”.
أمضى مصطفى العلي ليلة الزلزال الجديد في السيارة مع زوجته وأطفاله، ويقول: “أسكن في الطابق الرابع، وكنت خارج البيت عندما حدث الزلزال، لكن زوجتي وأولادي كانوا في البيت، ونزلوا إلى الشارع، وعندما عدت وجدتهم خائفين من انهيار البيت، فجلسنا في السيارة، وبدأت أسير في شوارع مدينة إدلب، حتى أنني فكرت في العودة إلى بلدتي، أو نصب خيمة لأنال قسطاً من الراحة، لكنني لم أفعل. انقطعت الكهرباء في إدلب، وكان الأهالي في الشوارع، فتوقفت في منطقة مفتوحة قرب المدينة حتى حلول الصباح، ثم عدت إلى المنزل مع شروق الشمس”.
لم تكن العودة إلى البيت آمنة، كما يوضح محمد عجاج: “العوائل لا تشعر بالأمان، خصوصاً من يعيشون في المباني الطابقية، والغالبية باتت في الأراضي الزراعية والسيارات رغم البرد، وشاهدت امرأة مسنّة أغمي عليها، وسقطت أرضاً بسبب الخوف، قبل أن يسارع أولادها لحملها”.
افترشت العوائل الأرصفة والحدائق العامة، وباتت عوائل في الأراضي الزراعية تحت الأشجار، والكثير منهم بحالة يرثى لها، وحلمهم كان الحصول على خيمة.
يبيّن مصطفى كلاوي، والذي بات ليلته في العراء بمدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي، أن “حال أفراد عائلتي كحال كثير من السكان، فليس لدينا سيارة ولا خيمة. أخرجت حصيراً وأغطية من البيت، وأشعلت ناراً التف حولها الأولاد قبل أن يغلبهم النعاس. لم أنم منذ وقوع الزلزال، رغم أنني منهك حتى الرمق الأخير. كانت ليلة مرعبة، وأحمد الله أنها مرت من دون أن أفقد أحداً تحت الركام”.
وتابع كلاوي: “من المواقف المؤثرة التي شهدتها الليلة الماضية، بقاء رجل مسن وحيدا في المنزل بعد أن غادر أفراد عائلته جميعاً، وتركوه عند وقوع الزلزال، حينها لم يكن أحد قادراً على التفكير بسبب الهلع، إذ كانت الصدمة أكبر من تحملها. حتى بعد شروق الشمس، كان الناس بحالة من الخوف والرعب الشديدين، كنا نحاول نسيان صدمة الزلزال السابق، لكننا صدمنا من جديد، والأزمات النفسية ستلاحقنا وتلاحق أطفالنا”.